بكين ـ فلسطين اليوم
تقود الصين، التي تحتل استثماراتها في السودان المرتبة الأولى بين الاستثمارات الأجنبية، بنحو 47 مليار دولار، سباق التحرّك المحموم هذه الأيام نحو الخرطوم، للحصول على أكبر قدر من الفرص الاستثمارية الجاهزة، التي يتيحها الرفع الكلي للحصار الأميركي، المقرر البت فيه خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة من واشنطن وبدأت الصين رحلة السباق نحو السودان، منذ الرفع الجزئي للعقوبات الأميركية في يناير/كانون الثاني الماضي، من خلال إرسال وفود ومستثمرين لاستكشاف الفرص الاستثمارية ومتطلبات إنشاء المشاريع، وزار نائب رئيس مجلس الدولة الصيني تشانغ قاولي، في نهاية أغسطس/آب الماضي، السودان على رأس وفد كبير ضم مستثمرين في جميع القطاعات، وبعث نائب الرئيس الصيني خلال اليومين الماضيين، رسالة إلى النائب الأول لرئيس الوزراء السوداني الفريق أول ركن بكري حسن صالح، يؤكد فيها أن زيارة الوفد الصيني إلى السودان أتاحت للجانبين إجراء محادثات مثمرة، تبادل فيها الطرفان وجهات النظر بشكل شامل ومعمق حول العلاقات الصينية السودانية، بهدف الوصول إلى اتفاق على "المستقبل الواعد لتطوير التعاون بين السودان والصين".
وتنازلت الصين، في نهاية المباحثات، عن 500 مليون يوان، ما يعادل 75 مليون دولار، من ديونها للسودان، البالغة 10 مليارات دولار، كما أنّها منحت الخرطوم فترة سماح وإعادة جدولة جديدة للمديونية الكلية، إلى جانب تقديم منحة تبلغ مليار يوان، ما يعادل 150 مليون دولار، لإنشاء عدد من المشاريع لتنمية الصادرات وبدأ تراكم الديون الصينية على السودان بعد انفصال جنوب السودان عام 2011، وفقد معظم إنتاجه من البترول إلى الدولة الوليدة، وبعد أن كانت الدولتان تتعاملان بآلية النفط مقابل المشاريع، تعثرت هذه الآلية بعد الانفصال، وأخذت الخرطوم نصيب الشركات الصينية من نفطها الخام لتغطية استهلاكها المحلي، ما سبب عجزًا لم تفلح الخرطوم في سداده، ويبلغ حجم ديون السودان الخارجية، حتى الربع الأول من العام الحالي نحو 47 مليار دولار، علمًا أن هذه الديون بدأت بـ17 مليار دولار فقط، وجاء باقي المبلغ المستحق نتيجة لتراكم الفوائد.
وشهدت خلال اليومين الماضيين العلاقات التجارية والاستثمارية تطورًا كبيرًا، ووقع السودان والصين على مذكرة تفاهم في مجال التعدين، عقب مباحثات مشتركة عقدت بين الجانبين يوم السبت الماضي، على هامش الملتقى الدولي السنوي للتعدين في مدينة تيانغين الصينية، والذي اختتم أعماله يوم أمس الثلاثاء وتشمل مذكرة التفاهم، التي وقعها وزير المعادن السوداني هاشم على سالم، ووزير الأرض والموارد الطبيعية الصيني جيانغ دا منغ، على التعاون في مجال البحث الجيولوجي وأعمال المسح الجيولوجي والجيوكيميائي والتدريب، كما شملت المباحثات بين الجانبين التي شاركت فيها نحو 14 شركة تعدين سودانية، كيفية تعزيز التعاون بين المؤسسات العاملة في مجال المعادن في البلدين.
ووعد الوزير الصيني بمواصلة رسم الخرائط الجيولوجية في كل أنحاء السودان، ومواصلة المسح الجيولوجي، وإقامة الدورات التدريبية للجيولوجيين السودانيين، وتقديم تقنيات متطورة للسودان في مجال صناعة الإسمنت لتطوير القدرة الإنتاجية للسودان في هذا المجال وعقد وزير المعادن والوفد المرافق له، الذي يعود للخرطوم الأربعاء، اجتماعًا مطولًا مع عدد من الشركات الصينية العاملة في مجال التعدين، أبرزها شركة سوكنغ ستون، التي أعلنت استعدادها التام للاستثمار في مشروع ضخم لتصنيع الرخام في ولاية كسلا يبدأ العمل به في شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وقدمت شركة "سانهي للتقنيات المتطورة" عرضًا مفصلًا لمركب كيميائي لاستخلاص الذهب تنخفض فيه درجة السمية مقارنة بالمواد الأخرى، ويمكن أن يكون بديلًا لمادة السيانيد، كما أكدت مجموعة "يانتاي جنبنغ" عزمها على إنشاء معهد في السودان لتدريب الكوادر في قطاع التعدين، وتقديم منح تدريبية للخريجين من السودان لنقل الخبرة الصينية في مجال صناعة التعدين إلى السودان من أجل تطوير قطاع المعادن، بينما عرضت شركة "رينان للتعدين والاستثمار"، مشروعًا لمعالجة الزئبق المستخدم في التعدين التقليدي والتخلص منه بطريقة آمنة دون أن يخلف أي آثار ضارة بالبيئة، وتمت الموافقة على إخضاع المشروع للمزيد من البحث من خبراء من الجانبين بناء على طلب السودان.
وعقد مدير الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية الدكتور محمد أبو فاطمة وعدد من المختصين في الهيئة، اجتماعًا مع رئيس الاتحاد العام للمعدنين الصينيين، تناولا فيه المشاريع المشتركة بين السودان والاتحاد وسبل تطويرها، لإيجاد شراكات ذكية للاستثمار الأمثل للموارد المعدنية في السودان، خاصة في مجال تصنيع معادن الذهب والنحاس والحديد والصخور الصناعية والأحجار الكريمة.
وأكّد رئيس الاتحاد العام للمعدنين الصينيين، أنّه سيطلب من الشركات الصينية العاملة في هذا المجال توجيه استثماراتها إلى السودان، مشيرًا إلى أنّ "الصين على يقين بأن السودان بلد غنى بالموارد المعدنية، ويحتاج إلى الخبرة الصينية، وبإمكان البلدين أن ينجحا في تأسيس مشاريع كبيرة بينهما تعود بالفائدة على الشعبين".