الجزائر- ربيعة خريس
مع اقتراب شهر رمضان المبارك أو عيد الفطر المبارك وحتى عيد الأضحى، الكثير من العائلات الجزائرية تعيش على وقع ضائقة مالية كبيرة، بالنظر إلى كثرة المصاريف وضعف الراتب الشهري لرب العائلة، وتضطر العديدة من ربات البيوت إلى رهن حليهن الذهبية أو بيعها في محلات المجوهرات أو في السوق الفوضوية الكائن في ساحة الشهداء في أعالي محافظة العاصمة على مشارف حي القصبة العتيق وتعرف هذه السوق في الجزائر بـ"إمبراطورية دلالات الذهب".
وفي وقت تشهد محلات بيع الذهب تراجعا ملحوظا خلال شهر رمضان المبارك نظرا لقلة الطلب، إلا أن السوق الموازنة للمعدن الأصفر بساحة الشهداء تقع في القصبة السفلى في العاصمة الجزائرية تزخر بتاريخ كبير، تشهد انتعاشا كبيرا، فبمجرد الوصول إلى هذا المكان، تشد أنظارك نساء مكسوات بالذهب، يمتهن مهنة "الدلالات" اللاتي يقمن بعرض الحلي على الزبائن منذ عشرات السنين، يجلسن فوق كراسي على حافة الطريق لاصطياد الزبائن الذين يقصدون السوق لبيع مصوغاتهم بغرض توفير مصاريف شهر رمضان أو اقتناء ملابس العيد لأطفالهم، أمام مرأى مصالح الأمن الجزائري، فهذه السوق تعتبر ثاني سوق موازية في ساحة الشهداء بعد سوق العملة الصعبة أو الملقب بـ"السكوار".
وكانت "خالتي سميرة" سيدة طاعنة في السن حيث بدت التجاعيد ظاهرة على وجهها والتعب أرهق جسدها، أول بائعة صادفها "العرب اليوم" في هذه السوق التي وجدنا صعوبة كبيرة في اختراقها ومحاولة التقرب من البائعين فهم يرفضون الحديث مع الغرباء، أبلغتنا أن هذه السوق السوداء تشهد انتعاشا كبيرا مع حلول شهر رمضان وعيد الفطر المبارك، فأغلب ربات البيوت يلجأن إلى هذه السوق لبيع مصوغاتهن بأسعار قليلة مقارنة بتلك التي تطرح عليهم في المحلات وأيضا في البنوك المتخصصة في رهن الذهب، وتابعت المتحدثة قائلة إنها تستفيد من هامش ربح بسيط بعد إعادة بيع الكمية التي اشترتها فالشيء المميز في هذه السوق هو انخفاض الأسعار مقارنة بالمحلات، وتابعة خالتي سميرة قائلة إن "حركة البيع تشهد أيضا انتعاشا مع نهايةشهر رمضان فبعض العائلات تفضل القدوم إلى هنا لاقتناء المصوغات التي يقدمها الخطيب لخطيبته في العيد أو أي مناسبة دينية أخرى تعرف في الجزائر بـ"المهيبة".
"لامية " في الأربعينيات من العمر متزوجة وأم لثلاثة أطفال صادفها "العرب اليوم" وهي تتنقل بين "دلالة" وأخرى قصد بيع مصوغاتها، قائلة إن غلاء المعيشة وضعف راتب زوجها الشهري دفعها إلى القيام بهذا الأمر، حتى تتمكن من شراء ملابس العيد لأطفالها وإدخال الفرحة على قلوبهم، فهذا الأمر يتطلب ميزانية كبيرة وخاصة.
وغير بعيد عن هذه السوق، وعلى طول شوارع محافظة شوارع العاصمة الكبرى، بالضبط بساحة الأمير عبدالقادر التي يتواجد بها تمثال كبير للأمير عبدالقادر بن محيي الدين والذي يعتبر من مؤطري الثورة الشعبية التي أزعجت كثيرا الفرنسيين، يقف العشرات من الشباب أمام أبواب العمارات يرتدون ملابس أنيقة، يحملون حقائب صغيرة، تقتصر مهمتهم على اصطياد الزبائن الذين يقصدون هذا الشارع لبيع المصوغات، يرددون على مسامع المارة عبارة بصوت خافت جدا "كاش كاسي، كاش متبعلنا" أي "هل بحوزتك ذهب مستعمل للبيع"، بعضهم اقتحم هذا المجال حديثا والبعض الآخر فاقت تجربته في هذا المجال عشر سنوات، مهمتهم الوحيدة هو شراء كميات كبيرة من الذهب مهما كان ثمنه، اقتربنا من أحد الشباب على أساس أننا نرغب في بيع خاتم بسيط، وكان أول شيء قام به هذا البائع هو وضع الخاتم فوق ميزان صغير هو نفسه الذي يستعمله بائع المجوهرات، واقترح علينا سعر زهيد مقارنة بذلك المعروض في المحلات الكبرى، وأهم شيء لاحظناه هو أن أولئك الشباب يتابعون أدق تفاصيل تقلبات سوق الذهب، فالمتاجرة بالذهب هي تجارة مربحة كثيرا بالنسبة إليهم.
ويشتري أولئك الشباب الذهب مقابل 4800 دينار للغرام وسعر الذهب المستعمل في الجزائر عشية عيد الفطر، وفي نهاية اليوم يجمع كل واحد منهم حوالي 10 إلى 15 غراما خاصة خلال فترة الأعياد والمناسبات الدينية.