واشنطن - فلسطين اليوم
يبحث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن أول انتصاراته التشريعية المالية، بعد مصادقة مجلس النواب في الكونغرس على مشروع قانون حمل اسم "الخيار المالي 2017" وهو ينقض عدداً من التشريعات الواردة في قانون "دود فرانك 2009"، الذي كان أقرّه الكونغرس الأميركي بغالبية من الحزب الديموقراطي وقتذاك، إثر اندلاع "الركود الكبير" في خريف عام 2008.
ومنع قانون "دود فرانك" سلسلة من الممارسات المالية التي صنّفتها غالبية المشرعين الأميركيين والرئيس السابق باراك أوباما، على أنها "متهورة"، ومن شأنها أن تؤدي إلى حصول أزمات متكررة، وأن تهدد وضع الاقتصاد الأميركي. ومن الممارسات التي حظرها القانون المذكور، استخدام المصارف الأميركية أموال المودعين الأميركيين للمضاربة في أسواق الأسهم المالية. كما رفع القانون حجم رأس المال النقدي المفروض على كل مصرف تجميده لتغطية أي اهتزازات في السوق، من 3 إلى 6 في المائة. وعلى مدى الأعوام 2010 و2011 و2012، أجرى "الاحتياط الفيديرالي" سلسلة "مناورات افتراضية" تحاكي الواقع في سعي إلى امتحان متانة المصارف الأميركية وقدرتها على تلبية السوق نقدياً، في حال اندلاع أزمة مالية مشابهة لتلك التي حصلت عام 2008، من دون إجبار الحكومة الفيديرالية على التدخل لاحتواء الانهيار الذي كان يجرى على قدم وساق.
وكان الكونغرس أقرّ إنفاق نحو 1.5 تريليون دولار لتثبيت الاقتصاد الأميركي وتنشيطه في الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس السابق جورج بوش، والأشهر الأولى من بداية ولاية أوباما. وترافق الإنفاق الحكومي مع ضخ "الاحتياط الفيديرالي" كميات جديدة من النقد في السوق، قدّر بعض الخبراء قيمتها بـ13 تريليون دولار.
وعارض الجمهوريون واليمين الأميركي عام 2009 قيام الحكومة بتغطية الإفلاسات في عدد من القطاعات، مثل تقديم وزارة الخزانة قروضاً ضخمة لمصارف ومؤسسات تأمين ولمصانع وشركات السيارات الثلاث الكبرى. وطالبوا بالسماح لقوى السوق بأن تأخذ مجراها، فيُسمح لإفلاسات في القطاعات المتنوعة، وتنهار شركات وتنشأ أخرى عملاً بمبدأ حرية السوق.
لكن الانهيارات كانت تهدد الاقتصاد الأميركي وربما العالمي، نظراً إلى ضخامتها. وهكذا، تحركت إدارة أوباما سريعاً لتدارك الأزمة، وكان الهدف وقتذاك إبقاء السيولة متوافرة في المعاملات المالية، لمنع حدوث أي انسداد يؤدي الى فقدان الثقة واحتمال مسارعة المودعين إلى سحب أموالهم من المصارف خوفاً من إفلاسها.
كما عززت الحكومة الأميركية ضماناتها للمودعين، بحيث رفعت تعويضاتها إلى 250 ألف دولار للحساب الواحد في حال انعدام قدرة مصرف ما على تلبية سحوبات المودعين، وذلك بدلاً من حصول كل مودع على 100 ألف دولار على الأقل من أمواله في حال إفلاس المصرف المودع لديه. وأفضى ذلك إلى طمأنة السواد الأعظم من الأميركيين لناحية إبقاء إيداعاتهم في مصارفهم.
ومع استعادة الحزب الجمهوري البيت الأبيض بوصول ترامب إليه، وفي ظل سيطرة حزبه على الكونغرس بغرفتيه، سعت السلطتان التشريعية والتنفيذية إلى التخلص من قانون "دود فرانك"، عملاً بالمبدأ الاقتصادي اليميني القائل بتقليص تشريعات الحكومة وتدخلاتها في عمليات السوق، وتركها تأخذ مجراها لتنشيط الاقتصاد وعدم عرقلة عجلته.
وهكذا، صادق المشرّعون الجمهوريون في الكونغرس على قانون "الخيار المالي" الهادف إلى تقليص تشريعات "دود فرانك"، من أجل جعل السوق الأميركية "أكثر رشاقة وتنافسية". وورد في فذلكة القانون الجديد أن هدفه "نقض ضوابط فولكر، التي تمنع بعض المضاربات في قطاع مصارف الاستثمار، وحل هيئة ضمان الإيداعات وتأسيس هيئة الإشراف على الإفلاس مكانها، وإلغاء القانون الذي يحظر على بعض الشركات تقاضي عمولات على العمليات المالية ببطاقات مصرفية".
وورد في نص القانون أيضاً، إنهاء عمل هيئة "الثبات المالي والمراقبة"، المسؤولة عن مراقبة الحفاظ على رؤوس أموال مصرفية مجمّدة تحسباً للأزمات، على أن غالبية المؤسسات المالية الأميركية متمسكة بقانون "دود فرانك"، لأنه يحظّر التهور والمضاربة. ويعتقد معظم المسؤولين في هذه المؤسسات، أن السماح بالتهور يجبر كل المؤسسات على الدخول في "لعبة كراسي الموسيقى"، وفقاً لما سمّاها رئيس "الاحتياط الفيدرالي" السابق آلان غرينسبان، أي أن بسبب المنافسة على الأرباح، عندما تمضي مؤسسة في المضاربة بتهور، تجبر الآخرين على اللحاق بها تحت طائلة خسارة المؤسسات الممتنعة عن المضاربة المتهورة، حصصاً في السوق والأرباح.
ولأن ترامب والكونغرس يعرفان أن المؤسسات الأميركية المالية متمسكة بـ"دود فرانك"، لن ينسف القانون الجديد الضوابط على المضاربة كلياً بل سيسمح بـ "الخروج من ضوابط القانون لأي مؤسسة تزيد من قيمة رأسمالها النقدي المجمّد من 6 في المائة حالياً إلى 10 في المائة". ويعتقد عدد من الخبراء أن السماح للمؤسسات القادرة على تجميد رأسمال أكبر بالمضاربة في عمليات مالية متهورة، يفتح الباب للشركات المالية الكبيرة على حساب الصغيرة، ويسمح للشركات الكبيرة بالاستيلاء على حصص أكبر في السوق من نظيرتها الصغيرة.
وعزا متابعون خطوة الجمهوريين هذه، إلى أن غالبية المسؤولين العاملين في إدارة ترامب من القياديين السابقين في مصرف "غولدمان ساكس" أحد المصارف الكبيرة التي خسرت عائدات ضخمة (وتالياً علاوات ضخمة لقيادييها) بسبب قانون "دود فرانك"، ما حدا بأحد الخبراء الماليين الى المطالبة بإطلاق اسم قانون "غولدمان ساكس" بدلاً من "الخيار المالي" على القانون الجديد التي تجرى المصادقة عليه.