منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"

أكد محللون اقتصاديون وخبراء نفطيون ، أن دول الخليج هي الأكثر تضررًا من هبوط أسعار النفط بأكثر من ثلثي قيمتها ، بعد مضي ثلاثة أعوام منذ بدء موجة هبوط حادة اشتعل فتيلها منتصف 2014.

ويضم مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي تضخ نحو خمس معروض النفط العالمي وتعتمد على العائدات النفطية في تمويل إيرادات موازناتها، كلًا من السعودية وقطر والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان.

وأضاف المحللون، في أحاديث مع "الأناضول"، أن تراجع النفط دفع تلك الدول إلى اتخاذ إجراءات إصلاحية وهيكلية، بهدف إيجاد بدائل أخرى لتعزيز الإيرادات التي انخفضت بنحو ملحوظ وأثرت على الميزانيات العامة.

واتخذت معظم دول الخليج على مدار عام ونصف، حزمة إجراءات غير مسبوقة لخفض الدعم عن مواد أساسية، بينها الوقود والكهرباء والمياه لسد العجز في موازناتها، وخفض الإنفاق في مواجهة تراجع المداخيل النفطية.

وقال المحللون إن هناك دول أخرى تضررت أيضًا بفعل نزول الخام، من بينها الجزائر التي تمثل صادراتها من الطاقة نسبة تتجاوز 94% من مداخيلها من العملة الصعبة، ونحو 60% من إنفاقها الحكومي.

ودخلت الجزائر منذ هبوط النفط في أزمة حادة أجبرت الحكومة الإعلان عن حالة "تقشف" ، وزيادة الضرائب، بعدما تراجعت إيراداتها إلى النصف، حسب أرقام رسمية.

وقال جمال عجيز، المحلل النفطي والخبير الاقتصادي "كانت دول الخليج الأكثر تضررًا من هبوط أسعار الخام لا سيما وأنها تعتمد بشكل كبير على العوائد النفطية التي تمثل النسبة الأكبر من مداخيلها" ، كما تشكل العائدات النفطية لدول مجلس التعاون الخليجي الست 46% من الناتج المحلي الإجمالي .

وأضاف عجيز، في اتصال هاتفي مع "الأناضول" من الإمارات: "بعد مضي نحو ثلاث سنوات منذ هبوط النفط، أثبتت معظم دول الخليج – خصوصا الإمارات – قدرتها على التصدي للأزمة بل وتجاوزها رغم تحقيق عجوزات في الموازنات المالية للمرة الأولي منذ أعوام عدة".

وأعلنت السعودية "أكبر اقتصاد عربي" موازنة العام 2017، بعجز مُقدر قيمته 198 مليار ريال "52.8 مليار دولار" ، فيما بلغ العجز في ميزانية العام الماضي نحو 297 مليار ريال "79.2 مليار دولار".

وحققت موازنة قطر العام الماضي أول عجز في ميزانيتها منذ 15 عامًا، وقدر بنحو 12 مليار دولار؛ وتمت الموافقة على موازنة 2017 مع عجز قدره 7.7 مليارات دولار ، فقد كانت الإمارات الأقل تأثرًا مع سعيها بشكل كبير إلى تنويع إيراداتها مع الاعتماد على السياحة والصناعة بعيدًا عن النفط ، وحقق اقتصادها نموًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3% بالأسعار الحقيقية الثابتة في 2016، مقارنة بالعام السابق عليه.

وأضاف المحلل النفطي والخبير الاقتصادي "مع استمرار تعافي النفط منذ اتفاق خفض الإنتاج بين دول أوبك نتوقع أن تتعافى أيضًا ميزانيات دول الخليج إذ سيعزز ارتفاع سعر الخام من الإيرادات خلال الفترة المقبلة."

وبدأ الأعضاء في منظمة "أوبك" ومنتجون مستقلون، مطلع العام الجاري، خفض الإنتاج بنحو 1.2 مليون برميل و558 ألف برميل يوميًا ، على التوالي، لمدة 6 أشهر لإعادة التوازن لسوق النفط العالمية ، وتضم أوبك حاليًا العراق، وإيران، والسعودية، والإمارات، وأنجولا، والكويت، وقطر، وفنزويلا، والإكوادور، وليبيا، والجزائر، ونيجيريا.

من جانبه، شدد محمد الجندي، مدير إدارة البحوث لدى "أرباح" السعودية لإدارة الأصول على تحول الفوائض العملاقة في موازنات بعض دول الخليج إلى عجوزات مالية بسبب النفط ما دفع الجميع إلى تدابير تقشفية والحد من الانفاق العام.

وأوضح الجندي أن هناك دول أخرى غير الخليج تضررت أيضًا منها الجزائر التي تضررت ماليتها العامة ومداخيلها من النقد الأجنبي جراء تبعات الأزمة النفطية ، كما تهاوت مداخيل الجزائر من النقد الأجنبي جراء الأزمة النفطية، وتقول الحكومة إن العائدات تراجعت بأكثر من النصف نزولًا من 60 مليار دولار عام 2014 إلى 27.5 مليار دولار فقط في 2016.

وزاد الجندي "أيضا العراق ما يزال يعاني من هبوط النفط في وقت يحتاج فيه إلى مزيد من الانفاق لتمويل حربه ضد تنظيم داعش ، كما تعتمد العراق، التي تمتلك احتياطيات نفطية هائلة، بشكل رئيسي في إيراداتها المالية على تصدير النفط الخام بنسبة 97%.

وأضاف الجندي، أن هناك اقتصادات عالمية مثل الولايات المتحدة الأميركية ومنطقة اليورو واليابان والصين "ثانٍ أكبر مستهلك للنفط في العالم" ، كانت الأكثر استفادة من تراجع النفط الذي ينتج عنه عادة انتقال الثروة من البلدان المنتجة إلى البلدان المستهلكة.

في ذات السياق، لفت الخبير الاقتصادي، محمد العون، إلى أنه رغم تضرر ميزانيات دول الخليج جراء هبوط النفط، لكنها كانت فرصة جيدة لن تتكرر ، للقيام بإصلاحات مالية واسعة النطاق لجعل موازناتها غير معتمدة على العائدات النفطية بشكل رئيسي.

وتابع العون "بعد نحو ثلاثة أعوام اعتقد الآن أن الأمور أصبحت على ما يرام بعدما طبقت معظم دول الخليج إصلاحات هيكلية وتعمل على فرض ضرائب بما يعزز من إيراداتها المالية ويوفر لها مداخيل أخرى بعيدًا عن النفط."

وتنوي دول الخليج فرض العديد من الضرائب منها القيمة المضافة في الربع الأول من العام المقبل ، وتشير التقديرات إلى أن الخليج سيجني 25 مليار دولار سنويًا من هذه الضريبة ، كما تستهدف معظم دول الخليج تطبيق ضريبة السلع الانتقائية على بعض السلع، مثل المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة والتبغ ومشتقاته، خلال العام الجاري، وهي ضريبة تفرض على المنتجات التي تتسبب بأضرار على الصحة.