غزة– محمد حبيب
يواصل الاقتصاد الغزّي الانهيار مع انتهاء العام 2015، من دون أيّة مؤشرات للنهوض بالواقع الاقتصادي الذي اشتدت معاناته منذ العام 2007.
وحذر تقرير اقتصادي من التداعيات الخطيرة لتأخر عملية إعمار قطاع غزة، وما تبعه من انعدام للأمن الغذائي واستمرار الأوضاع الاقتصادية المتدهورة نتيجة انهيار المنظومة الاقتصادية، بأوضاع كارثية لم يشهدها القطاع منذ العام 1967.
وأكد اقتصاديون أن اقتصاد غزة خلال العام الجاري هو الأسوأ منذ عقود، متوقعين مزيدًا من الانهيار خلال الفترة المقبلة، وأن حالة الحصار الاقتصادي المفروض على القطاع، جعلت اقتصاد غزة "هشًا" يعتمد على المعونات بصورة كبيرة، ما زاد من حالة الخراب التي يعاني منها.
وأوضح الدكتور معين رجب أن الوضع الاقتصادي في غزة هو الأسوأ اقتصاديًّا خلال العام الجاري، وأن النصف الأول من العام الجاري أصعب من النصف الثاني، لاسيما أن حركة الإعمار الجزئي التي انطلقت في النصف الثاني من العام الجاري حرّكت الاقتصاد قليلاً ولكن ليست بالمستويات المطلوبة.
وقال إن الوضع الاقتصادي يستمر في التدهور دون أي إنقاذ، وأن الحل الوحيد لنهوض بالاقتصاد هو رفع الحصار عن قطاع غزة.
ومرّ القطاع بعدة مراحل متغيرة من الاقتصاد، كان أبرزها مرحلة ما بعد اتفاق "أوسلو" العام 1994، ومرحلة ما بعد الانتفاضة الثانية العام 2000، وأخيرًا مرحلة ما بعد العام 2007 المتمثلة في الانقسام الداخلي وفرض الاحتلال الحصار، وليس انتهاءً بـ3 حروب الأعوام "2008، و2012، و2014".
وأصدرت سلطة النقد الفلسطينية تقرير التطورات الاقتصادية للربع الثاني 2015، الذي يستعرض آخر المستجدات والتطورات الاقتصادية على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي، مؤكدًا أن معظم القطاعات الاقتصادية في القطاع تحسنت بشكل تدريجي بعد الحرب الإسرائيلية، إلا أن ظلال العدوان لا تزال تخيم على أداء الاقتصاد الغزي.
وبقي مستوى نشاط الاقتصاد خلال الربع الثاني 2015 من دون ذلك المستوى المتحقق في الربع المناظر من العام السابق بنحو 1.5%، وفق التقرير، وأن معدلات البطالة لم تشهد أي تغيّر يذكر في القطاع، حيث استقرت عند 41.5%، مقارنةً مع 41.6% في الربع السابق.
وتشهد غزة مزيدًا من الضغوط التضخمية نتيجة عودة النشاط التدريجي، لتنمو الأسعار بنحو 4%، أما القطاع المصرفي، فلم يظهر أي تأثرٍ يذكر بالتطورات الطارئة على الاقتصاد الفلسطيني، إذ أن نمو موجودات المصارف ما زال متباطأً إلى نحو 3.3% على أساس سنوي، مقارنة مع 4.1% في الربع السابق.
من جهته، أوضح الخبير والمحلل الاقتصادي، ومدير العلاقات العامة والإعلام في غرفة تجارة وصناعة محافظة غزة، ماهر تيسير الطباع، أنه حتى هذه اللحظة، وبعد مرور أكثر من عام على انتهاء الحرب الثالثة على قطاع غزة, أي ما يقرب من 15 شهرًا, لم تبدأ عملية إعادة الإعمار الحقيقية والجدية.
وعزا ذلك إلى استمرار الحصار الإسرائيلي على غزة ومنع دخول الكثير من مستلزمات إعادة الإعمار والسلع والبضائع والمواد الخام والمعدات والآليات والماكينات, وإغلاق المعابر واستمرار إدخال مواد البناء وفق الآلية الدولية العقيمة المعمول بها حاليًا.
وبيّن أن هذه الآلية ثبت فشلها في التطبيق على أرض الواقع, حيث أن ما تم إدخاله من مادة الإسمنت للقطاع الخاص لإعادة إعمار القطاع منذ منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر العام 2014 حتى تاريخه لا يتجاوز 234 ألف طن تقريبًا، وأنه تم توزيع تلك الكميات على أصحاب المنازل المتضررة جزئيًا وفق آلية الكوبونة المدفوعة الثمن, وهذه الكمية لا تكفي حاجات غزة لمدة 30 يومًا من مادة الإسمنت؛ لأن قطاع غزة يحتاج يوميًّا إلى 10 آلاف طن من مادة الإسمنت فقط.
وقال الطباع إنه طرأ ارتفاع على كميات الإسمنت الواردة للقطاع الخاص في الأشهر الأخيرة، نتيجة لسماح الجانب الإسرائيلي بإدخال الإسمنت لغير المتضررين من أصحاب المنازل والمشاريع الاستثمارية وزيادة عدد الموزعين المعتمدين.
واستدرك بقوله: لكن وفق آلية إدخال مواد البناء الدولية المعمول بها, ساهمت تلك الكميات في انخفاض أسعار الإسمنت في السوق السوداء, وأحدثت انتعاشًا إلى حد ما في قطاع الإنشاءات، وحال استمرار إدخال الإسمنت بهذه الوتيرة المرتفعة سيساهم ذلك في عودة قطاع الإنشاءات للحياة مرة أخرى، وبالتالي المساهمة في انخفاض معدلات البطالة المرتفعة في قطاع غزة والتي تعتبر الأعلى عالميًّا.
وأضاف الطباع أنه على صعيد المعابر، فما زالت كافة المعابر التجارية المحيطة بقطاع غزة (معبر المنطار – معبر الشجاعية – معبر صوفا) مغلقة، وما يعمل فقط هو معبر كرم أبوسالم، ويعمل وفق الآليات التي كان يعمل بها قبل الحرب الأخيرة.
وأكد أنه لم يتغير أي شيء على آلية عمل المعبر من حيث ساعات العمل, وعدد الشاحنات الواردة, ونوع وكمية البضائع الواردة, والزيادة التي حدثت في عدد الشاحنات الواردة نابعة من دخول مواد البناء للمشاريع الدولية والمشاريع القطرية في قطاع غزة وكميات مقننة من مواد البناء للقطاع الخاص لإعادة إعمار القطاع.
وذكر الطباع أنه من خلال رصد حركة الشاحنات الواردة عبر معبر كرم أبوسالم وأيام الإغلاق خلال 10 أشهر من العام 2015, فقد بلغ عدد أيام إغلاق المعبر 99 يومًا خلال الفترة السابقة وهي تمثل 30% من إجمالي عدد الأيام في تلك الفترة.
كما بيّن أن عدد الشاحنات الواردة خلال تلك الفترة 69929 شاحنة منها 46745 شاحنة للقطاع الخاص, 23184 شاحنة مساعدات إغاثية للمؤسسات الدولية العاملة في قطاع غزة وهي تشكل 21% من إجمالي الواردات, وبلغ متوسط عدد الشاحنات اليومية الواردة إلى قطاع غزة 233 شاحنة.
وأشار إلى أنه على صعيد خروج البضائع من قطاع غزة, فقد بلغ عدد الشاحنات الصادرة 988 شاحنة إلى أسواق الضفة الغربية والسوق الإسرائيلية والخارجية, وهذا يمثل 20% من عدد الشاحنات الصادرة من قطاع غزة قبل فرض الحصار.
وعلى صعيد المنشآت الاقتصادية في كافة القطاعات (التجارية والصناعية والخدماتية)، والتي يتجاوز عددها ما يزيد عن 6000 منشأة اقتصادية، تقدر تكاليف إنعاشها وإعادة إعمارها بحسب ما تم رصده في الخطة الوطنية للإنعاش المبكر وإعادة الإعمار بحوالي 566 مليون دولار.
وأكد الطبّاع أن هذه هي 3 أضعاف خسائر الحرب الأولى التي شنت على غزة في العامين 2008-2009 , فلا يوجد أي جديد فحالها كما هي.
وشدد على أن التأخر في عملية إعادة الإعمار أدى إلى تداعيات خطيرة على الاوضاع الاقتصادية في قطاع غزة, حيث حذرت الكثير من المؤسسات الدولية من تداعيات إبقاء الحصار المفروض على القطاع وتأخر عملية إعادة الإعمار على كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية.
ونوه إلى أنه وبفعل استمرار الاوضاع الاقتصادية المتدهورة ونتيجة لانهيار المنظومة الاقتصادية في قطاع غزة بفعل الحرب الشرسة الضروس، التي تعرَّض لها القطاع على مدار 51 يومًا, واستمرار تداعياتها حتى هذه اللحظة، ازداد عدد الفقراء والمحرومين.
ووفق الطباع، فقد بلغت معدلات البطالة في قطاع غزة 41.5% في الربع الثاني من العام 2015 بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني, وبلغ عدد العاطلين عن العمل 200 ألف شخص, وارتفعت معدلات الفقر والفقر المدقع لتجاوز 65%.
وتجاوز عدد الأشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من أونروا والمؤسسات الإغاثية الدولية أكثر من مليون شخص بنسبة تصل لـ60% من سكان غزة، وأن نسبة انعدام الأمن الغذائي تجاوزت 72% لدى الأسر في قطاع غزة, وسط ارتفاع حاد في نسبة البطالة بين الشباب في قطاع غزة والتي وصلت لـ60%.
وأكد أن صندوق النقد الدولي حذر من أن النمو على المدى القصير لن يكون كافيًّا لاستيعاب قوة العمل المتزايدة, وستستمر معدلات البطالة في الارتفاع ما لم يكن هناك حلًا جذريًّا يؤدي إلى رفع القيود الإسرائيلية وإنهاء حصار غزة.
وبحسب صندوق النقد الدولي، فقد بلغت نسبة الانكماش في اقتصاد قطاع غزة 15% خلال العام 2014 و يعتبر هذا الانكماش الأول للاقتصاد الفلسطيني منذ العام 2006.
كما شدد الطباع على أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة أدت إلى ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين وتراجع حاد في الاستهلاك الخاص, مما تسبب في ركود تجاري واقتصادي حاد وغير مسبوق وبأوضاع كارثية لم يشهدها قطاع غزة منذ العام 1967.