لندن ـ ماريا طبراني
بقي أقل من ثلاثة أشهر على استفتاء بريطانيا المُقرر في 23 حزيران/يونيو، والسياسة الداخلية تُركّز على ما إذا كان البقاء في الاتحاد الأوروبي، أم المغادرة هو الأمر المناسب بالنسبة إلى بريطانيا. وبالنسبة إلى بقية العالم، السؤال الأكبر هو ماذا سيكون أثر خروج بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، الحسابات الدقيقة مستحيلة. خروج بريطانيا ربما يلحق الضرر في اقتصاد الاتحاد الأوروبي، لكن الضرر الحقيقي سيكون سياسياً.
فنحو مليوني وظيفة في منطقة اليورو، المكونة من 19 دولة، تعتمد على التجارة مع بريطانيا؛ لذلك صادرات منطقة اليورو إلى المملكة المتحدة ستعاني صدمة، إذا - كما تتوقع أسواق الصرف الأجنبي - انخفض الاسترليني بشكل حاد بعد نتيجة مؤيدة لخروج بريطانيا. هناك مصدر قلق آخر يتعلق بالشركات الأوروبية التي تستخدم عملياتها في المملكة المتحدة للبيع إلى العالم. ستواجه هذه الشركات حواجز جمركية في الأسواق غير الأوروبية، إذا فشلت بريطانيا، بعد الخروج، في الحفاظ على اتفاقيات التجارة الحرة القائمة في الاتحاد الأوروبي مع بقية العالم.
سيؤدي خروج بريطانيا إلى إغراق التجارة والاستثمار بين البريطانيين وجيرانهم الأوروبيين في حالة من عدم اليقين، خصوصا إذا فشلت جهود لإقامة علاقة جديدة. وقد تكون الحال كذلك تمامًا، في حال استقال ديفيد كاميرون من منصب رئيس الوزراء، واستقال جورج أوزبورن نتيجة أخطائه في منصب وزير المال وتولت الحكم حكومة مُحافظة مناهضة أكثر للاتحاد الأوروبي.
ومع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون على ألمانيا وفرنسا وغيرهما من بقية المساهمين في ميزانية التكتل المكون من 28 دولة، دفع مبالغ أكبر بكثير مما يفعلون اليوم. من الناحية المثالية، النظام التجاري الجديد بين البريطانيين والاتحاد الأوروبي سيكون خاليا تماماً من الحواجز الجمركية وغير الجمركية التي تلحِق الضرر بالشركات على كلا الجانبين. لكن الخلافات السياسية قد تجعل هذا الهدف بعيد المنال.
لقد كانت بريطانيا أثناء مشاركتها في الاتحاد الأوروبي وسلفه، المجموعة الاقتصادية الأوروبية، المستمرة على مدى 43 عاماً، بمثابة صوت ثابت للسياسات الاقتصادية الليبرالية. لقد كانت القوة الدافعة وراء السوق الموحّدة التي تأسست في عام 1993، وهي داعم قوي لتوسيع نطاقها إلى قطاع الخدمات. وإذا أخرجنا البريطانيين من الصورة، فإن التوازن الداخلي في الاتحاد الأوروبي سيميل نحو معسكر حمائي مركزي تمثّله فرنسا والدول التي تُفكر بالطريقة نفسها. غياب بريطانيا لن يُساعد احتمالات التوصّل إلى اتفاق تجارة حرة بعيد المدى بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
في الوقت الذي ستكون فيه فرنسا مشغولة بالإرهاب المحلي والركود الاقتصادي والشعبوية اليمينية، فإن خروج بريطانيا يُعزّز تفوّق ألمانيا السياسي والاقتصادي في الاتحاد الأوروبي. وهذا ليس بالضرورة أن يكون موضع ترحيب في برلين، لأن قيادة أوروبا هي دور لا تزال ألمانيا منذ إعادة توحيدها في عام 1990 تعمل للتكيّف معه. وعلى الرغم من خيبة أملها بسبب مواقف البريطانيين غير المتحمسين للتكامل الأوروبي، إلا أن ألمانيا - مثل هولندا والسويد وغيرهما - تُفضّل الاتحاد الأوروبي مع توازن سياسي توفّره بريطانيا.
وخروج بريطانيا من شأنه أن يُثبت، للمرة الأولى في حقبة ما بعد عام 1945، أن تكامل الاتحاد الأوروبي يُمكن أن يذهب في الاتجاه المُعاكس، فضلاً عن التقدّم إلى الأمام. فهو يدعم القوى المناهضة للمؤسسة والمناهضة للاتحاد الأوروبي في أنحاء القارة كافة. وفي بعض الأماكن ضغوطات القوميين من شأنها أن تتحوّل إلى المطالبة بامتيازات مماثلة لتلك التي حصل عليها كاميرون في مفاوضاته على شروط العضوية. ففي النهاية، أثبت أن الشكوى الأكثر صخباً تحصل على أكبر قدر من الاهتمام.
ووفقاً إلى أحد استطلاعات الرأي الأخيرة، 53 في المائة من الناخبين الفرنسيين يُريدون إجراء استفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي، أي شخص يفترض أن فرنسا، باعتبارها إحدى الدول الأعضاء المؤسِسة للاتحاد الأوروبي، ستصوّت للبقاء ينبغي أن يتذكر أن الفرنسيين أسقطوا المعاهدة الدستورية المُقترحة للاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2005.
ومن خلال إعادة إثارة مطالب الاستقلال في اسكتلندا، حيث الأغلبية ربما ستكون حريصة على البقاء في الاتحاد الأوروبي في حال صوّتت أغلبية إنجليزية لإخراج بريطانيا، فإن الخروج من شأنه تأجيج نيران الانفصال في دول أخرى، خصوصا في كاتالونيا في إسبانيا. ومن شأنه أيضاً المخاطرة بزعزعة الاستقرار الذي ساد في إيرلندا الشمالية منذ عام 1998، من خلال وضع حواجز الشمال الذي يحكمه البريطانيون والجمهورية، وإحياء مشروع القومية المتطرفة لتوحيد الإيرلنديين، كل هذه المخاطر ستنشأ في الوقت الذي يكون فيه الاتحاد الأوروبي مشغولا أصلا بأزمة اللاجئين، وضعف النمو الاقتصادي، ومعدل البطالة المرتفع، ومشكلة عضوية اليونان في منطقة اليورو، والتوترات في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا.
مع ذلك، من الممكن إقامة حجة تفيد بأن خروج بريطانيا من شأنه تمثيل فرصة، وليس تهديدا، بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. في هذا السيناريو، مغادرة بريطانيا تُلهم حكومات منطقة اليورو الشجاعة لإحداث نقلة كبيرة نحو اتحاد مالي واقتصادي وسياسي أوثق. بعض السياسيين الأوروبيين - يخطر على بالي ميشيل روكار، رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق - سيُرحبون بخروج بريطانيا. فهم ينظرون إلى بريطانيا باعتبارها بلدا يحاول، من اليوم الذي انضم فيه إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية في عام 1973، وقف التكامل الأوروبي.
الخلل في هذه النظرية هو أن من غير الواضح بأي شكل من الأشكال أن الحكومات والرأي العام في منطقة اليورو لديها الشهية لخطوات جريئة من هذا القبيل، كذلك هناك سؤال غريب لا يزال عالقا، يتعلق بأي البلدان التي ينبغي إدراجها والتي ينبغي استثناؤها من التكامل الأعمق. وقد تبين أن الجواب المقدم بخصوص مشروع اليورو - أي تشجيع الجميع على الانضمام وتطبيق قابلية الانضمام بشكل غير صارم - هو جواب طائش وخاطئ، أما بالنسبة إلى بريطانيا، فبعد وقوع حربين عالميتين، والحرب الباردة، والمناخ الدولي الحالي المليء بعوامل التوتر، فقد تبين أن مصالحها الوطنية مرتبطة بالسلام والرخاء والديمقراطية والاستقرار في أوروبا القارية. ينتج من هذا أنه إذا كان خروج بريطانيا سيئا بالنسبة إلى أوروبا، فمما لا شك فيه أنه فكرة سيئة بالنسبة إلى بريطانيا كذلك.