لندن ـ فلسطين اليوم
انخفض عدد الفقراء في العالم، بفضل الجهود الدولية خلال العقدين الماضيين، إلى أكثر من النصف، من 1.9 بليون عام 1995 إلى 0.8 بليون عام 2015، واعتبر هذا الانخفاض نجاحًا كبيرًا للمجتمع الدولي في تحقيق هدف الألفية 2000- 2015 الأول، وانخفض أيضًا عدد الذين يعانون من سوء التغذية بحوالي 20% منذ عام 1992، وهناك اليوم 815 مليون شخص في العالم ليس لديهم ما يكفي لإطعامهم، وهو أكثر من العدد الذي سجل عام 2014 البالغ 795 مليونًا، وتختلف النتائج كثيرًا بين الدول والأقاليم، حيث أنّ 98% من الذين يعانون من سوء التغذية هم من الدول النامية موزعة كالآتي: آسيا 519.6 مليون، وأفريقيا 223 مليونًا، وأميركا اللاتينية والكاريبي 42.5 مليون، وأكثر الأشخاص معاناة هم النساء، إذ يمثلن 60% من مجموع الجياع في العالم، ثم الأطفال، فنصف وفيات من هم منهم تحت سن الخامسة، يعود إلى سوء التغذية ما يؤدي إلى خسارة حوالي 3 ملايين طفل سنويًا، إضافة إلى 155 مليون طفل تحت الخامسة يعاني من بطء النمو المرتبط بسوء التغذية.
وتشير معلومات الأمم المتحدة إلى أنّ ارتفاع أسعار الغذاء تسبب في زيادة عدد الفقراء في العالم للمرة اللأولى منذ عقدين، وتعتبر ظواهر الفقر وارتفاع أسعار الغذاء والجوع مترابطة في شكل كبير، فليس كل فقير جائعًا ولكن كل جائع فقير، والجوع هو أحد أبعاد الفقر المدقع أو المظهر الأكثر حضورًا لحدة الفقر، ومن المعروف أنّ سكان الريف هم الأكثر معاناة من الفقر والجوع، ويتفق المعنيون بقضايا الفقر والجوع على أنّ السعي على المدى الطويل إلى القضاء على الجوع تكمن جذوره في القضاء على الفقر، إذ لا تجوز معالجة الجوع بمعزل عن معالجة الفقر إلا في الحالات الاضطرارية، وأنّ حلّ مشكلة الجوع العالمي من خلال زراعة غذاء أكثر لن يعالج مشكلة الفقر الذي يؤدي إلى الجوع، فالجوع لا يحصل لعدم توافر الغذاء الكافي، لكن بسبب عدم القدرة على شراء الغذاء، أو لأن توزيع الغذاء غير عادل، والذين يحصلون على دخل مرتفع هم الأقدر على الحصول على كمية ونوعية الغذاء الأنسب، أمّا الذين يملكون القليل أو لا يملكون فهم ضحايا الجوع، ويمتلك على مستوى العالم 20% من السكان 85% من ثروات العالم بينما الـ20% الأقل فقرًا يملكون 1.5% فقط.
ويشير رئيس معهد الغذاء وسياسة التنمية إلى أنّ مشكلة الجوع لا يمكن معالجتها بزيادة إنتاج الغذاء فقط، لكن هناك مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية التي تسبب المشكلة التي يجب معالجتها، ومعدلات إنتاج الغذاء حاليًا أعلى من معدلات نمو السكان، ما يعني وجود وفرة في الغذاء، ويعتبر المعنيون أنّ الجوع في العالم سببه الاستعمار، ثم الرأسمالية الاحتكارية التي تسلب الأرض من مئات الملايين من الفلاحين، والمالكون الجدد هم مديرو الشركات الزراعية التي تنتج للدولة الأم، وتضطر الدول الفقيرة إلى بيع منتجاتها إلى الدول الغنية لعدم وجود أسواق خاصة بها، وينتج أصحاب الأرض في العالم الثالث منتجات لها أسواق عالمية لمصلحة الدول المتقدمة، ومن هذه المنتجات الخشب والقطن والكاكاو والقهوة والتبغ بدلًا من إنتاج مواد غذائية ذات علاقة مباشرة بحاجاتهم، وتمّ الحفاظ على هذا النموذج من خلال استغلال الشركات الاحتكارية للفلاحين، وهم الحلقة الأضعف بحيث تتركهم بلا خيار إلا بيع منتجاتهم بأسعار رخيصة إلى الدول المتقدمة، كما أنّ هناك ملايين الهكتارات التي تصلح أن تكون مزارع منتجة تستخدم لتربية المواشي، وهي طريقة غير كفؤة لاستخدام الأرض والماء والطاقة، لكن المنتجات الحيوانية لديها أسواق في الدول المتقدمة، كما أنّ أكثر من نصف الحبوب التي تنتج في الولايات المتحدة تطعم للمواشي بدلًا من إطعام ملايين البشر.
وتكمن المشكلة في أنّ أكثر من بليون شخص يعيشون على دولار واحد في اليوم، غير محسوبين في معادلة الغذاء، حيث أنّ الغذاء سلعة يحصل عليها من يستطيع دفع ثمنها، ويقدم برنامج الأمم المتحدة للغذاء العالمي مجموعة من الأساليب لمحاربة الجوع تشمل، التوقف عن نهب الأراضي في مناطق مثل آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية، من قبل الشركات العابرة للحدود، واستخدامها لإنتاج الغذاء والوقود الحيوي واستعمالات استثمارية أخرى، والحد من استهلاك اللحوم إذ تستهلك المواشي 40% من إنتاج الحبوب
ودعم صغار المزارعين في الدول النامية وتشجيعهم على البقاء في أراضيهم، ومساعدتهم في تحسين طرق الزراعة والريّ وكيفية استخدام المبيدات والأسمدة، لزيادة الإنتاجية وتحقيق فوائض مالية تنتشلهم من حلقة الفقر، والاهتمام بإطعام الأطفال والقضاء على سوء التغذية، والتخلّص من التكنولوجيا الحيوية واستعمال الوسائل التي تمكن الاستمرار في الزراعة وتحقيق نتائج في حالات الجفاف والفيضانات، بالإضافة إلى تحجيم الفقر من خلال تحقيق الاستقرار الاقتصادي، ودفع نجاح الصين في تقليص الفقر إلى الاعتقاد بأنه بحلول عام 2020 لن يعود هناك جياع في الصين، وتمكين المرأة كمنتجة ومستهلكة، فهي القائدة في العائلة، ورعايتها وتمكينها يؤديان إلى تمكين العائلة وتحسين أحوالها، وتوفير وجبات غذائية في المدارس للقضاء على سوء التغذية بين الفقراء منهم، إلى جانب تقليص عدم المساواة في توزيع الدخل وإعطاء الفرص المتكافئة للجميع.
يشار إلى أنَّ أكبر تحد لأهداف العالم في التنمية المستدامة 2030، هو القضاء على الفقر والجوع مع تحقيق الأمن الغذائي المستدام للجميع، ونجحت أهداف الألفية في تقليص الفقر إلّا أنّها لم تحقق الأمن الغذائي، لأنها لم تتعامل مع الغذاء كحق إنساني، وأثبتت التجارب أنّ لا آلية السوق ولا الحكومات، تستطيع حماية حق الوصول إلى كميات كافية وصحية من الغذاء لكل شخص من دون مُساءلة يتحملها أولئك الذين ينتجون الغذاء وينظمون المجتمع، عندما يعامل الوصول إلى الغذاء كحق إنساني يحاسب القانون على انتهاكه وليس فقط كهدف من أهداف السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
وتشير الأرقام إلى أنّ 41 مليون شخص أي ما يعادل 13% من مجموع سكان الولايات المتحدة يعيش في فقر، ويعيش نصف هذا العدد أي 19 مليون تقريبًا في فقر مدقع، ويقاس الأخير عندما يكون دخل العائلة أقل من نصف مقدار الدخل على عتبة الفقر، ويعود الفقر في دولة غنية مثل الولايات المتحدة إلى الفروق الكبيرة في توزيع الثروة والدخل، وتؤثر هذه الفروقات في شكل خاص على الأقليات كالسود وأصحاب الجذور اللاتينية والسكان الأصليين، كما تعاني الأقليات تاريخيًا من معدلات بطالة عالية والعمل ساعات طويلة ومعدلات أجور أقل من أمثالهم البيض، وينتج الفقر في الولايات المتحدة من القرارات السياسية التي يمكن اعتبارها في جذور الفقر المنظم.
ونجح الحزب الجمهوري الحاكم حاليًا في تمرير قانون يخفض الضرائب على الشركات تتم مواجهة نتائجه بتقليص خدمات الرعاية الاجتماعية، التي هي أصلًا ضعيفة خاصة في الولايات الجنوبية، وسترتفع بذلك الفروق في مستويات المعيشة بين الفقراء والأغنياء، وحذر مبعوث الأمم المتحدة من أنَّ تقليص نظام الخدمات الاجتماعية سيكون مميتًا لبعض البرامج ولملايين الأشخاص الذين يعتمدون عليه، ويرى التقرير أنَّ الولايات المتحدة بثرائها الواسع تستطيع حلّ مشكلة الفقر وعدم المساواة، لكن الحزب الحاكم لا يمتلك الإرادة السياسية لتحقيق ذلك، إنما على العكس تسعى قراراته إلى ترسيخ هذه الظاهرة، وأشار التقرير أيضًا إلى أنَّ الولايات المتحدة هي الوحيدة ضمن الدول المتقدمة التي تصر على الأهمية الجوهرية لحقوق الإنسان، لكن الأخيرة بالنسبة إليها لا تتضمن: الموت جوعًا وفقدان الرعاية الصحية والنشأة في بيئة كاملة الحرمان، ففي ولاية فيلاديلفيا على سبيل المثال واحد من كل خمسة أشخاص أو 1.6 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
وتظهر معاناة الفقراء في الدول النامية من سوء التغذية في شكل هزال، حيث تظهر في الدول المتقدمة خاصة في الولايات المتحدة على شكل سمنة مفرطة تطلق عليها منظمة الصحة العالمية "الجوع الخفي Hidden Hunger"، فتدني مستوى الدخل لدى الفقراء يدفعهم إلى استهلاك الأغذية ذات السعرات الحرارية العالية لأنّها أرخص سعرًا من الأغذية ذات القيمة الغذائية العالية، وعلى رغم فسحة التفاؤل التي أعقبت الربيع العربي في 2011، استمرت دول شمال أفريقيا بمواجهة تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية رفعت من معدلات الفقر في الكثير من المناطق، ففي مصر تسببت خمس أعوام من الاضطرابات السياسية بضرب السياحة وانخفاض تدفق العملة الأجنبية ما تسبب في انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار في السوق السوداء، وتشير دراسات محلية متخصّصة الى إنّ حوالي 50% من سكان مصر البالغ وفق آخر تقديرات رسمية، 102 مليون، يعيشون عند خط الفقر أو تحته، أمّا في تونس على رغم نجاح التحول السياسي فيها مقارنة بدول أخرى، فإنّ 1 من كل 6 أشخاص، أو 17% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، كما تعتبر تونس واحدة من أكثر دول العالم مساهمة في القتال مع "داعش"، ويرى مسؤولون تونسيون ارتباطًا مباشرًا بين الفقر والانتماء إلى الجماعات المتطرّفة.
ويتسبّب، في الأراضي الفلسطينية، انخفاض فرص العمل نتيجة القيود التي يفرضها الاحتلال، في ارتفاع معدلات الفقر، وتعتبر الأوضاع في الضفة الغربية أقل تشاؤمًا من غزة، إلّا أنّ مستويات الفقر العالية فيها مستمر بسبب انخفاض معدلات الأجور، ويقلّ في غزة معدل الدخل الفردي 31% عمّا كان عليه عام 1994، كما أنّه على رغم الثراء النفطي للمنطقة العربية، لا زال الفقر أحد أكبر التحديات التي تواجهها، حيث أنّ الفقر في الدول العربية متعدّد الأسباب لأن كل دولة تقريبًا مختلفة في ظروفها وأسباب الفقر فيها، وجاءت الظروف الأسوأ من الصراعات المسلحة في بلدان مثل سورية والعراق وليبيا، وفي هذه الحالة تتجاوز النتائج الفقر، ويصبح من المستحيل بناء اقتصاد في ظروف تفتقر إلى أبسط متطلبات التنمية.