غزة – محمد حبيب
أكدت دراسة حول واقع الإيرادات والنفقات المعمول بها في قطاع غزة أنه عقب فشل الجهود الرامية لإنهاء الانقسام، لجأ مسؤولون في القطاع إلى اتباع سياسات مالية صارمة في العام 2015 في مجال تحصيل الضرائب، وفرض رسوم جديدة من أجل تغطية النفقات العامة في الموازنة التي حددتها وزارة المالية في غزة. وأشارت الدراسة ذاتها التي صدرت حديثاً عن الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" الى أن قيام وزارة المالية في غزة بتشديد سياستها الضريبية استهدف بالدرجة الأولى تغطية فاتورة الرواتب نتيجة لامتناع حكومة التوافق عن تسديد رواتب الموظفين الذين عينتهم حكومة غزة السابقة .
وأوضحت بحسب ما نشرته صحيفة الأيام المحلية الصادرة الثلاثاء أن المكلف في قطاع غزة يواجه ازدواجية في دفع الضرائب والرسوم من خلال النظام المعمول فيه والذي يتمثل في ضرائب القيمة المضافة والرسوم الجمركية التي تحصل عليها حكومة التوافق من خلال المقاصة، والإضافات الضريبية (التعلية) والرسوم الجديدة التي يدفعها المكلف إلى وزارة المالية في غزة.
وحول النفقات الجارية التي من أهمها الرواتب والأجور فلا زالت حكومة التوافق الوطني تنفق على نحو 60 ألف موظف مدني وعسكري من الموظفين في قطاع غزة المعينين قبل الانقسام وغالبيتهم مستنكفون عن العمل، بالإضافة إلى ما تموّله حكومة الوفاق من نفقات تشغيلية أخرى في مجال الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية. واعتبرت الدراسة أن الانقسام أثر سلباً على ادارة الموازنة العامة التي من أهم اسسها الوحدة في مجال الإيرادات والنفقات العامة، ما انعكس سلباً على تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المختلفة كما كان لغياب عمل المجلس التشريعي الموحد وعدم اضطلاعه بالدور المنوط به في اعتماد الموازنة العامة بقانون والرقابة عليها الأثر السلبي الآخر في أداء الموازنة العامة .
واستهدفت الدراسة التعرف على جوانب الإيرادات والنفقات في الموازنة العامة ورصد ما تم تحصيله من إيرادات، وما يتم فرضه من رسوم وضرائب جديدة ورصد حجم النفقات العامة التي تصرفها وزارة المالية في غزة ومراكز الصرف وبيان حجم الإيرادات والنفقات العامة المتعلقة بوزارة المالية في حكومة التوافق الوطني والخاصة بقطاع غزة ومراكز الصرف وبيان سلامة الإجراءات المالية المعمول بها.
واشارت الدراسة الى صعوبة تحليل البيانات المالية الخاصة بموازنة قطاع غزة نتيجة لعدم امكانية الحصول على بنود المساعدات الخارجية التي تغطي العجز في هذه الموازنة التي تعتمد آلية إعدادها على موازنة البنود، بحيث تقوم آلية التقدير على بنود الموازنة المختلفة بعد دراسة السنة السابقة لكل موازنة حين تقديرها. ولفتت الدراسة الى أن حكومة غزة السابقة شرعت عقب الانقسام بإعداد الموازنات المتعلقة بها والتي تختص بالمحافظات الجنوبية، ونتيجة للغياب القسري للموظفين عن عملهم اضطرت الحكومة في غزة إلى تعيين أعداد كبيرة جداً من الموظفين المدنيين والعسكريين، بالإضافة إلى دفع رواتب لأكثر من ثمانية آلاف موظف معينين سابقاً .
ونوّهت الى أن موازنة 2014 كانت الموازنة الأخيرة التي تم اعتمادها من قبل المجلس التشريعي نتيجة لاتفاق الشاطئ وما تمخض عنه من تشكيل حكومة التوافق الوطني في منتصف عام 2014. وبينت أن الفترة الممتدة بين عام 2008حتى منتصف عام 2013 شهدت تحسناً ملحوظاً في الايرادات نتيجة لزيادة الإيرادات في مجال الضرائب والرسوم المفروضة على السلع المهرّبة من مصر عبر الأنفاق (مليون شيكل يومياً) .
وأشارت الى عدم اختلاف عناصر الموازنة العامة في قطاع غزة عن تلك المعمول بها في الضفة الغربية، حيث تتشابهان في تراكم العجز والاعتماد على المساعدات الخارجية، وتختلفان في حجم الإيرادات والنفقات العامة، وعدم قدرة حكومة حماس في غزة على الاقتراض من البنوك التجارية.
وبينّت الدراسة من خلال تحليل الموازنات العامة المختلفة ارتفاع تقدير النفقات العامة من 245.5 مليون دولار في موازنة 2008 إلى 894 مليون دولار في موازنة 2014 بمعدل نمو بلغ في المتوسط 37.7%، موضحة أن المتتبع لفاتورة الرواتب إلى إجمالي النفقات العامة في موازنة قطاع غزة يجد أنها تصل في بعض التقديرات إلى 95% من إجمالي تقديرات الموازنة، وبالتالي عدم القدرة على تغطية الإيرادات المحلية لفاتورة الرواتب، وذلك نتيجة لارتفاع عدد الموظفين الذين عينتهم حكومة حماس في غزة خلال فترة الانقسام من 16,573 موظف مدني وعسكري في العام 2008 إلى 31,844 موظف في عام 2011 ليزداد العدد إلى نحو 42,000 موظف في نهاية عام 2013، ولم تحدث زيادة في العدد الاجمالي حتى الوقت الحاضر.
وأوضحت الدراسة أنه نتيجة للأسباب المذكورة ارتفعت تقديرات الرواتب والأجور من 122 مليون دولار إلى 509 ملايين دولار خلال الفترة نفسها ، فيما حافظت تقديرات النفقات التشغيلية على معدل نمو متوازن خلال الفترة 2012-2014، أما النفقات الرأسمالية والتحويلية والتطويرية فشهدت حالة من الصعود خلال الفترة 2010-2012 ثم هبوط في عامي 2013-2014 نتيجة لإغلاق الأنفاق التي بدأت نتائجها السلبية على الموازنة في الربع الثالث من عام 2013 إلا أن الاتجاه العام لتقدير النفقات العامة قد حافظ على الزيادة بسبب زيادة فاتورة الرواتب والأجور.
وبينّت أن معدل نمو تقديرات الإيرادات المحلية ارتفع بشكل ملحوظ بنسبة 99% في المتوسط خلال الفترة الممتدة بين عامي 2008 و2014 وذلك نتيجة للارتفاع الكبير جداً في تقدير الإيرادات الضريبية بمتوسط نمو سنوي زاد عن 290% وهي تقديرات مبالغ فيها مقارنة مع متوسط النمو السنوي في النفقات والتي لم تزد عن 37%. وأشارت الدراسة الى نمو ملحوظ ولكن أقل في مجال تقدير الإيرادات غير الضريبية وهي الرسوم وغيرها بمتوسط سنوي لم يزد عن 28% ولكن الغريب في الأمر أن نسبة الإيرادات غير الضريبية من إجمالي الإيرادات المحلية المتوقعة تراجعت من 77% في موازنة 2008 إلى 32% في موازنة 2014. وأوضحت أن حجم النفقات العامة في الموازنة كان أكبر بكثير من حجم الإيرادات بسبب إدراج مشاريع تنموية مبالغ فيها لم يحقق منها أكثر من 5% وأن التقديرات المرتفعة للنفقات العامة أثرت سلباً على العجز في الموازنة الذي قدر في عام 2008 بنحو 218 مليون دولار وارتفع إلى 699 مليون دولار في موازنة 2014.
ونوهت أن الإيرادات الضريبية تأرجحت تبعاً للتطورات الاقتصادية حيث ارتفعت خلال فترة زيادة السلع المهربة عبر الانفاق، وتراجعت بعد إغلاق الأنفاق في منتصف 2013، إلا أنها في المحصلة ازدادت بنسبة كبيرة حيث ارتفعت من 21.5 مليون دولار في عام 2009 إلى 139.6 مليون دولار في عام 2012 ثم تراجعت إلى 120 مليون دولار في عام 2013 بمتوسط نمو سنوي بلغ 91.5%، كما ارتفعت الإيرادات غير الضريبية من 38.8 مليون دولار إلى 80 مليون دولار خلال نفس الفترة وبالتالي حيث نمت الإيرادات المحلية وهي الإيرادات الضريبية وغير الضريبية بمتوسط سنوي 46.6% بسبب ان نمو الإيرادات غير الضريبية كان أقل من نمو الإيرادات الضريبية.
تطور النفقات المتحققة وفي مجال النفقات العامة المتحققة كانت أقل بكثير من تلك المقدرة وهذا على عكس الإيرادات حيث استحوذ بند الرواتب والأجور على النسبة العظمى من النفقات، وشكل ما نسبته 80% من إجمالي النفقات المتحققة في عام 2013، وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بمثيلتها في الضفة الغربية التي بلغت في المتوسط 49% من إجمالي النفقات العامة وصافي الإقراض الامر الذي يقود إلى خطورة استمرارية عمل الموازنة وفي حال تم دمج الموظفين فإن فاتورة الرواتب ستصل إلى أكثر من 2 مليار دولار سنوياً بعدد موظفين يفوق 200 ألف موظف.
وأشارت الى أن النفقات الرأسمالية والتحويلية تراجعت بسبب التركيز على بند الرواتب بينما ما تم تنفيذه ضمن بند النفقات التطويرية المتمثلة في مشاريع خطط التنمية والمتعلقة بالتمويل الحكومي لم يتعد 7 ملايين دولار في عام 2013 فيما قدرت تلك المشاريع في خطة التنمية بنحو 214 مليون دولار.
واعتبرت الدراسة أن العام 2014 كان أسوأ الأعوام من حيث بيانات المالية العامة نتيجة لسببين الأول إغلاق الأنفاق في منتصف عام 2013 والتي كانت تعتبر المورد الرئيسي والأكبر لإيرادات وزارة المالية في غزة، أما السبب الثاني فيعود لاندلاع الحرب على غزة في منتصف عام 2014 والتي استمرت لأكثر من 50 يوماً وامتدت آثارها لفترة طويلة ، وبالتالي عدم قدرة الإدارة المالية على تحصيل الإيرادات المختلفة وخاصة الضرائب منها.
وأكدت الدراسة أن عدم تولي حكومة التوافق الوطني لمهامها في قطاع غزة أدى لغياب الرؤية المالية كما ان أن غياب الكتل البرلمانية عن اجتماعات المجلس التشريعي في قطاع غزة أثر سلباً على شفافية الموازنة العامة وغياب النقاش المجتمعي للموازنة العامة بدد أركان الشفافية المالية. وأوصت الدراسة بتوحيد الموازنة العامة في الأراضي الفلسطينية واتباع المبادئ العامة للشفافية المالية، وخاصة مشاركة الجمهور في وضع سيناريوهات الموازنة العامة، وإتاحة التعرف على البيانات المالية للمختصين، والعمل على تسديد كافة المتأخرات المتراكمة على الحكومة لصالح الموظفين والقطاع الخاص، ومشاركة الاخير في اتخاذ القرارات المتعلقة بالضرائب والرسوم المختلفة، وتفعيل الرقابة المالية الخارجية وخاصة رقابة المجتمع المدني على البيانات المالية.