أنقرة - فلسطين اليوم
سجَّلَت الليرة التركية في تعاملات أمس الجمعة، تراجعًا قويًا مجددًا أمام الدولار الأميركي، وذلك بعد التعافي الذي حققته خلال الأيام الماضية، حيث فقدت الليرة التركية بحلول منتصف اليوم نحو 8 في المائة من قيمتها أمام الدولار، كما سجلت تراجعًا قويًا مشابهًا أمام اليورو.
وتراجعت الليرة سبعة في المائة مقابل الدولار في التعاملات الصباحية، وسط قلق المستثمرين بشأن تحذير الولايات المتحدة من أن تركيا يجب أن تتوقع المزيد من العقوبات الاقتصادية، وهبطت العملة التركية إلى 6.2499 ليرة للدولار قبل عطلة عيد الأضحى الطويلة التي تبدأ يوم الاثنين.
مخاوف إردوغان
وزادت خسائرها مقابل الدولار هذا العام إلى 39 في المائة، حيث فاقم الخلاف مع الولايات المتحدة الخسائر التي نتجت عن مخاوف بشأن نفوذ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على السياسة النقدية.
ويُذكر أن العملة التركية كانت تعافت أخيرًا بعد انهيار سريع سجلته يومي الجمعة والاثنين الماضيين، وتسببت التهديدات الأميركية الجديدة في حالة من عدم اليقين لمسار العملة التركية خلال الفترة الحالية.
تهديدات أميركية
وكان وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين هدد الخميس خلال اجتماع لمجلس الوزراء الأميركي في البيت الأبيض بالتحضير لفرض المزيد من العقوبات على تركيا، في حال لم تسرع أنقرة بإطلاق سراح القس أندرو برونسون المحتجز قيد الإقامة الجبرية في تركيا لاتهامات تتعلق بالإرهاب.
وكانت الولايات المتحدة رفعت بقوة، خلال الأسبوع الماضي، الرسوم الجمركية على بعض المنتجات التركية، وذلك بعد يأسها من حدوث تقدم في موضوع برونسون، وردَّت تركيا الأربعاء الماضي، بفرض 22 عقوبة على منتجات أميركية.
نظرة بعيدة المدى
ويعتبر الصراع السياسي بين واشنطن وأنقرة سببًا قصير المدى للأزمة الراهنة لليرة التركية، غير أن الأسباب بعيدة المدى لأزمة الليرة أعمق من هذا الصراع السياسي، إذ إنها تتراوح من الديون الخارجية العالية للشركات التركية والتي سجلت معدلات تضخم تتألف من رقمين (10في المائة فأكثر) إلى قروض حكومية لتحقيق انتعاش اقتصادي، كما أن هناك عاملا خطيرا يتمثل في تعدي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على استقلال "البنك المركزي" التركي.
وأعلنت وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان الجمعة أن تركيا ستردّ في حال قررت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة، وذلك بعد تهديد واشنطن بتشديد العقوبات إذا لم تفرج أنقرة عن القسّ الأميركي.
ونقلت وكالة أنباء "الأناضول" الرسمية تصريح بكجان "نحن ردّدنا "على العقوبات الأميركية" بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية وسنواصل القيام بذلك".
احتجاز القس الأميركي
واندلعت أزمة دبلوماسية خطيرة بين أنقرة وواشنطن على خلفية احتجاز القسّ أندرو برانسون لمدة سنة ونصف السنة في تركيا بتهمة التجسس والقيام بأنشطة "إرهابية"، ووضعه بعدها قيد الإقامة الجبرية.
وفي بداية أغسطس /آب، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على وزيرين تركيين وردّت أنقرة بتدابير مماثلة. وتصاعدت التوترات خصوصاً بعد الرفع المتبادل للرسوم الجمركية.
وتسبب هذا التصعيد في قلق لدى الأسواق وأدى إلى انهيار قيمة الليرة التركية في الأيام الأخيرة.
مراقبة رؤوس الأموال
وكان وزير المال التركي براءة البيرق صهر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أكد قبيل ذلك أن بلاده "ستخرج أقوى" من أزمة الليرة.
وأضاف في مؤتمر بالدائرة المغلقة مع آلاف المستثمرين، أن بلاده على اتصال مع صندوق النقد الدولي من أجل خطة مساعدة محتملة، مشددًا على أن أنقرة لن تلجأ إلى مراقبة رؤوس الأموال.
ولا يزال مستقبل القس برانسون غامضاً، فقد رفضت محكمة تركية الأربعاء رفع الإقامة الجبرية المفروضة عليه، لكن محاميه قال لوكالة الصحافة الفرنسية "إن محكمة عليا أخرى ستنظر في ملفه".
وأدى هذا الخلاف الدبلوماسي إلى انعكاسات اقتصادية إذ تبادلت واشنطن وأنقرة فرض العقوبات ورفعتا الرسوم الجمركية على مبادلات بينهما.
ووصف نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، القس بأنه "ضحية اضطهاد ديني" في تركيا ذات الغالبية المسلمة.
إجراءات تركية
ويمكن أن تشكل التصريحات الأميركية الأخيرة مزيدًا من الضغط على التركية التي بدت منذ الثلاثاء في مرحلة تحسن، بخاصة بفضل بعض الإجراءات التي اتخذتها أنقرة، وتحد من مضاربات المصارف الأجنبية، وعلى الرغم من تحسن الليرة في الأيام الأخيرة، ما زال الاقتصاديون قلقين من الخلاف بين أنقرة وواشنطن ومن هيمنة إردوغان على الاقتصاد.
وكانت الأسواق ردّت بحدة على رفض المصرف المركزي التركي زيادة معدلات فائدته الشهر الماضي على الرغم من تراجع سعر الليرة وارتفاع تضخم. ويعارض إردوغان المؤيد لتسجيل نمو بأي ثمن، هذه الفكرة.
ووعد البيرق المستثمرين الخميس،في بيان صدر عن مكتبه، بأن تكون لحكومته أولويتان هما مكافحة التضخم الذي بلغ 16 في المائة على مدى عام في يوليو /تموز وضبط الميزانية.
دعم خارجي
وحصلت تركيا الأربعاء، وفي أوج هذه التقلبات المالية، على دعم خارجي، حيث وعد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال محادثات مع إردوغان في أنقرة، بأن تستثمر بلاده 15 مليار دولار في تركيا.
وتشاور إردوغان هاتفيا الأربعاء مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والخميس مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مسعى لمد الجسور مجددا مع أوروبا. وأعلنت أنقرة أن إردوغان وماكرون شددا على "أهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية" بين بلديهما.
من جهته، أجرى البيرق محادثات الخميس مع نظيره الألماني أولاف شولتز وتوافق الوزيران على أن يلتقيا في 21 سبتمبر (أيلول) في برلين.
مؤشرات رسمية
وأفادت هيئة الإحصاء التركية أن مؤشر ثقة المستهلك في البلاد تراجع في أغسطس الحالي إلى أدنى معدلاته هذا العام حتى الآن. وتراجع المؤشر من 73.1 نقطة في يوليو إلى 68.3 نقطة في أغسطس، في أدنى معدل له منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وانخفضت جميع مكونات المؤشر في أغسطس مقارنة بالشهر السابق، حيث تراجع المؤشر الذي يقيس توقعات الأسر التركية بشأن الوضع المالي للبلاد، من 92 نقطة الشهر الماضي إلى 85.5 نقطة الشهر الحالي.
كما تراجعت التوقعات بشأن الوضع الاقتصادي العام في تركيا، إذ انخفض مؤشرها من 96.3 نقطة في يوليو إلى 88.3 نقطة الشهر الحالي.
وانخفض مؤشر توقعات البطالة من 76.9 في يوليو إلى 74.1 نقطة في أغسطس. وتراجع مؤشر احتمالات الادخار من 27.1 نقطة في يوليو إلى 25.3 نقطة في أغسطس.