اثار الحصار على غزة

أكَّد تقرير اقتصادي أعدهّ مدير العلاقات العامة والإعلام في غرفة تجارة وصناعة قطاع غزة ماهر الطباع، أن العام 2015 كان الأسوأ اقتصاديًّا على قطاع غزة، نتيجة الحصار والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، فيما أعلن التقرير أنه مع نهاية عام 2015 ما زال قطاع غزة يعاني من سياسة الحصار التي تفرضها إسرائيل للعام التاسع على التوالي، إضافة إلى الاعتداءات والهجمات العسكرية، وجميعها عمقت من الأزمة الاقتصادية نتيجة للدمار الهائل التي خلفته للبنية التحتية وجميع القطاعات والأنشطة الاقتصادية.

وحذَّر التقرير الذي تناول الحصاد الاقتصادي للقطاع خلال العام الجاري، من أن كل المؤشرات تؤكد أن قطاع غزة حاليًّا ليس على حافة الانهيار بل يدخل مرحلة ما بعد الموت السريري، حيث أصبح نموذجا لأكبر سجن في العالم بلا إعمار ومعابر وماء وكهرباء وعمل، وكذلك دون دواء وحياة وتنمية، منبهًا من أن كل ذلك الخناق والتضييق على قطاع غزة سيؤدي الى الانفجار.

وشدّد على أن التأخر في عملية إعادة الإعمار، أدى إلى تداعيات خطيرة على الاوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، حيث حذرت العديد من المؤسسات الدولية من تداعيات إبقاء الحصار المفروض وتأخر عملية إعادة الاعمار على جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية.

ووفقًا للتقرير، فإن عام 2015 شهد ارتفاعًا في معدلات البطالة، مستندًا في ذلك الى إحصاءات مركز الإحصاء الفلسطيني، التي أعلنت أن نسبة البطالة بلغت 42.7% في الربع الثالث من عام 2015 وتجاوز عدد العاطلين عن العمل ما يزيد على 200 ألف شخص، وبحسب البنك الدولي فإن معدلات البطالة في القطاع تعتبر الأعلى عالميًّا, وارتفعت معدلات البطالة بين فئة الشباب والخريجين في قطاع غزة لتتجاوز 60%.

وأشار التقرير إلى ارتفاع معدلات الفقر والفقر المدقع لتتجاوز 65%، بينما تجاوز عدد الأشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، والمؤسسات الإغاثية الدولية أكثر من مليون شخص بنسبة تصل إلى 60% من سكان قطاع غزة.

ولفت إلى نسبة انعدام الأمن الغذائي تجاوزت 72% لدى الأسر، وبحسب آخر إحصائية صادرة عن مركز الإحصاء الفلسطيني للفقر في فلسطين في منتصف عام 2012، أي قبل تعرض قطاع غزة لحربي 2012 و2014، فإن 38.8% من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر الوطني في فلسطين، والذي يبلغ 2293 شيكلا، و21.1% يعيشون تحت خط الفقر المدقع والذي يبلغ 1832 شيكلا.

وأوضح التقرير أن عام 2015 شهد أيضًا مزيدًا من الانكماش في الناتج المحلى الإجمالي لقطاع غزة، معتبرا هذا الانكماش الأسوأ منذ عدة سنوات، ومنوها الى أنه بحسب مركز الإحصاء شهد الربع الثاني من العام نفسه تراجعًا بالناتج المحلى الإجمالي بنسبة 1.5% مقارنة مع الربع الثاني من 2014، وتراجعا بنسبة 8.2% مقارنة مع الربع الرابع من العام الماضي. كما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة بنسية 4.8% مقارنة مع الربع الثاني من عام 2014، وبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 261.2 دولار أميركي خلال الربع الثاني من 2015.

وحسب التقرير، شهدت السنوات الثلاث الأخيرة نسبة انخفاض في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تجاوزت 17%، حيث بلغ نصيب الفرد منه عام 2012 حوالى 1159 دولارا، وانخفض في 2014 إلى 971 دولارا، متوقعا أن يشهد مزيدًا من الانخفاض مع الإعلان عن نتائج عام 2015، وبحسب البنك الدولي فإن دخل الفرد في قطاع غزة انخفض في الوقت الحالي بنسبة 31% عما كان علية قبل 20 عاما.

وتطرّق التقرير الى عملية إعادة الإعمار، قائلاً: "حتى هذه اللحظة وبعد مرور ما يقارب من عام ونصف العام على وقف إطلاق النار لم تبدأ عملية إعادة اعمار حقيقية، وأن ما تم تنفيذه خلال تلك الفترة يندرج تحت بند المشاريع الإغاثية وإصلاح الأضرار الجزئية والبالغة لمعظم المنازل التي تضررت بالحرب الأخيرة".

واستشهد التقرير في ذلك الموضوع الى تصريحات لمؤسسة أوكسفام البريطانية، التي قالت: "إن عملية إعادة الإعمار سوف تستغرق مائة عام في حال لم يرفع الحصار عن قطاع غزة، واستمرار إدخال مواد البناء وفق الآلية الدولية المعمول بها حاليًّا، والتي ثبت فشلها في التطبيق على أرض الواقع، حيث أن ما دخل من مادة الاسمنت للقطاع الخاص لإعادة الاعمار خلال عام ونصف لا يتجاوز 400 ألف طن، وهذه الكمية تساوي احتياج قطاع غزة من الإسمنت لشهرين فقط.

وفيما يتعلق بعمل المعابر في قطاع غزة، أكّد أن عام 2015 لم يشهد أي تغيّر في واقع المعابر، فجميعها مغلق باستثناء معبر كرم أبو سالم، وهو الوحيد الذي يعمل حتى اللحظة وفق الآلية السابقة لما قبل الحرب الأخيرة، فلم يتغير أي شيء على آلية عمل المعبر من حيث ساعات العمل، وعدد الشاحنات الواردة، ونوع وكمية البضائع الواردة، مبينًا أن الزيادة التي حدثت في عدد الشاحنات الواردة نابعة من زيادة عدد الشاحنات الواردة للمساعدات، ودخول مواد البناء للمشاريع الدولية والمشاريع القطرية العاملة في قطاع غزة، وكميات مقننة من مواد البناء للقطاع الخاص لإعادة إعمار قطاع غزة.

وأكّد أن إسرائيل ما زالت تمنع دخول العديد من السلع والبضائع والمواد الخام والمعدات والآليات والماكينات، وعلى رأسها مواد البناء والتي تدخل فقط وبكميات مقننة وفق خطة روبرت سيري لإدخال مواد البناء (الاسمنت – الحصمة – الحديد – البيسكورس).

ومن خلال رصد حركة الشاحنات الواردة عبر معبر كرم أبو سالم وأيام الاغلاق خلال عام 2015، فقد بلغ عدد أيام إغلاق المعبر وفقا للتقرير، 133 يومًا، وهو ما يمثل 36% من عدد أيام العام.

وبلَغَ عدد الشاحنات الواردة إلى قطاع غزة 93123 شاحنة خلال عام 2015، مقارنة بـ53153 شاحنة واردة في عام 2014 و55833 شاحنة في عام 2013 و57441 شاحنة في 2012 من مختلف الأصناف المسموح بدخولها إلى القطاع، وبلغت نسبة الارتفاع في عدد لشاحنات الواردة 43% خلال 2015، وبلغ متوسط عدد الشاحنات اليومية الواردة 255 شاحنة خلال العام الجاري.

وعلى صعيد خروج البضائع من قطاع غزة، فقد بلغ عدد الشاحنات الصادرة 1269 شاحنة إلى أسواق الضفة الغربية والأسواق الإسرائيلية والخارج، وهو يمثل 25% من عدد الشاحنات الصادرة قبل فرض الحصار.

وعن التوقعات الاقتصادية لعام 2016، رسم التقرير سيناريو متشائمًا يستند الى فرضية أن الوضع السياسي والاقتصادي سيتدهور خلال العام المقبل، وفقًا للمؤشرات الحالية الداخلية والخارجية.

وحذَّر من أن استمرار وبقاء الحصار المفروض على قطاع غزة منذ تسع سنوات، والتباطؤ في عملية إعادة الإعمار سوف يؤديان إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية، وسوف تزداد الأوضاع الاقتصادية سوءا العام المقبل، ما سيؤدي إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة والفقر وانخفاض في معدلات النمو الاقتصادي، وقيمة الناتج المحلي الإجمالي، وأيضًا انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض إجمالي الاستهلاك والاستثمارات الخاصة والعامة.

ورسم التقرير سيناريو متفائلا يستند إلى افتراض تحسن الوضع الاقتصادي والسياسي في فلسطين، وإلى تطبيق المصالحة الوطنية على أرض الواقع، وإنهاء أثار الانقسام، وتفعيل دور حكومة الوفاق الوطني في قطاع غزة، وإنهاء الحصار، وفتح جميع المعابر التجارية، وإدخال كل حاجات غزة من السلع والبضائع والآليات والمعدات دون قيود أو شروط أو رقابة، وعلى رأسها مواد البناء، والسماح بتسويق وتصدير منتجات القطاع الصناعية والزراعية لأسواق الضفة الغربية والعالم الخارجي دون قيود أو شروط، والبدء في عملية إعادة إعمار حقيقة، فإن ذلك سوف يوفر فرص عمل لعشرات الآلاف من العمال العاطلين، وحل الأزمات التي يعاني منها القطاع، ومن أبرزها استمرار انقطاع الكهرباء وشح المياه.