موسكو - فلسطين اليوم
لم تكن بداية الأسبوع الجاري موفقة للروبل الروسي ومؤشرات سوق المال الروسية بشكل عام، وسجل معظمها تراجعًا على خلفية تفاقم الأزمة السياسية مع الغرب، لا سيما إعلان معظم دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وأستراليا والنرويج وألبانيا عن قرار بطرد دبلوماسيين روس، تضامنًا مع بريطانيا، التي تُحمل روسيا المسؤولية عن تعرض ضابط الاستخبارات الروسية السابق سيرغي سكريبال وابنته لمحاولة اغتيال باستخدام غاز سام في مدينة سالزبوري غرب بريطانيا يوم 4 مارس/ آذار الجاري.
وعلى ضوء هذا التدهور الخطير للعلاقات السياسية بين روسيا والغرب، جددت دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي دعواتها للاستغناء عن الغاز الروسي، بينما لم تستبعد رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي احتمال أن يبحث الاتحاد الأوروبي خلال قمته في يونيو/ حزيران المقبل، مشروع «سيل الشمال - 2» لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا.
وكان الروبل الروسي حقق مكاسب في الأسبوع الثالث من مارس، مستفيدًا من ارتفاع أسعار النفط نحو 6 في المئة، أي حتى 70 دولارًا للبرميل، والموسم الضريبي، حيث يزيد الطلب في هذه الفترة على الروبل لتسديد الضرائب السنوية. وحتى الشطر الأول من يوم الإثنين، مطلع الأسبوع، حافظ الروبل على موقفه الجيد.. إلا أن الوضع تغير جذريًا في الشطر الثاني من اليوم، وعلى وقع الإعلان عن طرد دبلوماسيين روس من دول الغرب، تراجع سعر الروبل أمام الدولار بقدر 26 كوبييك "الروبل 100 كوبييك"، وبعد أسبوع حافظ فيه على سعر نحو 57 روبلًا للدولار، هبط حتى 57.29 روبل لكل دولار، كما تراجع أمام العملة الأوروبية من 70.1 حتى 71.3 روبل لكل يورو.
وتأثرت كذلك مؤشرات أساسية أخرى، حيث سجل مؤشر بورصة موسكو تراجعًا بنسبة 2 في المئة، وبلغ 2240.85 نقطة، كما خسر مؤشر بورصة الأوراق المالية نحو 2.4 في المئة من الإغلاق الأخير يوم الجمعة الماضي، وتراجع حتى 1230.96 نقطة، ويرى محللون اقتصاديون أن الروبل الروسي كان سيتراجع أكثر من ذلك لو حدثت هذه التطورات في وقت آخر، لافتين إلى أن «الموسم الضريبي» ساهم في توفير بعض الدعم للروبل في هذا الموقف.
وكانت الشركات الروسية سددت يوم اإاثنين ضرائب بقيمة تعادل نحو 900 مليار روبل، بينما يتوقع أن تسدد الشركات ضرائب تزيد عن 650 مليار روبل حتى نهاية الأسبوع الجاري، الأخير من مارس. ويضطر عدد كبير من تلك الشركات التي تتعامل بالعملات الصعبة إلى شراء الروبل الروسي بكميات كبيرة من السوق لتسديد الضرائب، الأمر الذي يساهم في تعزيز موقف الروبل.
إلا أن التأثير السلبي على الاقتصاد، نتيجة تدهور العلاقات السياسية بين روسيا والغرب، قد لا يقتصر على سعر الروبل ومؤشرات البورصات الروسية، التي ربما تستعيد عافيتها بعد أن تراجعت مطلع الأسبوع بأثر «الصدمة». ويبدو أن بعض الدول الأوروبية ما زالت تسعى إلى قطيعة اقتصادية أكبر مع روسيا وفي مجالات حساسة للجانبين، مثل صادرات الغاز الروسي إلى السوق الأوروبية.
وبالتزامن مع إعلان واشنطن طرد 60 دبلوماسيًا روسيًا، بحث وزير الطاقة الليتواني جيغيمانتاس فايتشوناس، مع مسؤولين أميركيين في واشنطن مشروع لضمان الطاقة لليتوانيا ودول الاتحاد الأوروبي، وأشار إلى ضرورة تنوع مصادر الغاز لتلك الدول التي ما زالت مرتبطة جدا بصادرات الغاز الروسي. إذ تخشى بعض الدول الأوروبية من تعزيز روسيا لنفوذها في سوق الطاقة الأوروبية، بعد إنجاز مشروع «سيل الشمال - 2».
وبرز انقسام أوروبي حول هذا المشروع بين مؤيد ومعارض، ويرى وزير الطاقة الليتواني أن هذا المشروع يهدد أمن الطاقة الأوروبي. من جانبها قالت تيريزا ماي إن دول الاتحاد الأوروبي لم يبحثوا خلال قمتهم الأخيرة «سيل الشمال - 2»، لكنها رجحت أن يجري بحثه خلال القمة المرتقبة في يونيو المقبل. وفي الوقت الذي تعبر فيه دول أوروبية كبرى مثل ألمانيا عن تمسكها بمشروع «سيل الشمال»، حذرت جمهوريات البلطيق وبولندا وأوكرانيا ودول أوروبية أخرى منه، ووصفته بأنه «مشروع جيو سياسي» سيساهم في تعزيز هيمنة روسيا، ودعت الولايات المتحدة إلى زيادة صادراتها من الغاز المسال لضمان أمن الطاقة الأوروبي.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعهد بتوفير الاحتياجات الأوروبية، والتقليل من الاعتماد على شبكات أنابيب الغاز الروسية، عبر زيادة صادرات الغاز الأميركي المسال إلى أوروبا، ومع أن أي قرار أوروبي يحد من صادرات «غاز بروم» إلى السوق الأوروبية سيكون مؤلمًا للاقتصاد الروسي، فإن القرار ذاته سيكون مؤلمًا وربما بقدر أكبر للسوق الأوروبية، التي ما زالت تعتمد على «غاز بروم» لتوفير ما يزيد عن ثلث احتياجاتها من الغاز. فضلًا عن ذلك يلعب العامل الجغرافي دورًا مهمًا في هذا الشأن، وعلى سبيل المثال تمكنت الشركة الروسية من رفع صادراتها شتاء العام الجاري للاتحاد الأوروبي الذي اجتاحته موجة برد غير مسبوق، بينما لن يكون بوسع مصدري الغاز المسال تلبية الطلب الأوروبي الطارئ في حالات كهذه.
وبالمقابل فإن الاتحاد الأوروبي يوفر لشركة «غاز بروم» الروسية سوقًا تستهلك نحو 75 في المئة من إجمالي صادراته الخارجية "إلى دول خارج الفضاء السوفياتي"، ووفق معطيات عام 2016 صدرت «غاز بروم» 170 مليار متر مكعب من الغاز، منها 126.3 مليار متر مكعب إلى الاتحاد الأوروبي خلال تسعة أشهر فقط من ذلك العام، بقيمة إجمالية نحو 20 مليار دولار أميركي. وخلال الفترة من يناير/ كانون الثاني وحتى أغسطس/ آب 2017 ارتفعت صادرات غاز بروم إلى أوروبا بنسبة 22.1 في المئة، وبلغت قيمتها 23.5 مليار دولار أميركي.