دمشق ـ ميس خليل
لم تغب تأثيرات الحرب المؤلمة، التي تمر بها سورية منذ أربعة أعوام، عن لوحات الفنانيين التشكيليين، الذين شاركوا في معرض الخريف السنوي، الذي أقيم في خان أسعد باشا، في دمشق، فتكلمت عن الحزن والألم والمعاناة، دون أنَّ يغيب عنها الأمل بقيامة جديدة لسورية. وضم المعرض 135 عملاً فنيًا منوعًا، بين تصوير زيتي ونحت وغرافيك لفناني سورية التشكيليين الكبار.
وأكّد وزير الثقافة السوري عصام خليل، في تصريح إلى "فلسطين اليوم"، أنَّ "هذا المعرض يشكل فرصة طيبة للاطلاع على الفن التشكيلي السوري وغناه، وعلى تطوره في المرحلة السابقة، عبر لوحات استمدت معظم أفكارها من الواقع السوري، لكنها عاشت هذا الواقع بأمل الانطلاق من هذه اللحظة الشاحبة، وهو رسالة للعالم كله أننا صناع الحياة، وسنبقى مهما حصل".
من جانبه، اعتبر رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين حسان العر، استمرار إقامة المعرض إنجازًا كبيرًا في هذه الظروف، مشيرًا إلى أنَّ "الأعمال المقدمة تعتبر خلاصة إنتاج عام كامل لكبار الفنانين التشكيليين، وهي مدرسة يمكن أنَّ يستفيد من خبرتها الفنانون الشباب".
وأبرزت مدير خان أسعد باشا غادة سليمان أنَّ "أهمية معرض الخريف السنوي تكمن في احتضانه عددًا كبيرًا من الفنانين في مجالات النحت والرسم، واستقطاب عدد كبير من الجمهور في مكان أثري جميل مثل خان أسعد باشا".
وأكّدت أهمية الخان كتحفة معمارية، تستقبل إبداعات الفنانين التشكيليين، لإقامة المعارض والنشاطات الثقافية المختلفة.
وشارك الفنان أنور الرحبي بلوحة أسماها "عرس مريم"، صوّر فيها عرسًا سوريًا مؤجل، بسبب ظروف الحرب، وأشار الرحبي إلى أنَّ "اللوحة صورت معاناة الشعب السوري في هذا الحرب، واضطراره للنزوح بسبب فقدان الأمان".
ولفت الرحبي إلى أنّه "حاول في لوحته تصوير حزن الناس في سورية، الذي يعم كل شيء"، موضحًا أنه "سعى إلى إيصال رسالة مفادها أنَّ كل فرح يجب أن يؤجل في سبيل قيامة سورية من جديد، وعودة دورها التاريخي والحضاري".
وتحت عنوان "بقايا"، قدمت الفنانة التشكيلية جميلة كاترينا لوحة صورت فيها ولادة الإنسان، ومراحل حياته، ومشاكله، لتجسد فكرة أنَّ الإنسان عندما يموت لا يبقى منه إلا صورة على الحائط.
وبيّنت كاترينا أنَّ "أساس لوحتها هو تصوير ظروف الموت والحياة"، مشيرة إلى أنها "استخدمت فيها ألوان زيتية حارة، تدل على الحياة".
ورأت كاترينا في المعرض فرصة للتشجيع على السياحة، وإيصال فكرة أننا موجودون، ولم نمت بعد، ونحاول ممارسة حياتنا الطبيعية".
واختار النحات غازي كاسوح لمنحوتته اسم "عبق الياسمين"، التي عكست حالة تعبيرية مميزة، استخدم فيها خشب الزيتون، مشيرًا إلى أنه "اختار هذا النوع من الخشب لأنه مرتبط بالتراث والحضارة".
وأبرز أنّه "حاول، عبر عمله الفني، تصوير أنثى منتفضة ومنطلقة، ليعكس بها صورة سورية المتجددة، ذات الحضارة التي تمتد للآلاف السنين".
وفي النحت أيضًا، قدمت النحاتة يسرا محمد قطعة فنية بعنوان "القوة"، جاءت على شكل رأس ثور، لترمز للقوة الداخلية التي تشعر بها دومًا.
ولفتت إلى أنَّ "المعرض خلق تجديدًا من نوع خاص، وكسر حالة الجمود الموجودة على الساحة الفنية"، مبرزة "وجود ابتكار في العمل على اللوحات".
وتحت عنوان "ترانيم في حب المكان"، صور الفنان جمال العباس عبر لوحته صورة امرأة، بأسلوب تعبيري، يشير إلى ارتباطها بالمكان، وأن الحياة مستمرة رغم ما نعانيه في هذه المرحلة الصعبة من ظروف قاسية، معتبرًا أنَّ "المعرض تظاهرة تعبر عن منحى حضاري، تقدمي"، مشيرًا إلى "إننا لا زلنا متفائلين بالمكان الذي وصل إليه الفنان السوري، وحضوره المميز في الساحة العربية والعالمية".
وصوّرت لوحة الفنان سائد سلوم الإنسان الذي يخضع للفكر العدمي، عدمية المادة والوجود.
وأوضح سلوم أنّه "صوّر الكائنات الإنسانية في اللوحة، ليست كما هي في الواقع، وإنما بطريقة تعبيرية جمالية".
ورأى أنَّ "المعرض فرصة لتبادل التجارب في مجال الفن التشكيلي، التي تعكس خبرات مميزة ولمسات فنية واضحة ترتبط بالواقع".
واعتبر عميد كلية الفنون الجميلة الدكتور فواز البكدش المعرض "تقليدًا سنويًا، وفرصة لتقديم أعمال فنانيين تشكيليين من شرائح اجتماعية مختلفة"، مبرزًا "أهمية الفن التشكيلي في بث الحياة والروح في المجتمع ونشر الثقافة الراقية".
وأضاف "على الرغم من الأزمة، إلا أنَّ عدد الفنانين المشاركين كان كبيرًا، وكلهم أسماء هامة في عالم الفن التشكيلي، ما يوصل رسالة واضحة بأن سورية تسترد عافيتها من جديد".
وفي تقييمه للوحات، اعتبر الفنان حسان حلواني أنَّ "اللوحات المقدمة رائعة وأعادت الروح لمعرض الخريف السنوي"، مؤكّدًا أهمية انعقاده في خان أسعد باشا، لما له من قيمة حضارية.