صندوق النقد الدولي

تصاعد الدخان الأبيض من مقر اجتماع وزراء مالية منطقة اليورو في لوكسمبورغ، في وقت متأخر من مساء الخميس، معلنَا التوصّل إلى اتفاق بين اليونان ودائنيها يقضي بمنح أثينا قرضًا يمكّنها من مواصلة مشوارها الطويل، لكن الاتفاق لم يتضمّن جانبًا كانت تطمح فيه اليونان يقضي بتخفيف أعباء ديونها، حيث توصّل وزراء مالية منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي والحكومة اليونانية، في لوكسمبورغ، إلى اتفاق ينص على منح أثينا حزمة قروض جديدة بقيمة 8.5 مليار يورو (نحو 9.5 مليار دولار)، لتتجاوز أزمة ديونها السيادية التّي بدأت عام 2010، وقد وافق وزراء مالية دول منطقة اليورو على منح اليونان هذا القسط من المساعدات لسداد الدفعة المقبلة من الديون المستحقّة عليها في شهر تموز\يوليو المقبل، كما استعرض وزراء مالية دول المنطقة بعض الحلول المقترحة لكيفية إسقاط الدين الأوروبي عن اليونان، وما يمكن أن يكون عليه على المدى الطويل.

وأشاد رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس بالاتفاق، وسارع باللقاء مع الرئيس اليوناني بيريكوبوس بافلوبلوس ليبلغه بالأمر، قائلًا بأنّ "الاتفاق خطوة حاسمة للخروج بالبلاد من أزمتها الطويلة، وإشارة لتوقعات واضحة في إيجابية الأسواق، وأنّه في الوقت نفسه يأتي نتيجة صبر وتضحيات الشعب اليوناني الذّي عانى طويلًا"،  معربًا عن التزامه بالخروج نهائيًا من مذكرات الدائنين وبرامج المساعدات في غضون عام من الآن، مؤكّدًا على أنّ "الوقت قد حان لمضاعفة الجهود وليس للاسترخاء، من أجل تهيئة الظروف لتحقيق الانتعاش القوي للاقتصاد اليوناني، والذّي ستتمّ ترجمته في المعيشة والحياة اليومية للمواطنين، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي والتنمية العادلة والشفاء من جروح الأزمة"، وأشار الرئيس اليوناني إلى أنّ قرار توصل مجموعة اليورو إلى اتفاق، يجب أن يفسّر على أنّه بداية لجهد كبير لإنهاء الأزمة العميقة التّي يعاني منها اليونان وشعب اليونان، الذي تحمّل الكثير من التضحيات، مؤكدًا أنّه ، "كانت هناك تضحيات ظالمة".

وصرّح رئيس مجموعة اليورو جيروين ديسلبلوم، إثر اجتماع لوكسمبورغ الذي حضرته مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، بأنّ حجم الدفعات التّي على أثينا سدادها سيكون محل مناقشة بين وزراء مالية منطقة اليورو، مؤكّدًا أنّ اليونان تحرز تقدّما على صعيد ما طلب منها من إجراءات إصلاحية، معربًا بقوله "يسرني الإعلان بالتوصّل إلى اتفاق على كل العناصر"،، بينما سارعت لاغارد إلى الإعلان أنها ستقترح على صندوق النقد الدولي المشاركة المبدئية إلى جانب منطقة اليورو في خطة المساعدة، خاتمةً أشهرا من الخلافات بهذا الشأن، حيث كان التوصل إلى اتفاق مساء الخميس متوقعًا نظرًا إلى الإيجابية السائدة قبل الاجتماع، وهو تطوّر يبعث على الارتياح بالنسبة إلى منطقة اليورو،  فهو يجيز إطلاق خطة المساعدة الثالثة للبلاد بقيمة 86 مليار يورو، التّي وقّعها الأطراف في شهر تموز\يوليو 2015، وتعرقلت نتيجة الخلافات بين أعضاء منطقة اليورو، وعلى وجه الخصوص ألمانيا، وصندوق النقد الدولي، وستجيز الدفعة الجديدة التي ستتلقاها اليونان تسديد أكثر من سبعة مليارات يورو من الديون المستحقة في شهر تمّوز\يوليو، مبعدة شبح أزمة في الصيف.

ويحرص صندوق النقد الدولي واليونان على الحصول على توضيح بخصوص تخفيض ديون اليونان لتصبح مستدامة وأن تكون قابلة للسداد، في الوقت الذي ينقسم فيه الدائنون الدوليون لليونان حول استمرار صرف حزمة قروض الإنقاذ الثالثة لأثينا، وتطالب ألمانيا باشتراك صندوق النقد في تمويل الحزمة، فيما يشترط الصندوق ضرورة تخفيف أعباء الديون على اليونان لتصل إلى المستويات التّي تتيح لأثينا سدادها بإمكاناتها الذاتية، وتعني شروط الصندوق ضرورة تمديد فترة سداد الديون وتقليل سعر الفائدة، وللتوصل إلى تسوية، وافق صندوق النقد تخفيف مطالبه، وأعطى "موافقة مبدئية" على المساهمة في خطة المساعدة، الأمر الذي كانت ألمانيا تطالب به، لكنه لن يسدّد قرشًا واحدًا قبل إقرار الأوروبيين تخفيف ديون اليونان التي يعتبرها لا تحتمل، واشارت لاغاردإلى أنّه "لا أحد يقول بأنّه أفضل الحلول لكنه ثاني أفضل الحلول"، مضيفةً إلى أنّ "البرنامج نال الموافقة مبدئيًا، لكنّ التسديد لن يتم قبل تحديد تام لكيفية تخفيف الدين"، مشيرة إلى مساهمة الصندوق بنحو ملياري دولار أميركي.

وقال مفوض الشؤون الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي بيار موسكوفيسي: "نجحنا في إيجاد اتفاق شامل سيسمح لليونان بأن تطوي صفحة مرحلة في منتهى الصعوبة"، لا سيما بعد تنفيذ اليونانيين في السنوات الأخيرة إصلاحات قاسية لإرضاء الدائنين، كما صرّح وزير المالية اليوناني أوقليدس تساكالوتوس بأنّه "بات هناك مزيد من الوضوح مع ختام هذا الاجتماع لمجموعة اليورو سواء لدى الشعب اليوناني والأسواق المالية في آن"، بينما أفاد وزير الاقتصاد برونو لومير بأن "هذا الاتفاق تمّ بفضل الروحية الإيجابية لدى كل الأطراف حول الطاولة"، بينما يصرّ وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله على ضرورة استمرار شروط القروض حتّى نهاية برنامج الإنقاذ المالي الحالي

مع إمكانية إعادة التفاوض على هذه الشروط لتخفيفها في العام المقبل بعد انتهاء الانتخابات العامة الألمانية المقرّرة في شهر أيلول\سبتمبر المقبل،  حيث دافع مساء الخميس في برلين عن قرار وزراء مالية الاتحاد الأوروبي بعدم منح أثينا حاليًا تسهيلات للحصول على قروض جديدة. معلنًا في تصريحات إلى برنامج "جورنال اليوم"  على القناة الألمانية الثانية بأنّ "هدف برنامج المساعدات الحالي هو تقوية اليونان لتتمكن من الوقوف على قدميها ثانية"،  موضحًا أنّه يعتقد أنّ "البرنامج ناجح، وأنّ القروض اليونانية بمقتضاه ستكون ممكنة السداد"،  مشيرًا إلى أنّ صندوق النقد قرّر برنامجًا جديًدا لليونان بانتظار التمويل، مبيّنًا أنّ هذا يعدّ «انحرافًا عمًا تمً تقريره من قبل"،  مؤكّدًا أنّ لجنة الموازنة في البرلمان الألماني ناقشت هذا الأمر خلال اجتماعها يوم أمس الجمعة.

يُشار إلى أنّ الشعب اليونانيّ كتم أنفاسه مساء الخميس الماضي أملًا في أن تنتهي المباحثات، وينتهي معها الكابوس الذي عاشوه على مدار سنوات، وأن يجري التوصّل إلى اتفاق وانتهاء الأزمة، لكنّ اليونانيّين لن يحصلوا فورًا على إجراءات لتخفيف ديونهم الهائلة التّي تعادل مستوى 179 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي، والتّي يطالبون بها منذ أشهر، غير أنّ منطقة اليورو قدمت لهم توضيحات بشأن ما قد يحصلون عليه لاحقًا.