القاهرة - سهام أحمد
كشفت تقارير اقتصادية، أن إيرادات داعش تتراوح ما بين مليار وخمسة ملايين دولار يوميًا، لتغطي نفقاتها اليومية على الأسلحة ورواتب المقاتلين والعاملين في صفوف التنظيم، وراكم التنظيم قوته الاقتصادية والعسكرية على مدار سنوات دون عوائق تذكر، وكان أهم مصادره الإتجار بالأسلحة، والفدى التي جناها من عمليات الاختطاف، إلى جانب تكرير النفط وبيعه، وتهريب القطع الأثرية الثمينة، وفرض الضرائب على الأعمال التجارية في المناطق التي يحتلها واستيفاء الرسوم على نقاط التفتيش.
ورسخ التنظيم جهدًا واعيًا ليستقل ماليًا، فهو لا يثق بأحد ولا يعتمد على أحد، وإنما يريد الوصول إلى الاكتفاء الذاتي التام. ويشكل النفط ركيزة أساسية في موارد داعش الاقتصادية، وقد خاضت المجموعة لأجله معارك طاحنة مع النظام السوري والمجموعات الجهادية الأخرى في سورية كجبهة النصرة, لتسيطر في نهاية المطاف على ما يعادل 60 % من حقول النفط في سورية، فضلًا عن الكثير من أصول إنتاج النفط العراقية على الجهة الأخرى من الحدود.
وذكر الخبير الاقتصادي محمد عزبي، أن الاقتصاد الداعشي يرجع إلى تنامي نفوذ وسيطرة داعش إلى عامل اقتصادي مهم، متمثل في تعدد مصادر تمويله التقليدية والمعروفة، بالاستيلاء على الموارد الطبيعية وتحديدًا النفط، والاستفادة من عوائدها الضخمة لتمويل عملياته المتطرفة.
وتابع عزبي أن الاقتصاد الليبي الذي يبلغ حجمه وفقًا لإحصاءات 2010 80 مليار دولار يعتمد على صادرات النفط بشكل شبه كامل إلا أن الفوضى التي ضربت ليبيا أخيرًا تؤخر تطوير قطاع النفط والاستفادة منه، إذ اعتاد داعش في سورية والعراق على بيع ما يسيطر عليه من نفط عبر وسطاء في السوق السوداء واليوم يسعى إلى تكرار تجربته في ليبيا أغنى الدول الأفريقية في مخزون النفط والغاز. وأكد أنه من خلال التقارير والدراسات التي اطلعت عليها أخبار الآن، تم حصر مصادر تمويل داعش في ليبيا من عوائد اختطاف المواطنين الأجانب، ومساومة ذويهم ودولهم على الإفراج عنهم مقابل ملايين الدولارات كفدية. وذكرت بعض التقارير الصحافية أن عوائد هذه الطريقة بلغت أكثر من 25 مليون دولار سنويًّا، ونهب الموارد والسلع من الأماكن التي يسيطر عليها مثل المستشفيات، ومراكز التسوق، ومطاعم، ومرافق الكهرباء والمياه في هذه المناطق، وهي المرافق التي توفر لها عوائد تُقدر بالملايين كل شهر، إضافة إلى عوائد تهريب الأسلحة، والآثار والإتجار في البشر؛ إذ أكدت تقارير دولية أنَّ داعش يستغل بالفعل الفوضى في ليبيا ويعمل في مجال تهريب البشر وتهريب المهاجرين، إذ أن الشخص الراغب في عبور البحر المتوسط يضطر لدفع مبلغ مالي لداعش يعادل الـ1000 دولار.
وأوضح أن آثار ليبيا لم تسلم من ممارسات داعش الإجرامية لتكون واحدة من مصادر تمويله، إذ رصدت تقارير صحافية أميركية في مارس أبريل/ نيسان 2015 تنقيب داعش في ليبيا بمحاذاة ساحل المتوسط في محيط درنة وسرت قرب المناطق التاريخية مثل منطقة "لبتس مغنا" من أجل الحصول على الآثار وبيعها. كما أن داعش يتبع أسلوب ابتزاز الفلاحين والموظفين في ليبيا و يجبر غير المسلمين على دفع الجزية، بصورة أدت إلى تهجير الآلاف منهم.
وأبرز الخبير الاقتصادي، أن ليبيا كنز اقتصادي ينعش خزينة داعش...وهي تمثل تحولًا نوعيًا للتنظيم وقادته وتعد نقطة انتقال جغرافية بالغة الأهمية.. .فبأراضيها الشاسعة تغري التنظيم بالتأسيس لنفسه من دون معاناة أو ضغوط عسكرية كبيرة، خصوصًا أن جزءًا كبيرًا من الأراضي الليبية تسيطر عليه بالفعل ميلشيات متطرفة تشاطر التنظيم قدرًا كبيرًا من أفكاره وتطلعاته.
وأضاف الباحث في الشؤون الإسلامية صبري القاسمي، أن اقتصاد داعش غير مرئي وغير معلوم وغير خاضع لأي جهاز محاسبي ويفتقد الشفافية فهو في الأساس يقوم على عدد من العناصر صعبة التقدير.
وذكر أنه علي سبيل المثال لا يوجد حصر لكميات البترول وأسعارها وكميات الأسلحة والمعدات التي تقع تحت أيدي أفراد التنظيم خلال العمليات العسكرية وأيضًا تبرعات الأعضاء في التنظيم والأموال المستحلة والأراضي والعقارات والمنقولات حصيلة المعارك كلها في مجملها تشكل اقتصادًا لا أحد يستطيع حصره في المقابل قلة الخدمات والمصروفات المقدمة من التنظيم لعناصره.
وأفاد صبري القاسمي، بأن داعش منظمة اقتصاديًا في فترة ذهبية، فبعد أن شهدنا كيف تحول في فترة قصيرة من فصيل تعيش أفراده على الكفاف في صحراء الأنبار، إلى تنظيم يسيطر على مساحات جغرافية واسعة تتوافر فيها الكثير من الثروات والموارد الاقتصادية، منتقلا بذلك من مرحلة الاعتماد على تبرعات الداعمين الخارجين، إلى طموحه وإغراء أفراده ومناصريه للوصول إلى روما. ومع إعلان داعش قيام دولة الخلافة الإسلامية في صيف 2014، بدأ التنظيم يقوم بمهام الدولة الرسمية، وكان أولها تحصيل وجباية الضرائب، وفرض الغرامات دون أن يتحمل أعباء الدولة من حيث تأمين فرص عمل أو تقديم خدمات صحية أو بناء مستشفيات، أو تعليم، أو تعبيد طرق وتشييد جسور
وأشار الباحث في الشؤون الإسلامية، إلى أن بداية 2014 بدأت الأزمات الاقتصادية على جميع الدول العربية وأصبح الاقتصاد يسير في أنفاق الأزمات. وأعلنت داعش العراق في 4 يناير/كانون الثاني 2015 من موازنة متكاملة بقيمة ملياري دولار وفائض 250 مليون دولار، سيستخدمه في تحسين أدائه العسكري.
ويفيد ذلك أن رصيد داعش قيمته 500 مليون دولار من الذهب لسك عملته الجديدة، إضافة إلى 100 مليون دولار أخرى لمسكوكات الفضة والنحاس ونفقات تصنيع العملة الجديدة وتغطية حاجة المناطق التي يحتلها.
واعتقدت شعوب العالم، أنّ داعش يعتبر أقوى تنظيم متطرف شهده العالم في القرن العشرين، وقد تسنى ذلك له بفضل التغاظي الدولي عن نشوء التنظيم، ونتيجة للتطرف المضاد الممثل بالنظام السوري ذو الطابع العلوي، والمليشيات الشيعية في العراق، إضافة للمجموعات المتطرفة القومية كالأكراد مثالًا في سورية والعراق، والذي دفع الكثير من الشباب السنة للدفاع عن وجودهم بالانضمام إلى التنظيم، إضافة إلى غنى المنطقة الواقعة تحت سيطرته بالموارد الباطنية والزراعية، فضلًا عن اتباع داعش أفضل أساليب الكسب التي تتبعها العصابات الإجرامية باختلاف أشكالها، كالتهريب والإتاوات تحت مسمى "الزكاة".