لندن _ فلسطين اليوم
بات شبه مؤكد أن الاقتصاد العالمي سيسجل نموًا 3.6% في عام 2017 الذي يقترب من نهايته ، واتى ذلك بدفع من جملة عوامل، أبرزها السياسات النقدية الميسرة في مختلف أنحاء العالم، واستمرار الاقتصاد الصيني في تسجيل معدلات نمو مرتفعة، فضلًا عن اعتدال أسعار النفط ، إلا أن هذه العوامل وغيرها قد تتغير في 2018، مثل التراجع عن السياسات النقدية المحفزة، وبدء دورة جديدة من رفع الفوائد، كما يفعل الآن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، كما من المرجح أن يتباطأ النمو الصيني بعد سلسلة الإجراءات التشددية التي بدأتها السلطات هناك، لا سيما تلك المتعلقة بالتمويل ، أما النفط بأسعاره الجديدة المرتفعة نسبيًا فقد بدأ يؤثر على دول مستهلكة كثيرة.
وبالعودة إلى 2017، فقد واصل الاقتصاد العالمي تحسنه خلال الأسابيع الأخيرة ، واكتسبت البيانات الاقتصادية في أوروبا واليابان قوة ملحوظة، كما استمرت البيانات الأميركية في اكتساب متانة .
وقد استفاد الاقتصاد الأميركي من إقرار مجلس الشيوخ قانون الإصلاح الضريبي ، إلا أن الموافقة النهائية تنتظر توحيد هذا التشريع مع ما تم إقراره من قبل مجلس النواب ، وفي الوقت نفسه، حققت بريطانيا تطورًا مشهودًا بعد اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي على شروط خروجها من الاتحاد، مما ساهم في إزالة بعض الغموض في هذا الشأن ، واستمرت الأسهم في تسجيل أداء جيد، حيث تمكنت من الارتفاع إلى مستويات جديدة ، ورغم قوة التوقعات بالنمو، فإن التضخم بقي ضعيفًا.
وأكد مركز الأبحاث التابع لبنك الكويت الوطني، أن بيانات الاقتصاد الأميركي واصلت قوتها ، إذ يشير تقرير التوظيف الأخير إلى استمرار ضيق الأوضاع في سوق العمل، فقد ارتفعت الرواتب خارج القطاع الزراعي في نوفمبر/تشرين الثاني رغم بقاء وتيرة البطالة عند أقل مستوى سجلته منذ 17 عام والبالغ 4.1%، وقد عكست قوة بعض المؤشرات الأساسية بما فيها طلبات السلع الرأسمالية ومؤشر التصنيع، انتعاش الاستثمار والتفاؤل في هذا الشأن. وحافظ نمو الناتج المحلي الإجمالي على قوته ، فقد تم رفع تقديرات النمو للربع الثالث من عام 2017 إلى 3.3% على أساس ربع سنوي، وذلك مقابل 3% في الربع الثاني.
وقد استفاد الاقتصاد الأميركي من موقف البيت الأبيض والكونغرس "ذي الأغلبية الجمهورية" الإيجابي تجاه قطاع الأعمال، مع تمرير قانون خفض الضرائب ، فقد أقر مجلس الشيوخ، قانون الإصلاح الضريبي الذي طال انتظاره، رغم أنه سيتطلب القليل من المراجعة ليتماشى مع ما تم إقراره من قبل مجلس النواب.
وبينما يتوقع معظم الجمهوريون أن الخفض في الضرائب والمقدّر بنحو 1.4 تريليون دولار على مدى 10 أعوام سيسهم في إنعاش النمو إلى حد التعويض عن تلك الضرائب، إلا أنه في المقابل يستبعد معظم الاقتصاديين هذا الانتعاش المتوقع ، ولكن من المتوقع أن يسهم خفض الضرائب في إنعاش أرباح الشركات ومعدل النمو الاقتصادي على المدى المتوسط.
ويشير مركز الأبحاث إلى أن الأسواق تترقب حسم الميزانية في أميركا تماشيًا مع اقتراب الدين الحكومي من السقف المحدد مجددًا ، فقد مرر الكونغرس قانونًا مؤقتًا بشأن الإنفاق مدته أسبوعان كمهلة للاتفاق على مستويات إنفاق جديدة للعام المالي 2018، إذ يبذل الحزبان حاليًا جهودًا مكثفة للوصول إلى اتفاقية بهذا الشأن قبل عطلة أعياد الميلاد ، ولكن لن يكون الوصول إلى اتفاقية أمرًا سهلًا ، لا سيما مع ترقب الكثيرين ترسية بعض المسائل الأخرى كالهجرة والرعاية الصحية والحاجة إلى الانتهاء من الميزانية قبل نهاية العام.
وقد جاء أداء منطقة اليورو مماثلاً إلى حد كبير لأداء الاقتصاد الأميركي، لا سيما أن البيانات الأخيرة تشير إلى تسارع النمو ، فقد ارتفع مؤشر مديري المشتريات ليتجاوز أعلى مستوى سجله منذ 6 أعوام ، حيث بلغ 57.5 نقطة في نوفمبر/تشرين الثاني ، مما يشير إلى قوة أداء منطقة اليورو بشكل عام. واستمرت القوة في معظم دول منطقة اليورو، وجاء أفضل أداء في كل من فرنسا مسجلاً 60.3 نقطة، وآيرلندا 57.5 نقطة، وألمانيا 57.3 نقطة.
وتشير البيانات إلى استمرار قوة نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع من 2017 ، وفي الوقت نفسه، جاءت المراجعة الأخيرة لبيانات النمو للربع الثالث من 2017 ، مؤكدةً قوة النمو بنسبة بلغت 2.6% على أساس سنوي.
وفاقت ثقة المستهلك أيضاً التوقعات، مرتفعة إلى أعلى مستوياتها منذ الأزمة المالية في 2008 بعد رابع ارتفاع شهري على التوالي ، وقد جاء هذا التعافي الاقتصادي المتين رغم وجود العديد من التطورات السياسية التي كان لها تهديد واضح على استقرار الكيان السياسي، والتي ظهرت هذه المرة في ألمانيا. فبعد أن استطاع العديد من دول الاتحاد الأوروبي التغلب على موجة مناهضة للاتحاد في مطلع عام 2017، أضعفت الانتخابات الألمانية موقف أنجيلا ميركل، التي شغلت أطول مدة خدمة كرئيسة حكومة في الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد تحقيق حزب اليمين المتطرف تقدمًا ملحوظًا.
وفي حين لم يتم تشكيل حكومة بعد، إلا أن الغموض الأولي قد تلاشى بعد أن وافق حزب الاشتراكيين الديمقراطيين على التفاوض لتشكيل تحالف مع حزب ميركل. وهدأ بعض الشكوك حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" ، تماشيًا مع وصول بريطانيا إلى اتفاق مع الاتحاد، الأمر الذي سيسهم في فتح المجال للتفاوض فيما يخص العلاقات التجارية.
ووافقت بريطانيا على دفع 40 إلى 60 مليار يورو لتسوية بعض الالتزامات مع الاتحاد ، كما وشملت الاتفاقية تسوية لبعض حقوق مواطني الاتحاد في بريطانيا بعد الانفصال، بالإضافة إلى مسألة الحدود الآيرلندية. وسيبدأ كلا الطرفين الآن الخوض في نقاشات أكثر أهمية، وهي العلاقات التجارية في المستقبل بعد الانفصال.
وجاء فوز رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في الانتخابات التشريعية في اليابان تزامنًا مع تحسن الاقتصاد. إذ يبدو أن اليابان تشهد أفضل أداء اقتصادي منذ أعوام مع بلوغ نمو الناتج المحلي الإجمالي أطول مدة نمو منذ عقود ، فقد تم رفع نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث من 2017 إلى 2.5%، ولكن لا تزال تساؤلات الأسواق قائمة حول ما إذا سيستمر ذلك النمو في عام 2018.
وبينما جاء نمو الاقتصادات المتقدمة على مستوى جيد، إلا أن التضخم استمر في التراجع إلى أقل من المستوى المستهدف ، فقد استقر التضخم الأساسي في أميركا عند 1.8%، إلا أنه لم يكتسب زخمًا بعد ضعف البيانات في فصل الصيف. وجاء نمو الرواتب في نوفمبر/تشرين الثاني ، حيث لم تستطع أن تحقق تسارعًا رغم ضيق الأوضاع في سوق العمل ، وفي منطقة اليورو جاء أداء التضخم مماثلًا لذلك، فقد بلغ التضخم الأساسي 0.9% خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني.
وعلى الرغم من أن مجلس الاحتياط الفيدرالي لم يجعل من تراجع التضخم مصدرًا للقلق يمنعه من رفع الفائدة للمرة الثالثة، فإن استمرار تراجعه قد يفرض ضغوطًا على سياسة البنوك التشددية في عام 2018.
وتوقع الجميع أن يقوم "الفيدرالي" برفع الفائدة بواقع 25 نقطة أساس، لا سيما مع قوة البيانات الاقتصادية وطمأنة الأسواق ، كما تتوقع الأسواق أن يقوم "الفيدرالي" برفع الفائدة مرتين إلى 3 مرات خلال 2018.
أما في منطقة اليورو، فقد يكون الأمر أكثر تعقيدًا نظرًا إلى محدودية برامج التيسير الكمي، إذ لا يملك البنك المركزي الأوروبي المصداقية الكافية للاستمرار في البرامج بعد عام 2018.
وارتفعت أسعار النفط للشهر الخامس على التوالي في نوفمبر/تشرين الثاني بدعم من قوة الاقتصاد العالمي واتفاقية "أوبك" لخفض الإنتاج، حيث استقرت الأسعار عند مستوى أعلى من 60 دولار ، كما ارتفع مزيج برنت بواقع 32% عن مستواه منذ 6 أشهر ليصل إلى 63 دولار للبرميل في نوفمبر/تشرين الثاني.
وساهم قرار استمرار الخفض بين "أوبك" وبعض الدول حتى نهاية 2018، في دعم الأسعار، إلا أن استمرار إنتاج النفط الصخري الأميركي سيواصل فرض ضغوط على الأسعار على المدى المتوسط.