تونس ـ كمال السليمي
بدا وزير المالية التونسي محمد رضا شلغوم مبتهجا على غير عادته، وهو ينظر إلى جداول بالأرقام التي بين يديه، ولكن من الصعب معرفة السبب. فقد ذكر موقع "بلومبرغ" الأميركي أنه رغم كل مؤشر اقتصادي مهم، فإن تونس الدولة الشمال أفريقية، تعد حالياً أسوأ حالا منذ الإطاحة برئيسها السابق زين العابدين بن علي، في عام 2011، حيث إن نسبة التضخم أصبحت أعلى والنمو أقل، والعجز أوسع، والبطالة لا تزال عند مستويات مزمنة خاصة لدى فئة الشباب.
اقرا ايضا : رضا شلغوم يبيّن تحسن الأوضاع المالية للبنوك العمومية التونسية الثلاثة
وكان وزير المالية محمد رضا شلغوم، أكد في مقابلة الأسبوع الماضي، في مقر وزارته بالعاصمة تونس أن "المؤشرات في حد ذاتها لا معنى لها إذا لم تضعها في سياقها الديناميكي."
وفي الوقت الذي اعترف فيه بأن التوقعات كانت أكثر تفاؤلا في عام 2010، فقد دافع عن الظروف الخاصة عند النظر الى الأرقام الاقتصادية التونسية المحبطة، قائلا: "لا يمكنك أن تقارنها كما لو كانت أرقاماً في بلد يمر بحالة عادية."
وفي الحقيقة، إن ظروف تونس شيء طبيعي، فمن قلب الجنوب إلى شوارع العاصمة، أغلقت المدارس لأسابيع متواصلة، ولم تتوقف الاحتجاجات التي رافقت الثورة. ووسط استعداد البلاد للانتخابات هذا العام، فإن الكفاح من أجل البقاء الاقتصادي لتونس سيحدد مسارها المستقبلي.
وتعد الطريقة التي تدير بها تونس السخط الشعبي، لها عواقب على جزء غير مستقر من العالم لا يمتلك نموذجاً جيداً للديمقراطية الفاعلة.
وتسبب في الثورة التونسية، إضرام بائع متجول النار في نفسه في العام 2010، بسبب الظروف الاقتصادية، مما أدى للإطاحة بالرئيس التونسي بن علي، ومن ثم قامت انتفاضات أخرى تحت مسمى "الربيع العربي"، وأطاحت بالرؤساء "الديكتاتوريين" من مصر إلى اليمن، وأشاعت الأمل بمستقبل أكثر إشراقا بين الشباب.
ولم يحدث ذلك بنفس الطريقة في مصر واليمن وسورية، حيث تراجعت الاحتجاجات أمام الحروب الأهلية التي جذبت القوى الأجنبية، فقتلت وشردت الملايين، أما في مصر فقد تراجعت الحريات.
وفي هذا السياق، قال مايكل أياري، كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية في تونس: "إذا لم ينجح الأمر هنا، فلن ينجح في أي مكان."
ويرى التونسيون من جميع الجوانب السياسية عام 2019 عاما حاسما، حيث تزيد الانتخابات التي جرت في أكتوبر / تشرين الأول من الضغوط على الحكومة لتقديم هبات اقتصادية تتناقض مع برنامج صندوق النقد الدولي الذي تبلغ مدته أربع سنوات والبالغ 2.9 مليار دولار والذي أطلق في عام 2016.
وتظهر الفجوة الاقتصادية التي تثير غضب الناخبين في الأدلة الموجودة في العامة، حيث تتناول النخبة النبيذ الفرنسي في مطعم سمك أنيق إلى جانب المصرفيين الأجانب والدبلوماسيين.
وفي مركز شرطة فرنسي قديم، ينتقد رئيس نقابة العمال التونسيين الحكومة بسبب فشلها في تحويل التقدم الديمقراطي إلى رخاء. وقال نور الدين طبوبي رئيس النقابة: "جميع أرقام هذه الحكومة ضعيفة للغاية، وهناك تراجع لم يسبق له مثيل في التاريخ التونسي". وأضاف: "إذا كانت هناك إصلاحات سياسية، سيكون دورنا هو جمع الناس والنقاط المختلفة معا، لكننا لن نجلس فقط ونشاهدها تهبط بتونس يوما بعد يوم."
ويعد ذلك تحذيرا يستحق الاهتمام من نقابة تضم أكثر من 700 ألف عضو، ولها نفوذ اجتماعي، كما أن أعضاءها على استعداد للإضراب. وتقاسم الاتحاد جائزة نوبل للسلام لإعادته تونس من حافة الحرب الأهلية في عام 2013.
وتعد زيادة الأجور نقطة الخلاف بين حكومة يوسف الشاهد ونقابة العمال، حيث يقول طبوبي، إنها زيادة مبررة بسبب ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة الدينار بنسبة 40%، ويرفض الاتهامات بأنها "مطالب غير معقولة"، مؤكدا أن "الحكومة هي المسؤولة عن العجز التجاري".
وبينما تمكنت تونس من تجنب العنف الذي اجتاح ليبيا أو سورية، فإن انتقالها إلى الديمقراطية اتسم بمكافحة الإرهاب والخلافات السياسية بين الإسلاميين والعلمانيين والنقابات والحكومة، والحرس القديم والجديد، مما أحبط جهود انتعاش الاقتصاد.
ومرت 8 حكومات على البلاد منذ عام 2011، ويعد يوسف الشاهد، رئيس الوزراء الحالي، هو الأطول خدمة بعد الثورة، حيث يحظى بدعم من "حزب النهضة".
ولا يزال وزير المالية التونسي غير قادر على مواجهة التحدي، وقد أوضح أن "رؤية الاقتصاد تجمع بين الحظ الجيد في انخفاض أسعار النفط والعمل العمل الشاق والاستثمار في قطاعات مثل المنسوجات ومكونات السيارات والمواد الكيميائية، إلى جانب التقشف في إطار برنامج ندوق النقد الدولي".
وستخفض الحكومة عجز ميزانيتها إلى 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2021 من 6.1% في عام 2016، ثم ستعالج العجز التجاري مع تحسين تحصيل الضرائب، وخلق قاعدة ضريبية أوسع، ودخل سياحي أفضل، وبإحياء الإنتاج الذي تعرض لنكسة منذ ثورة.
أموال "صندوق النقد الدولي" موجودة في الخزينة، إلى جانب قرض بقيمة 500 مليون دولار من المملكة العربية السعودية، وإذا لزم الأمر، فمن المحتمل أن يصدر وزير المالية سندات باليورو هذا العام لملء الفجوة، وعلى الرغم من أن كل الأدلة على عكس ذلك، يقول إنه لا يتعرض لأي ضغط كبير.
قد يهمك ايضا : الحكومة التونسية تتجه إلى قانون جديد للصرف الأجنبي