شركة "أوديبريشت" البرازيلية العملاقة

ربما لا يكون من المثير للدهشة تكشف قضايا فساد على صلة بحكومات وشركات كبرى داخل أميركا اللاتينية، وذلك لأنه في بعض الدول أصبحت مثل تلك المشاكل كثيرة ومثيرة للخزي على نحو أصبح معتادًا لدى المواطنين ولم يعد يثير صدمتهم.

ومع ذلك، لم يكن ممكنًا أن تمر قضية تقديم مسؤولين تنفيذيين في شركة "أوديبريشت" البرازيلية العملاقة العاملة في مجال الإنشاءات، رشوة بالملايين إلى مسؤولين في كثير من حكومات المنطقة، مرور الكرام، ويرجع ذلك لأسباب عدة على رأسها أن القضية تتضمن أسماء رؤساء تنفيذيين لشركات كبرى ومسؤولين حكوميين رفيعي المستوى.

ويتمثل سبب آخر في أن القضية الأخيرة تكشف عن أسلوب عمل شركة عملاقة متعددة الجنسيات من المعتقد أنها دفعت نحو 3.5 مليار دولار أميركي رشوة للفوز بعقود إنشاءات ترتبط بمشاريع هندسية كبرى في المنطقة، وداخل البرازيل، حيث يوجد مقر الشركة الرئيسي، وقع واحد من أخطر فصول تلك القضية المدوية، وفي خضم المصاعب الاقتصادية وحالة غياب الاستقرار السياسي التي تعانيها البلاد، تأتي الأنباء المتعلقة بتلك المشكلة على نحو يومي مع استمرار التحقيقات لتزيد الطين بلة.

وكانت المحكمة البرازيلية العليا قد أعلنت فتح تحقيقات مع 98 سياسيًا، بينهم الرئيس الحالي للبلاد، ميشال تامر، و8 من أعضاء حكومته، كما تجري وزارة العدل تحقيقات مع 5 رؤساء سابقين، بينهم الرئيس اليساري السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وثمة مزاعم تدور حول أنه من خلال وسطاء، حصل من "أوديبريشت" على رشوة استغلها في شراء منزل فخم لقضاء العطلات.

من ناحية أخرى، تشهد بيرو وضعًا مماثلًا، ذلك أن جميع الرؤساء السابقين للبلاد بين عامي 2001 و2016 تورطت أسماؤهم في القضية، تبعًا لما ذكره مسؤولون تنفيذيون في "أوديبريشت" بصورة إجمالية، من المحتمل أن يكون مسؤولون في بيرو قد تلقوا رشوة بقيمة 29 مليون دولار أميركي بين عامي 2005 و2014. من ناحيتها، ألغت الحكومة البيروفية الحالية تعاقدًا مع الشركة البرازيلية لبناء خط لنقل الغاز الطبيعي مع استمرار التحقيقات.

وفيما يتعلق بالإكوادور، تم الإعلان عن أنه بين عامي 2007 و2016، تلقى مسؤولون في البلاد أموالًا تفوق قيمتها 35 مليون دولار، وقد ألقي القبض بالفعل على وزير للطاقة سابق على صلة بقضية الرشوة، وليس بعيدًا عن الإكوادور، وإلى الجارة كولومبيا، فقد وقع أحد أسوأ فصول القضية، حيث تلقت الحملة الانتخابية الرئاسية 400 ألف دولار أميركي لشراء مليوني ملصق، تبعًا لما ذكره المدير السابق للحملة، روبرتو بريتو، إلا أن بريتو أكد أن سانتوس لم يكن على دراية بتلك الرشوة التي أودعت سرًا في حسابات مصرفية في بنما، ولم يرد ذكرها في قائمة النفقات.

وتشير ادعاءات إلى أن "أوديبريشت" قدمت أيضًا أموالًا إلى أوسكار إيفان زولواغا المرشح المنافس للرئيس الحالي في كولومبيا، وقد ظن مسؤولون في "أوديبريشت" أن ذلك التكتيك سيلقى نجاحًا من خلال تقديم أموال لحملتي المرشحين الرئاسيين، وبالتالي ضمان دعم الحكومة المقبلة بغض النظر أي المرشحين سيصبح الرئيس.

وامتدت أذرع قضية "أوديبريشت" أيضًا إلى أميركا الوسطى وجمهورية الدومينيكان،  ويواجه مويسيو فونيس، الذي تولى الرئاسة بين عامي 2009 و2014، اتهامات بالحصول على 1.5 مليون دولار، وقد بلغت الأزمة حدًا من الضخامة دفع محققين من الدول المعنية بالاجتماع مع مسؤولين في وزارة العدل البرازيلية للحصول على مواد محورية تسلط الضوء على حقائق القضية المتعلقة في كل دولة، وتساعد في التوصل إلى جميع المتورطين في القضية.

وتعد تلك الفضيحة الأخطر خلال الأعوام الأخيرة على مستوى أميركا اللاتينية، ومن المعتقد أنها ستحتل العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام على امتداد الأشهر المقبلة، ومن بين المعلومات المؤكدة حتى الآن أن الشركة البرازيلية دفعت رشوة لمسؤولين داخل 12 دولة مقابل الفوز بأكثر من مائة مشروع.