القاهرة ـ شيماء مكاوي
لم يكن دخول الفنانين والإعلاميين في انتخابات مجلس النواب لمجلس الشعب؛ أمرًا مستحدثًا أو غريبًا، وكان الرئيس الراحل أنور السادات؛ سببًا رئيسًا في دخول الفنانين إلى المجلس، والوقوف تحت قبة البرلمان، وذلك عندما قرر إنشاء مجلس الشورى تحت رئاسة الدكتور صبحي عبدالحكيم، وقرر تعيين عدد قليل من رموز الفن في عضوية المجلس صاحب السلطات المحدودة.
ويعتبر الفنان الراحل محمود المليجي، أول من دخل مجلس الشورى، وذلك بعد أن تم اختياره في عهد السادات، وعين عضوًا في مجلس الشورى عام 1980 في مفاجأة هزت الأوساط الفنية في ذلك الوقت، ووقت إعلان هذا النبأ، كان مسافرًا لتصوير فيلم "جنون الشباب" عام 1980، وبعد ذلك بدأ المليجي مشوارًا استكمله آخرون بعد وفاته وحتى وقتنا هذا.
ثم بعد ذلك جاء موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذي خلف المليجي في عضوية المجلس عام 1983، وفق قرار من الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، كما اختير عضوًا في مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون في العام نفسه، وكانت تربطه صداقة شخصية مع السادات الذي منحه عام 1979 رتبة اللواء، وارتدى الزي العسكري أثناء قيادته معزوفة السلام الوطني، بعد توقيع معاهدة "السلام" 1979.
وكان عبدالوهاب، دائم الحضور من أول يوم، ولم يمنعه عن ذلك سوى مرضه في أيامه الأخيرة، ومن المعروف أنها لم تكن خطوته الأولى نحو السياسة، إذ ربطته صداقات قوية مع مصطفى النحاس ومكرم عبيد وأحمد ماهر، وكان دائما يؤمن بأن الفنان إذا لم يكن فنانًا؛ فمن الممكن أن يكون سياسيًا.
أما الفنانة الراحلة أمينة رزق؛ فتم تعينها عضوًا في مجلس الشورى خلال آيار/مايو 1991، بعد وفاة عبدالوهاب؛ لتكون أول فنانة تدخل مجلس الشورى كعضوة، وكان اختيارها تقديرًا لعطائها الفني الطويل، وكان لها دور مؤثر عندما كانت تتحدث تحت قبة مجلس الشورى، فكانت فنانة مهمومة بمشاكل الناس.
واهتمت رزق، خلال فترة عضويتها بالتشريعات التي تهم الضريبة الموحدة، وتجارة المواد المخدرة، والعقوبات التي توقع على المدمنين، وأيضًا قضايا المرأة، والأحوال الشخصية والفنية، وبذلك تحولت الخام إلى "زعيمة المعارضة"، وقدمت استجوابًا إلى وزير الثقافة وقتها فاروق حسني، عن حالة المسرح المصري الذي أصبح لا يُصدر الفن الراقي للخارج؛ بل يصدر الفنون الشعبية و"كأن بلدنا بلد رقص"، على حد قولها.
أما الفنانة الكبيرة مديحة يسري؛ فانضمت إلى الفنانين الذين سبقوها في مجلس الشورى، بعد أن عينها الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك في تموز/يوليو عام 1998، وسمعت خبر تعيينها في نشرة أخبار التاسعة على التلفزيون المصري، وقالت إنها تفاجأت، بشدة من هذا القرار.
وشاركت يسري، في أكثر من لجنة داخل المجلس، مثل: لجنتي الآثار والإعلام، وزارت خلال ذلك معابد الأقصر، وفحصت المراكب السياحية وقصور الثقافة وغيرها، كما كانت الوحيدة التي دائما، ما تبدأ الحديث عن السينما؛ فاقترحت إنشاء قسم لفنون السينما داخل مكتبة الإسكندرية، وقسم آخر للقصائد والأغاني، وإنشاء بنك يدعم السينما المصرية وتكاليفها الباهظة.
أما الفنان الراحل حسين صدقي؛ فترشح إلى أحد مناصب البرلمان؛ بناءً على طلب جيرانه وأهل حيه، ونجح على نحو ساحق في الحصول على عضوية البرلمان عبر الانتخاب المباشر، وتم انتخابه عام 1961 عضوًا في مجلس الأمة "مجلس الشعب" حاليًا، الذي تم حله بعد عام واحد، ما أهله إلى تمثيل أهل دائرته في البرلمان، وعرض مطالبهم، والعمل على حل مشاكلهم، وعل الرغم من أنّه لم يرشح نفسه في الانتخابات التي جاءت بعد حل مجلس الأمة؛ إلا أنّه أصر على اعتزال الحياة الفنية حتى وفاته في العام 1976.
وأثناء تول صدقي، مهمته في البرلمان، بنى أول عمارة تعاونية عام 1964، يمتلك سكان الشقق، من خلال بيعها وليس تأجيرها، وخصص للعمارة أيضًا، قانونًا ولائحة ليسير نظامها على جميع ملاك الشقق، وكان ضمن اللائحة مشروع اسمه "صندوق العمارة"، يساهم فيه كل صاحب شقة عبر دفع مبلغ جنيه كل شهر، للإنفاق على صيانة العمارة، وتسديد فاتورة "نور السلم"، ويجوز لأي مالك في العمارة الاقتراض من الفائض في الصندوق من دون فوائد في أي وقت يكون في حاجة إليه.
وتعتبر الفنانة الراحلة فايدة كامل أشهر أهل الفن في مصر الذين دخلوا البرلمان وأطولهم عمرًا فيه، المطربة السابقة، نائبة الحزب الوطني المنحل عن دائرة حي الخليفة في القاهرة لأعوام عدة، وترأست لجنة الثقافة والإعلام والسياحة في مجلس الشعب، وعلى الرغم من أنها كانت زميلة المطرب عبد الحليم حافظ أثناء الدراسة في معهد الموسيقى وحققت نجاحات فنية بدءًا من الخمسينات حتى السبعينات، خصوصًا في مجال الأغنية الوطنية، ففضلت كامل قبل أعوام التوقف عن الغناء؛ والتفرغ للعمل البرلماني والالتحاق بأمانة المرأة في الحزب المنحل.
واستطاعت كامل، أن تحتفظ بكرسي البرلمان على مدار 34 عامًا متواصلة، ما جعلها تدخل موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية العالمية كأقدم برلمانية في العالم، واقتحمت عالم السياسة للمرة الأولى عام 1966، وفي ذلك الوقت كانت مقررة التنظيم النسائي في قسم الخليفة، ورشحت نفسها في الانتخابات البرلمانية أمام 13 رجلًا، وفازت عليهم وحصلت على 15 ألف صوت، أي ما يوازي 93% من جملة الناخبين، ودخلت البرلمان في 11 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1971 وحتى نهاية الفصل التشريعي في عام 2005، وكانت بذلك أول فنانة مصرية تدخل البرلمان.
وانضم الفنان المصري حمدي أحمد، إلى الحياة السياسة؛ عندما انتخب عضوًا في مجلس الشعب عام 1979 عن دائرة بولاق، في القاهرة، مرشحًا عن حزب "العمل الاشتراكي" المعارض في الفترة من 1979 إلى 1984؛ لكنه لم ينجح عن الدائرة نفسها في الانتخابات التالية، وهو كاتب سياسي في جريدة "الشعب والأهالي والأحرار والميدان والخميس"، ويكتب "رؤية" في جريدة "الأسبوع" منذ 1998، وكان انسحابه من الحزب نتيجة للخلاف بينه وبين رئيسه إبراهيم شكري في ذلك الوقت.
وبعد ثورة 25 كانون الثاني/يناير، ظهرت طوائف جديدة للفنانين للترشح إلى الانتخابات البرلمانية، وأصبحت الساحة مفتوحة للجميع، بعدما كان يتم تعيين الفنانين بأمر رئاسي وفق اختيار من رئيس الجمهورية نفسه، كما حدث في بداية مجلس الشورى.
وجاء على قائمة الفنانين المرشحين لمجلس النواب، الفنان خالد يوسف الذي قدم أوراق ترشحه عن دائرة كفر شكر وسط جمع كبير من أبناء منطقته، فيما تخوض الفنانة تيسير فهمي الانتخابات البرلمانية، كما تشارك الفنانة هند عاكف في الانتخابات البرلمانية المقبلة عن دائرة المقطم، وتعد هذه التجربة الأولى بالنسبة إليها، ويخوض الفنان حمدي الوزير الانتخابات البرلمانية لهذا العام، عن دائرة العرب والمناخ في بورسعيد موطنه.
كما قدمت الفنانة الشابة إيمان أيوب أوراق ترشحها لانتخابات مجلس النواب المقبلة، معلنة خوضها السباق الانتخابي، ضمن قائمة "نداء مصر" عن دائرة مركز شرطة الهرم، وقدمت الإعلامية الدكتورة حياة عبدون المذيعة في التليفزيون المصرى وعضو مجلس الشعب السابق، صباح الجمعة، أوراق ترشحها لمجلس النواب إلى محكمة الزقازيق الابتدائية وحصلت على رمز التليفزيون.
والسؤال هنا هل يستطيع الفنان أن يكون نائبا في مجلس الشعب، وينجح في عمله كفنان وكإعلامي؟ وتعقيبا على ذلك أبرز أستاذ الإعلام الدكتور محمود خليل، أنّ دخول الفنانين والإعلاميين البرلمان أمر طبيعي؛ لأن البرلمان لابد أن يعبر عن جميع أطياف الشعب، والفنانين والإعلاميين فئة من هذه الفئات مثلما يدخل الفلاح والعامل وغيرها من الصناعات لابد أن يكون هناك هم أيضًا، مادامت لديهم القدرة على تحقيق الموازنة الصعبة ما بين عملهم في الإعلام والفن، وخدمة الشعب والجهة الذين يترشحون عنها، ومادمت ليس هناك أي مصالح من الترشح للانتخابات، سوى خدمة الشعب، فما المانع من ترشح الفنانين والإعلاميين للبرلمان.