موسكو - فلسطين اليوم
قررت الحكومة الروسية زيادة إنفاق الميزانية على المجالات الاجتماعية الحساسة، التي من شأنها أن تساهم في تجاوز الأزمة الديموغرافية، في الوقت الذي كشفت فيه معلومات رسمية عن تراجع أعداد السكان العام الحالي بعد ارتفاع خلال العامين الماضيين وقال رئيس الحكومة الروسية ديميتري ميدفيديف، إن العام المقبل سيكون عام التكيف مع حزمة الإصلاحات الاقتصادية، وأكد أن مشروع موازنة العام المقبل يوفر لصندوق التقاعد مبالغ كافية لزيادة المعاش التقاعدي حتى مستويات أعلى من التضخم، وأن مدخرات صندوق الرفاهية الوطني يتوقع أن تصل مستويات قياسية خلال ثلاث سنوات.
وكشفت تتيانا غوليكوفا، نائبة رئيس الحكومة الروسية، عن جملة قرارات ضمن مشروع الموازنة للعام المقبل، ترمي إلى تحسين وضع المواطنين، وقالت في تصريحات أمس إن الحكومة أقرت زيادة حجم إنفاق الميزانية في المجال الاجتماعي بنسبة 7.1 في المائة، حتى 6.6 تريليون روبل خلال عام 2019 , وستزيد الحكومة الإنفاق على الرعاية الصحية بنسبة 17.3 في المائة، وبنسبة 13.3 في المائة على التعليم. وستنفق الحكومة أكثر من 40 في المائة (ما يقارب 2.8 تريليون روبل) من إجمالي المبالغ المخصصة للمجال الاجتماعي، في إطار تنفيذها ما يسمى "المشروع القومي الاجتماعي"، وهو جزء من خطة متكاملة للتنمية الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة.
ويعد "المشروع القومي في المجال الديموغرافي" جزءًا آخر من تلك الخطة الاقتصادية، وتوليه الحكومة الروسية أهمية خاصة , إذ يحذر الخبراء من أن تراجع أعداد السكان، أو الأزمة الديموغرافية تشكل تهديدًا وجوديًا لروسيا على المدى البعيد، فإن هذا الوضع يشكل في المرحلة الحالية تحديًا جديًا للاقتصاد الروسي؛ وعلى سبيل المثال أدى تراجع الولادات في سنوات ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، إلى تراجع أعداد المواطنين في سن العمل، الأمر الذي يهدد مستوى وحجم الإنتاج , وتشير المعطيات الرسمية الروسية إلى أن عدد السكان بلغ في مطلع أغسطس / آب الماضي 146.8 مليون نسمة، بعد تراجع بقدر 91.9 ألف نسمة، منذ مطلع العام الحالي حتى شهر يوليو / تموز , و ضمن هذا الوضع اضطرت الحكومة إلى اتخاذ جملة قرارات ما زالت محط جدل واسع في المجتمع الروسي، وأثارت أزمة سياسية بين الكرملين وقوى المعارضة، وبشكل خاص بسبب قرار رفع سن التقاعد من 60 حتى 65 عامًا.
وفي إطار تنفيذ "المشروع القومي في المجال الديموغرافي"، خصصت الحكومة الروسية 1.6 تريليون روبل روسي (نحو 27 مليار دولار) لإنفاقها من الميزانية خلال ثلاث سنوات (حتى عام 2022) لتمويل تدابير وخطوات مواجهة الوضع الديموغرافي , وأشارت غوليكوفا إلى تعديلات على حجم الإنفاق في هذا المجال بين الميزانية الفيدرالية والموازنات المحلية في الأقاليم، وقالت إن الميزانية الفيدرالية سترفع مساهمتها من 50 إلى 70 في المائة في تمويل فقرة دعم الأسرة التي يوجد فيها ثلاثة أطفال وأكثر، حيث خصصت 115.7 مليار روبل (1.9 مليار دولار) للمعونات التي تحصل عليها كل أسرة عند إنجاب مولود ثالث، وكل مولود بعده. فضلا عن ذلك تم تخصيص 168.2 مليار روبل (2.8 مليار دولار) لتمويل المعونة الاجتماعية للأسرة عند إنجاب أول مولود، وهذا نوع جديد من الدعم الاجتماعي أقرته الحكومة عام 2018.
ويأتي القرار الأهم وهو تعديل حجم المعونة التي تحصل عليها الأم مرة واحدة عند إنجاب المولود الثاني، وتعرف باسم "رأس مال الأمومة"، وتبلغ قيمتها حاليًا 453 ألف روبل روسي (نحو 7 آلاف دولار تقريبًا) , وللمرة الأولى منذ عام 2015، قررت الحكومة زيادة قيمة "رأس مال الأمومة" حتى 470 ألف روبل عام 2020 , وحتى 489 ألف روبل عام 2021 , ويحق للأم استخدام هذا المبلغ فقط لشراء شقة أو تحسين السكن، أو للإنفاق على تعليم الأطفال , ووفق تقديرات الخبراء، فإن "المشروع القومي في المجال الديموغرافي" هو الأكبر تكلفة، ويشيرون إلى أن المعونات المالية المباشرة لن تساهم في تحقيق الهدف بزيادة الولادات، وإنما ستساعد على تحسين معيشة الأسرة.
كان رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف حريصًا على طمأنة الرأي العام بتوفر قدرات مالية لتمويل قرار رفع سن التقاعد، وقال إن الحكومة أخذت في الاعتبار خلال صياغة الموازنة التعديلات على النظام التقاعدي، وأكد أن الأموال التي تم تخصيصها لصالح "صندوق التقاعد" تسمح بزيادة المعاشات التقاعدية، إلى أن تصبح خلال ثلاث سنوات أكثر بمرتين من الحد الأدنى للمستوى المعيشي للمتقاعدين. وعبر عن قناعته بأن العام القادم سيكون عام التكيف مع القرارات التي اتخذتها الحكومة مؤخراً في إطار الإصلاحات الاقتصادية، وشملت رفع سن التقاعد وزيادة ضريبة القيمة المضافة وقرارات أخرى.
وأكد ميدفيديف أن الحكومة الروسية ستستعيد عام 2019 القدرة على حماية الميزانية من الصدمات الخارجية، لافتًا أن "الحكومة تتوقع أن تصل مدخرات صندوق الرفاه الوطني العام المقبل إلى أعلى مستويات منذ تأسيس الصندوق" , وأوضح أن الحكومة خففت من تأثير تقلبات أسعار النفط على الميزانية، وصاغتها انطلاقًا من سعر 41.6 دولار للبرميل.
وتخطط الحكومة الروسية أن تصل مدخرات صندوق الرفاهية الوطني حتى 3.818 تريليون روبل (نحو 63 مليار دولار) مطلع العام المقبل، وترتفع مع نهايته حتى 7.808 تريليون روبل (130 مليار دولار)، منها 3.413 تريليون إيرادات نفطية إضافية خلال عام 2018، على أن تزيد مدخرات الصندوق من عام لآخر (على حساب الإيرادات الإضافية) لتصل حتى 14.180 تريليون روبل عام 2021.
وتجدر الإشارة إلى أن حجم تلك المدخرات حتى الأول من سبتمبر / أيلول الحالي لم يتجاوز 5.16 تريليون روبل، أو ما يعادل 75.8 مليار دولار أميركي.