فشل خطط قادة الأمم المتحدة لمكافحة الفقر

اجتمع قادة العالم في الأمم المتحدة مطلع الألفية، لوضع رؤية عامة لمكافحة الفقر، تُرجمت ثمانية أهداف بقيت إطارًا إنمائيًا شاملاً للعالم خلال الأعوام الـ15 الماضية، ومع بلوغ العالم نهاية فترة الأهداف الإنمائية، يجد المجتمع العالمي أسبابًا كافية كي يحتفل، باستثناء منطقة واحدة حققت إنجازات هائلة، ثم ما لبثت أن وقعت في فخ الحروب والصراعات وطوفان اللاجئين، ما وضع إنجازاتها على المحك، وهي منطقة غرب آسيا، حيث العدد الأكبر من الدول العربية الواقعة في براثن الصراعات والحروب وموجات اللجوء، ما كاد يمحو آثار الإنجازات التي كانت تحققت على أصعدة مكافحة الفقر ودفع التنمية المستدامة.

وأظهر "التقرير النهائي لأهداف الألفية 2015"، الذي يصدر رسميًا الثلاثاء في القاهرة، أن منطقة غرب آسيا، أي البحرين والكويت وعُمان وقطر والسعودية والإمارات والعراق والأردن ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة وسورية، نجحت في خفض معدلات الفقر إلى النصف قبل الوقت المحدد، إذ تراجعت نسبة من يعيشون على أقل من 1.25 دولار يوميا من 5.3 في المائة عام 1990 إلى 1.5 في المائة عام 2011، ولكن يُتوقع أن تكون نسبة الفقر المدقع تفاقمت بين عامي 2011 و2015 من 1.5 إلى 2.6 في المائة.

ويبقى هدف تقليص نسب الجوع بعيد المنال في منطقة غرب آسيا، بل إنها المنطقة الوحيدة التي تشهد ارتفاعًا في انتشار سوء التغذية بين عامي 2014 و2016 مقارنة بعامي 1990 و1992، بسبب تمدد الصراعات، وعلى رغم التقدم الكبير المحقق في هذه الدول على صعيد معدل وفيات الأطفال وصحة الأمهات، حيث حققت هدف خفض نسبة وفيات الأطفال دون سن الخامسة بنحو الثلثين، إلا أن الصراعات تهدد هذا الإنجاز بالانتكاس، شأنه شأن التقدم المحرز في الخدمات المحسنة لمياه الشرب الآمنة والصرف الصحي والتي ضاعفت المساحات المؤمنة بمياه الشرب أربعة أضعاف من 3.7 في المائة عام 1990 إلى 15.4 في المائة في 2014.

وتدخل الدول العربية في منطقة غرب آسيا دائرة خطر أخرى، ولكن هذه المرة من بوابة الالتحاق بالتعليم الابتدائي وتحقيق المساواة بين الجنسين في كل مراحل التعليم. وصحيح أن نسبة الالتحاق بالتعليم الابتدائي ارتفعت من 86 في المائة عام 2000 إلى 95 في المائة في 2015، وزادت أعداد الفتيات الملتحقات بالمدارس مقارنة بالأعوام الـ15 الماضية، لتصبح غرب آسيا المنطقة النامية الوحيدة التي حققت هدف المساواة في هذا الشأن، إلا أن الصراع في سورية ألقى بظلال وخيمة على تعليم الأطفال، وأظهرت بيانات وزارة "التعليم" السورية انخفاض نسب الالتحاق بالمدارس بنحو 34 في المائة في كل أعوام التعليم المدرسي الـ12.

ومن الدول العربية في غرب آسيا إلى الدول العربية في إفريقيا، أي الجزائر ومصر وليبيا والمغرب والسودان وجنوب السودان وتونس والصحراء الغربية، حيث أشار التقرير إلى تحقيق هدف خفض معدلات الفقر المدقع إلى النصف، وتراجع عدد الأطفال الذين يعانون سوء التغذية بمقدار النصف أيضا، وتتوالى قائمة الإنجازات، إذ اقتربت نسبة الالتحاق بالتعليم الابتدائي من 100 في المائة، وارتفعت نسبة التعلم بين الشباب من 67 إلى 91 في المائة، ونسبة التحاق الفتيات بالتعليم الابتدائي من 82 فتاة لكل مئة شاب عام 1990 إلى 96 فتاة عام 2015، وتسير نساء في شمال إفريقيا بخطى ثابتة في اتجاه المشاركة السياسية، على رغم بقاء الهوة كبيرة بين الجنسين في نسب التشغيل.

يذكر أن المنطقة العربية كانت حققت تقدماً في الكثير من الأهداف الإنمائية للألفية، لاسيما الصحة والتعليم. وقبل اندلاع الصراعات كان معظم الانتكاسات بسبب سوء الأداء الاقتصادي نسبياً في التسعينات وأوائل العقد الأول من القرن الحالي، وعدم كفاية تمويل السياسات الاجتماعية، ولكن مع تصاعد حدة الصراعات والتوترات السياسية حدثت انتكاسات إنمائية متتالية، ربما لم تظهر آثارها الكاملة بعد، وحتى الأمس القريب، كانت التفاوتات الحادة بين الدول، لاسيما بين دول مجلس التعاون الخليجي المرتفعة الدخل والدول الأقل نمواً هي السمة السلبية الأبرز.

واعتُبِرت الدول العربية الأقل نمواً، والتي كانت تعاني وحدها من الصراعات، إضافة إلى العراق والأراضي الفلسطينية المحتلة، متأخرة كثيراً في بلوغ أهداف الألفية. واعتبرت منظمة الأمم المتحدة السنوات الـ15 الماضية من العمل الأممي من أجل تحقيق أهداف الألفية، "أنجح حركة في تاريخ مكافحة الفقر"، وذكر أمينها العام بان كي مون "نعرف الآن أنه يمكن القضاء على الفقر المدقع في غضون جيل آخر"، ولكن على رغم الإنجازات، جاء التقدم متبايناً وتخلف عن الركب ملايين البشر بسبب الجنس أو العمر أو العجز أو الإثنية أو الموقع الجغرافي، وعلى رغم الجوع وسوء التغذية وعدم المساواة وعدم كفاية التنمية المستدامة، تبقى الصراعات والنزاعات التهديد الأكبر الذي تواجهه التنمية البشرية، ولنا في الدول العربية عبرة.