مرض السكري على الحمل

كشفت دراسة جديدة لباحثين من اسكتلندا، تتبعوا من خلالها لمدة 15 عاماً العلاقة بين مرض السكري وتأثيراته على الحمل، أن وجود كل من النوع الأول لمرض السكري (T1D)، والنوع الثاني لمرض السكري (T2D)، لدى الأمهات الحوامل، يرتبط بارتفاع معدلات الإصابة بالمضاعفات الصحية خلال فترة الحمل. وتشمل المضاعفات صحة عملية الحمل نفسها، وصحة الأمهات الحوامل، وصحة الأجنة. ووفق ما نُشر في 11 يناير (كانون الثاني) الحالي، في مجلة علم مرض السكري «ديابيتولوجيا» Diabetologia الصادرة عن الرابطة الأوروبية لدراسة مرض السكري EASD، فإن المضاعفات تلك تصل إلى حد حصول حالات الإملاص Stillbirths، أي ولادة جنين توفي وهو في الرحم، والاضطرار إلى اللجوء إلى العملية القيصرية لإتمام عملية الولادة، فضلاً عن ارتفاع خطر احتمالات وفيات الأطفال الرُّضّع.

- السكري والولادات
وقال الباحثون في مقدمة دراستهم إن الهدف من دراستهم طويلة الأمد معرفة نتائج الولادة في حالات الحمل التي يُصاحبها الإصابة بالنوع الأول أو النوع الثاني من مرض السكري. ولقد قمنا بتحليل البيانات المتعلقة بولادة أطفال أحياء أو حالات الإملاص في الفترة ما بين أبريل (نيسان) 1998 و31 مارس (آذار) 2013 باستخدام سجلات المرضى الاسكتلندية SMR، والتي تضمنت أكثر من 800 ألف حالة مرضية. وأضاف الباحثون أنهم قاموا بفرز ودراسة حالات الحمل التي يُرافقها النوع الثاني من السكري وحالات الحمل التي يُرافقها النوع الأول من السكري، ثم قارنوا نتائج الفترة المحيطة بالولادة (Perinatal Outcomes) بين النساء المصابات بمرض السكري من النوع الأول، وبمرض السكري من النوع الثاني من جهة، وبين أولئك الحوامل اللواتي ليس لديهن إصابة بمرض السكري من جهة أخرى.

وتبدأ الفترة المحيطة بالولادة من بداية الحمل حتى 4 أسابيع ما بعد إتمام الولادة، وتشمل نتائج تلك الفترة الحالة الصحية للأم الحامل، والحالة الصحية للجنين والمولود لاحقاً، وكذلك تطور وسير عمليتي الحمل والولادة.

ولاحظت عدة دراسات طبية سابقة في نتائجها أن وجود الإصابة بمرض السكري لدى الأم الحامل يرفع من المخاطر الصحية في نتائج الفترة المحيطة بالحمل، كما أفادت نتائج دراسات إحصائية واسعة، منها ما تم في اسكتلندا، أن معدلات حصول حالات الإملاص ووفيات الحوامل أعلى مقارنةً بحالات الحمل الخالية من إصابة الأم الحامل بمرض السكري. وما حاول الباحثون تتبع نتائجه في دراستهم الحديثة هو مدى التطور في التعامل الطبي مع هذه الحالات لخفض تلك الاحتمالات السلبية المرتبطة بالحمل والولادة لدى مريضات السكري.

- حالات الحمل السكري
وأفادت نتائج الدراسة الاسكتلندية الحديثة هذه أن هناك ارتفاعًا واضحًا خلال فترة الـ15 سنة الماضية في عدد الحوامل اللواتي هن بالأصل مُصابات بالنوع الأول أو بالنوع الثاني من السكري. وتحديداً، أفاد الباحثون في نتائجهم بأن حالات حمل الأمهات المُصابات بالنوع الأول من السكري ارتفعت بنسبة 44% خلال فترة الـ15 سنة الماضية، كما ارتفعت في نفس الفترة حالات حمل الأمهات المُصابات بالنوع الثاني من السكري بنسبة 90%.

كما لاحظت نتائج هذه الدراسة الحديثة أن الأمهات الحوامل المُصابات في الأصل بالنوع الأول أو النوع الثاني من السكري يلدن في وقت مبكر، وكثير منهن يلدن قبل الموعد الطبيعي، أو ما يُترجم طبياً إلى العربية بعبارة «الولادة المبتسرة» Preterm Birth.

ووفق ما تقوله نشرات منظمة الصحة العالمية (WHO)، يُعرف المواليد المبتسرون (الخدج) بأنهم المواليد الذين يولدون أحياءً قبل استكمالهم 37 أسبوعاً من الحمل. وهناك فئات فرعية للابتسار Preterm Birth Sub - Categories تستند إلى العمر الحملي، وهي: الابتسار البالغ (أقل من 28 أسبوعاً)، والابتسار الشديد (من 28 إلى أقل من 32 أسبوعاً)، والابتسار المتوسط (من 32 إلى أقل من 37 أسبوعاً.

 

 وأفاد الباحثون في نتائج دراستهم هذه بأنه وبالمقارنة مع الأمهات الحوامل اللواتي هن غير مُصابات بالسكري، فإن الحوامل المُصابات بالنوع الأول من السكري تحصل لديهن الولادة مبكراً بنحو 2.6 (اثنين فاصلة ستة) أسبوع، وأن الحوامل المُصابات بالنوع الثاني من السكري تحصل لديهن الولادة مبكراً بنحو أسبوعين. ورغم ملاحظة الباحثين أنه هذه نتائج أفضل مما كان عليه الحال قبل 15 عاماً، فإن حالات الولادة قبل الموعد الطبيعي، أو حالات الولادة المبتسرة، ارتفعت في كل من حالات الحوامل بالنوع الأول والنوع الثاني من السكري مقارنةً مع الأمهات الحوامل اللواتي هن غير مُصابات بالسكري

وأضافت نتائج الدراسة ملاحظة أن اللجوء الاختياري إلى إجراء الولادة بالعملية القيصرية كان بنسبة نحو 30% في حالات ولادة الأمهات المُصابات بالنوع الأول والنوع الثاني من السكري مقارنةً مع نسبة 9% في حالات ولادة الأمهات الحوامل اللواتي هن غير مُصابات بالسكري. وكذلك الحال لنسبة الاضطرار إلى اللجوء إلى العملية القيصرية لإتمام الولادة. ولم يلحظ الباحثون أي تغير إيجابي في معدل «وزن الطفل عند الولادة» لدى الأمهات المُصابات بالنوع الأول والنوع الثاني من السكري، وهو لا يزال أعلى من وزن الطفل عند الولادة لدى الأمهات غير المصابات بالسكري.

وأفادت نتائج الباحثين الاسكتلنديين في دراستهم الحديثة هذه بأن معدلات حصول حالات الإملاص وحالات وفيات الأمهات لم تتغير خلال الـ15 سنة الماضية، وتحديداً لاحظوا في نتائجهم أنها ما بين 3 - 5 أضعاف مقارنةً بالحوامل اللواتي هن غير مُصابات بمرض السكري.

- تقليل المخاطر
وخلص الباحثون إلى أن «الحمل بالنسبة إلى النساء المصابات بمرض السكري لا يزال يحمل مخاطر صحية ولا يزال هناك الكثير مما ينبغي فهمه فيما يتعلق بالأسباب، وما التدخلات العلاجية الفعالة من أجل تقليل هذه النتائج السلبية، وهناك مجال كبير لتحسين متابعة الحوامل المُصابات بالسكري».

ويقول الباحثون الطبيون في «مايوكلينك»: «اجتماع الحمل مع مرض السكري يُمثل تحدياً صحياً فريداً، ويجدر دائماً تذكر الهدف، وهو ضبط نسبة السكر في الدم بشكل جيد، وما الأمور التي تُساعد على تحقيق ذلك، وأن العمل على ضبط نسبة السكر في الدم قبل وخلال وبعد مرحلة الحمل هو ما يُسهم في تقليل احتمالات حصول المخاطر الصحية».

ويُضيف أطباء «مايوكلينك» قائلين: «بالإمكان فعل الكثير لتحسين حالة صحة الحامل وصحة عملية الحمل والولادة وصحة الجنين، إن السيطرة الجيدة على نسبة السكر في الدم خلال فترة الحمل يمكن أن تُفيد في:

• الحد من خطر الإجهاض والإملاص: السيطرة الجيدة على السكر في الدم تقلل من خطر الإجهاض والإملاص، وهي المخاوف الطبية الرئيسية لاجتماع حالة الحمل والسكري، والمرضى الذين يعانون من مرض السكري غير المنضبط لديهم خطر أكبر للإجهاض والإملاص.

• الحد من خطر الولادة المبكرة: كلما كان التحكم في نسبة السكر في الدم أفضل، قلّ احتمال الذهاب إلى المخاض قبل الأوان.

• الحد من مخاطر العيوب الخلقية: السيطرة الجيدة على نسبة السكر في الدم قبل وفي أثناء الحمل يقلل بشكل كبير من خطر إصابة الطفل بالعيوب الولادية، خصوصاً تلك التي تؤثر على الدماغ والعمود الفقري والقلب.

• الحد من خطر زيادة وزن الجنين: إذا كان ثمة ضعفاً في السيطرة على نسبة السكر في الدم، يمكن أن يدخل عبر المشيمة إلى الجنين مزيدٌ من سكر الجلوكوز، ما يؤدي إلى زيادة وزن الطفل Macrosomia. والطفل كبير الحجم يجعل الولادة المهبلية صعبة، ما يزيد من احتمالات اللجوء إلى الولادة القيصرية.

• منع حصول المضاعفات لدى الأم الحامل: إن السيطرة على نسبة السكر في الدم بطريقة جيدة تقلل من خطر التهابات المسالك البولية والتهابات الفطريات. ويمكن أن تساعد أيضاً على تجنب حصول مضاعفات السكري مثل الحماض الكيتوني السكري Diabetic Ketoacidosis. وفي حالات الحماض الكيتوني السكري، ترتفع بشكل كبير نسبة السكر في الدم لدرجة لا يُمكن للجسم التغلب عليها عبر صنع ما يكفي من الأنسولين، مما يؤدي إلى تراكم المواد الكيميائية التي تسمى الكيتونات في الدم، وهي حالة مرضية إسعافية تتطلب الدخول إلى المستشفى للمعالجة.