صندوق النقد الدولي

يحتاج مناخ الاستثمار في مصر إلى متطلبات كثيرة، هي نفسها تلك التحديات التي تواجهه، وذلك لجذب سيولة أجنبية لطالما سعت إليها الإدارة المصرية على مدار التاريخ الحديث؛ إلا أن البيروقراطية والروتين يقفان عائقًا أمام نهضة اقتصاد القاهرة، التي لجأت مؤخرًا لإجراءات اقتصادية مؤلمة - يتوقع تنفيذها قريبًا - بدلاً من التغلب على عوائق النهضة.
 
وبين تأكيد مصر عدم وجود شروط من صندوق النقد الدولي - الذي يُموّل برامج إصلاح وليس لسد عجز الموازنة - للحصول على قرض يصل إلى 12 مليار دولار، وبين تنفيذ برنامج إصلاح مؤلم في الاقتصاد المصري، يقف المستثمر مقارنًا بين آمال مصر الإصلاحية، وأسواق إقليمية مجاورة تقدم تسهيلات وإجراءات تحفيزية عادة ما ترجح كفة دراسات جدوى المستثمرين الأجانب الذين يسعون لأسواق ناشئة يعوّض فيها معدل الربحية، حجم المخاطر فيها.
 
ودفع نقص الدولار في مصر لفرض قيود رأسمالية أضرت بالتجارة والنمو، وتسبّب في ضعف الجنيه المصري في السوق السوداء حيث سجّل انخفاضا قياسيًا إلى 13 جنيهًا مقابل الدولار.
 
وقال صندوق النقد الدولي مرارًا وتكرارًا، إنه مستعد لمساعدة الحكومة المصرية في برنامج الإصلاح المنشود في البلاد، الذي يتضمن تطبيق ضريبة "القيمة المضافة" للمرة الأولى في مصر بديلا عن ضريبة المبيعات، أو كما تسميها وزارة المال "تعديل ضريبة المبيعات" المتبعة حاليًا، فضلاً عن رفع الدعم تدريجيًا عن السلع المدعمة، وأبرزها مشتقات النفط (البنزين والجاز والغاز)، لكن مصر تجاهلت في البداية نداء الصندوق بالمساعدة، حتى أعلنت الأسبوع الماضي، "قرب انتهاء مفاوضات مع صندوق النقد على تمويل برنامج مدته ثلاث سنوات"، مما يعني أن المفاوضات كانت مستمرة أثناء نفي الحكومة التفاوض مع الصندوق للاقتراض.
 
ويوضح أحمد شمس الدين، رئيس قسم البحوث في المجموعة المالية "هيرميس"، أن "اختيارات مصر (حاليًا) محدودة" مؤكدًا أن: "قرض الصندوق سيؤجل (انفجار) الأزمة" إذا ما مولت الحكومة به عجز الموازنة؛ إذ إن "الإفراط في الاقتراض الخارجي لسد عجز الموازنة سيكون شيئا كارثيا".

وقال شمس لـ"الشرق الأوسط": "قرض صندوق النقد يبدو كالملاذ الأخير، ويجب ألا يستخدم في أنشطة استهلاكية".

وأضاف في تعليقه على الوضع الاقتصادي الحالي في مصر وإجراءات المسؤولين الماليين: "لا يترك الاقتصاد للاقتصاديين فقط" موضحًا أن "نحو 90 مليون مصري يُصدّرون بـ22 مليار دولار، في حين يستوردون بـ60 مليار دولار سنويًا"، مطالبًا بـ"عمليات إنتاجية متنوعة في معظم القطاعات".

ومن التعليقات الرسمية المصرية، وبيانات صندوق النقد، يتضح أن الرؤى متطابقة فيما بينهما، ويمكن القول إن وزراء المال المتعاقبين خلال الفترة الأخيرة، كانوا يأخذون بالرأي الاستشاري من الصندوق في إطار مباحثات "المادة الرابعة" لتطبيق برنامج الإصلاح المطلوب أساسا من الصندوق، الذي يتوافق مع متطلبات القاهرة خلال تلك الفترة الحرجة اقتصاديًا، وهو ما يوضح حجم القرض التي تطلبه مصر من الصندوق البالغ 12 مليار دولار، في حين لم يتخطَ الطلب سابقا 2.1 مليار دولار أثناء حكم المجلس العسكري، بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، وزاد إلى 3.4 مليار دولار أثناء فترة حكم الإخوان المسلمين، ولم يكتمل لا هذا ولا ذاك.
 
وأكدت وزارة المال أمس الأحد "عدم وجود مشروطية على مصر للحصول على موافقة صندوق النقد الدولي على برنامج الحكومة الإصلاحي وتقديم الصندوق قرضًا لتمويل إجراءاته".وشددت الوزارة في بيان اطلعت عليه "الشرق الأوسط" على أن "البرنامج الذي تتم مناقشته مع بعثة الصندوق حاليًا هو برنامج مصري مائة في المائة، وحظي بموافقة مجلس النواب، وهو جزء من (رؤية مصر 2030)"، مشيرة إلى أن "مباحثات بعثة صندوق النقد الدولي بالقاهرة – الموجودة حاليًا وتستمر أسبوعين - لا تخرج عن البرنامج الإصلاحي للحكومة، ومراجعتها الإجراءات التي يتضمنها، والتأكد من فعاليتها، لتحقيق الأهداف المنشودة في السيطرة على عجز الموازنة العامة، وازدياد الدين العام، وتنشيط معدلات النمو، وخلق المزيد من الوظائف للحد من معدلات البطالة والفقر، وزيادة الدخل القومي".
 
وحجم الإصلاحات المنشودة - المؤلمة - في الاقتصاد المصري يتوافق إلى حد ما مع الإصلاحات المنشودة في الدول المجاورة، خصوصا الخليجية، بعد تراجع أسعار النفط، وهو ما قد يجعل من المنطقة ملاذ الأسواق الناشئة للمستثمرين، إذا ما أزالت القاهرة - أكبر سوق استهلاكي في المنطقة - معوقات الاستثمار.

ووصلت بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر أول من أمس من واشنطن، برئاسة كريستوفر جارفيس، مستشار الصندوق للشرق الأوسط وآسيا، في زيارة تستغرق أسبوعين.
 
وعلى مصر التزامات تتراوح بين 7 مليارات و8 مليارات دولار، تعتزم سدادها في السنة المالية الحالية 2016 - 2017 (تبدأ السنة المالية في 1 يوليو/ تموز)، بحسب نائب وزير المال المصري للسياسات النقدية أحمد كوجك.وقال كوجك إن مصر ستحصل على شريحة أولى بقيمة لا تقل عن ملياري دولار من قرض صندوق النقد خلال شهرين، إذا توصلت لاتفاق مع الصندوق، موضحًا: "نقترض من الخارج بفائدة أقل لكي ينزل سعر الفائدة المحلي، وبالتالي، يتراجع التضخم".
 
ويُقدّر العجز المتوقع في الموازنة في مصر بنحو 320 مليار جنيه (36 مليار دولار)، بنسبة 9.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي - المقدر بنحو 3.2 تريليون جنيه (360 مليار دولار) - مقابل حجم مصروفات يقدر بنحو 936 مليار جنيه (105.4 مليار دولار).ويبلغ السعر الرسمي للجنيه في تعاملات ما بين البنوك 8.78 جنيه، بينما يباع للأفراد في البنوك بـ8.88 جنيه، ويسمح البنك رسميًا لمكاتب الصرافة ببيع الدولار بفارق 15 قرشًا فوق أو دون سعر البيع الرسمي، لكن من المعروف أن مكاتب الصرافة تطلب سعرًا أعلى للدولار عندما يكون شحيحًا.