المهاجرين

سادت حالة من التوتر والقلق على مستوى العالم  والكثير من البلدان، وكان السبب الرئيسي هو الهجرة في معناها ومضمونها ما بين الضرر الواقع على الدول المستضيفة أو كان في صالحها، وعلى الرغم من الجدل، تظل الهجرة تساعد على فتح العديد من المجالات داخل الدول، لا سيما السويد. لذا سيكون اختفاء المهاجرين من الدولة أقرب إلى الخيال، لأن الفكرة في حد ذاتها غريبة بعض الشيء، حين تحاول توقع ما يمكن أن يحدث أو كتابة سيناريو أقرب ما يكون إلى الواقع. المهم أن الفكرة في حد ذاتها تثير فضول أي إنسان، وتدفع بخلايا عقله إلى التفكير والتخيل. وما أن تفكر في السؤال، حتى تستغرب أو تبتسم قائلًا "هذا مستحيل!!!".

وبرزت أزمة المهاجرين إلى أوروبا، من خلال ارتفاع عددهم لأسباب اقتصادية، وبدأت الموجة الثانية من هذه الأزمة مع أحداث الربيع العربي، وصولًا إلى حرب سورية التي لا تزال مشتعلة حتى الآن، ويعبر آلاف من السوريين الحدود نحو أوروبا هربًا من الحرب والموت، حتى شكل طالبو اللجوء السوريون نسبة واحد في المائة من سكان السويد، بحسب ما أكد وزير العدل والهجرة مورغن يوهنسون، في إحدى لقاءاته الصحافية. وهؤلاء اللاجئون وغيرهم صنفوا بحسب باحثي علم الاجتماع وشؤون الهجرة على درجتين، "فئة المثقفين والخبراء ذوو الشهادات الجامعية"، و"جمهور العمال". فماذا سيحدث لو رحل عن السويد جميع هؤلاء المهاجرين واستفقنا غدًا من دونهم؟.

وسيكون أول المتأثرين، هو القطاع الاقتصادي، والمهاجرون حاليًا بصورة جماعية لم يترك كل منهم بلده بحثًا عن العمل أو المال، بل هربوا مع عائلتهم، للتخلص من الأزمات الأمنية والكوارث الإنسانية التي حصدت أرواح الكثيرين، وساهمت في هجرة هؤلاء مع جميع مدخراتهم، حتى وصلوا إلى السويد، وفتحوا العديد من المشروعات الممولة منهم شخصيًا، دون أن يرهقوا مالية الدولة، وغيابهم يعني إقفال الكثير من الشركات، والمحال التجارية والمطاعم والمقاهي أبوابها وتوقفها عن العمل.

وستخسر الشركات الكثير من الموظفين مما يضعف طاقاتها الإنتاجية، وستغيب الكثير من الخدمات والحاجات التي يشكل مصدر طلبها المهاجرون، بالتالي لن تحتاج المحلات الغذائية إلى فتح أبوابها حتى العاشرة مساءً، وستكتفي بحلول السادسة بإغلاق محاسبتها والإقفال. فالنبض الحي عن المدن سيكون غائبًا كليًا، وكذلك الأمر بالنسبة لغياب المنافسة الاقتصادية ما بين المهاجرين والسكان المحليين، ومع إقفال الكثير من المهن الحرة والصغيرة وبيع الخدمات المختلفة، ستقف عجلة الاقتصاد السويدي حائرة أمام الصدمة والتوقف المفاجئ للسوق، وسيصعب وجود حل لامتصاص هذه الأزمة بالسرعة المجدية والمطلوبة. هذا كله سيؤدي إلى غياب الإيرادات الكافية للدولة، والحفاظ على معدل النمو مستقرًا حتى يتسنى حماية نظام الضمان الاجتماعي.

وعن تأثير غياب المهاجرين على القطاع الطبي، فسيخسر ربع العاملين في المجال، وتقدر نسبة الأطباء المهاجرين في بعض التخصصات نحو 50 في المائة، وستزول إسهاماتهم في تطوير الطب، نتيجة خبراتهم المتعددة ومستواهم العلمي المرتفع، وبحسب الإحصاءات يشكل معدل الأطباء العراقيين على سبيل المثال حوالي 2 في المائة من إجمالي العاملين في المجال الطبي السويدي.

وأكد مجلس الخدمات الاجتماعية، أنه يوجد في السويد أطباء من جميع أنحاء العالم، لكن جزء كبير من هؤلاء الأطباء الأجانب العاملين في سوق العمل هم من العراق، ويعتبر ذلك نتيجة طبيعية لحالة وأوضاع اللاجئين في العالم منذ حوالي عشرة أعوام. وسينعكس ضعف القطاع الاقتصادي على المجال الصحي، مع غياب الإيرادات الكافية للدولة، لتغطية التكاليف الطبية للمرضى، تلك التكاليف التي تشمل رسوم التحاليل والمختبرات، والمراجعات، ورعاية الأطفال والمسنين والمعوقين، وتقديم الخدمات المجانية في علاج أسنان الأطفال والشباب تحت العشرين، ونتيجة لضعف هذا الدعم لمرافق الرعاية الصحية بشقيها العام والخاص، سيحرم السويديون من الأمن الصحي، الأمر الذي سيضعف معدلات الشفاء بخاصة في ما يتعلق بأمراض السرطان، ووفيات الرضع وبعض الأمراض الأخرى، وسيسجل معدل عمري أقل، بعد أن كان الأعلى على المستوى الأوروبي، إذ إن 5 في المائة من سكان السويد اليوم تزيد أعمارهم عن سن الثمانين عامًا.

وسيؤدي إخلاء آلاف الوحدات السكنية من المهاجرين، إلى انهيار سعر العقارات، وستتوقف شركات البناء عن العمل، لعدم وجود الطلب الهائل على توافر أماكن جديدة للسكن، وغياب حاجة المهاجرين للمنازل، وستفرغ مراكز الإيواء من قانتيها، وسيعم البرد على الأطراف، وستخسر الكثير من الشركات الخاصة ما تجنيه من أرباح خيالية.

وسيعود عدد سكان السويد إلى ما كان عليه سابقًا، أي أقل من عشرة ملايين نسمة، فارتفاع نسبة السكان في الآونة الأخيرة يعود إلى عاملين، الأول، زيادة نسبة الولادة من عشرين ألف إلى خمسة وعشرين ألف سنويًا، لأن الاعتقاد السائد في أوروبا، أن خصوبة المرأة المهاجرة أعلى بكثير من معدل خصوبة المرأة الأوروبية، ولا شك في أن هذا المعتقد صحيح، فالعائلات المهاجرة تميل إلى الإنجاب، بينما يكتفي الأوروبيون بالعائلة النواة.

وتكلف تنشئة الطفل الواحد في السويد لحين بلوغه سن العمل، الاقتصاد السويدي آلاف بل ملايين الكرونات، في حين أن أغلب المهاجرين يصلون إلى البلدان المضيفة، وهم في سن العمل، وما يربطنا بالعامل الثاني، وهو ارتفاع معدل الهجرة من خمسة وأربعين ألف، إلى سبعة وثمانين ألف سنويًا.

وبينت دراسة مكتب الإحصاء المركزي "س سي بي" أن 77 في المائة، من معدلات زيادة السكان تتعلق بما يسمى فائض الهجرة، ومع غياب المهاجرين ستعود أعداد النساء إلى الارتفاع أكثر من أعداد الرجال، ويرجع هذا الأمر إلى أن أكثرية المهاجرين هم من الذكور، وسيغيب أي ترتيب للمنافسة على الشعوب الأكثر لجوءً، ويخسر السوريون ترتيبهم لأكبر المجموعات المهاجرة إلى السويد.

وانتقالًا لتأثير رحيل المهاجرين على الجانب السياسي، فسيكون لأحزاب اليمين المتطرف فرصة نحو تغيير حقيقي خلال انتخابات 2018، مع غياب 380 ألف شخص يحق لهم التصويت في الانتخابات البلدية، بالرغم من عدم حملهم الجنسية السويدية، منهم 8300 يعيشون في نوربوتن، شمال السويد. وذلك إذا استثنينا المهاجرين الذين يحملون الجنسية السويدية، مما سينعكس على نتائج الانتخابات العامة سواء على مستوى البلديات أو البرلمان وصولًا للرئاسة.

ويفتح غياب أصوات هؤلاء المهاجرين التي تصب عادة لصالح الأحزاب اليسارية والاجتماعية التي تتبنى حقوقهم وتدافع عنهم لتوفر لهم ظروفًا أفضل، المجال للأحزاب العنصرية أن تحصل على أصوات تساعدها أو تقضي عليها في تحقيق كتل نيابية والحصول على حقائب وزارية وإدارات محلية، مع حلول برامج انتخابية مختلفة كليًا لهذه الأحزاب التي يمكن أن تتناول ضمنها الاستراتيجيات الاقتصادية وغيرها من الأفكار، كزيادة النزعة الانفصالية عن الاتحاد الأوروبي وخاصة بعد خروج بريطانيا.

وبناءً على كل ما تقدم، سيغيب السباق بين المدن الريفية لمواكبة المدن الكبرى كستوكهولم ويوتوبوري، فعند التمعن والنظر، نرى أن للبلدات الصغيرة، وبخاصة البلدات الشمالية القريبة من القطب، أثرًا كبيرًا للمهاجرين فيها، لا سيما بصمتهم في تنمية المدن الريفية لبناء مجتمع تستمر فيه الحياة. وساعد المهاجرون على تنشيط الحركة التجارية، وتخفيف الحمل عن كاهل الحكومة في بناء وتعمير المدن، علمًا أن تلك المدن كانت في الحقيقة تعاني من النقص الحاد في مختلف احتياجاتها، لا سيما منافع المواطن اليومية والشخصية.

ولن يكون هناك للتنوع الديمغرافي مكانًا مع غياب المهاجرين الذين احدثوا فرقًا شاسعًا في التعرف على ثقافات الشعوب وعادتهم. أما الانتعاش الاقتصادي في القرى والأرياف فهو عائد لقيام المهاجرين بتفعيل الاستثمارات وفتح المشاريع الصغيرة، لتلبية الاحتياجات المعيشية للسكان، بعد أن أدت عملية مزج المجتمع الأصلي في المجتمعات المهاجرة ودمجهم بها، والانفتاح والتعرف على العادات إلى الازدهار العقاري الناتج عن الطلب الملح للمساكن، خاصة بعد إنشاء وتطور المشاريع الاستثمارية، وأثر كل ذلك على الحياة اليومية. أما سكان المدن الريفية الأصليين، فسيضطرون لمغادرة المدينة بحثًا عن احتياجاتهم اليومية، ويعود روتين المعاناة، لعدم توفر مطالبهم حتى في المدن المجاورة لهم.

قد يوافق البعض على هذا السيناريو المبني على بعض الوقائع، ومن الممكن أن يرفض البعض الأخر الفكرة كليًا، علمًا أن الموضوع لم يشمل كل الصعد، فالدين والتربية، البيئة والمرأة وغيرها من المؤشرات كلها تظهر انخراط المهاجرين في شتى ميادين الحياة السويدية، ولكن ما كان هذا التحقيق إلا لإبراز أهمية وجود المهاجرين، وتأكيدًا على احتضان المجتمع السويدي بغالبية أطيافه لهؤلاء المهاجرين، ورغم إبراز كل النقاط الإيجابية لتواجد المهاجرين في السويد، إلا أن هناك وجود لبعض الحالات الشاذة التي تغرد خارج السرب إذا صح التعبير.

ولكن يبقى المهاجر في السويد مرحبًا به، ونلاحظ في كل يوم وفي كل مناسبة، التصريحات الرسمية وغير الرسمية، التي تؤكد على أهمية وجود هذا المهاجر واندماجه في المجتمع السويدي. وتكرس القوانين السويدية مثل "قانون سوق العمل، والعلاقات الأسرية والاجتماعية، والرعاية الصحية، وما يتعلق بالمواطنة والحياة المدنية"، فرصًا أفضل لاندماج المهاجرين ومساعدتهم في تأسيس حياة جديدة في المجتمع. وتؤكد على إعطائه حقوقه وتعامله على أنه جزء من نسيج هذا المجتمع العريق، الذي تمتد حضارته إلى العصور الوسطى، ليكون له دورًا أساسيًا ومشاركًا فعالًا لبناء المجتمع السويدي بدافع الشعور والإحساس بالانتماء للسويد، كوطن يعيش فيه. ولقد شكل هذا التكامل ما بين المهاجرين والسويديين، نموذجًا إنسانيًا للحضارة البشرية، يحتذى به للتعايش بسلام واستقرار وطمأنينة.