باريس ـ مارينا منصف
عُرض في قسم "أسبوع النقاد" على هامش مهرجان "كان"، فيلم "دغرديه" للمخرجين الفلسطينيين "عرب وطرزان"، وهو صورة مجازية عن واقع غزة المضحك المبكي.
ويعرض فيلم "دغرديه" في قسم "أسبوع النقاد" على هامش مهرجان كان في نسخته 68، وكان جمهور المهرجان يتطلع بشوق لاكتشاف "دغرديه Dégradé" من إخراج عرب وطرزان (التوأم الفلسطيني محمد وأحمد أبو ناصر)، فكما بيّن مقدم العرض الصحافي أنه "من النادر جدا أن يأتينا مخرجان من غزة"، مضيفًا أن سينما الأخوين ناصر تذكره بأفلام يوسف شاهين في "بهجتها".
ويتناول "دغرديه" قصة نساء يضطررن لقضاء المساء في صالون حلاقة بعد أن اندلعت معركة مسلحة في غزة بين "حماس" وعائلة من المافيا المحلية في الحي الذي يوجد فيه صالون الروسية "كرستين"، وسبب المعركة سرقة أسد من حديقة حيوانات غزة، ويعالج الفيلم الواقع المأسوي في غزة عبر كتابة تراجي-كوميدية، ومن بطولة الممثلة الفلسطينية الكبيرة هيام عباس.
ورحبت القاعة بـعرب وطرزان، اللذين جاءا مصحوبين بالممثلات، فصرحوا بأن "الفيلم صور خلال الحرب الأخيرة غزة، فطلب منا تغيير السيناريو لنحصل على المال اللازم لإخراجه"، مؤكدين أنهم رفضا ذلك، وأضافا "أردنا أن نظهر كيف يعيش أهل غزة، لا كيف يموتون".
وكان محل الحلاقة الذي تلتقي فيه المحجبة بالمومس، وزوجة بضرتها، وتجتمع فيها الحامل والعروس، والعاشقة والمظلومة، والكل في جحيم القطاع وحر المساء الذي يمنع فيه شح البنزين من تشغيل مكيف الهواء ومجفف الشعر في آن واحد .
و تضطر الشخصيات التي تنتمي إلى كل شرائح المجتمع إلى التطرق لمواضيع الجنس والحب والدين والسياسة، في هذا المكان الذي يبدو أنه فضاء الترفيه الوحيد للنساء في غزة، هنا يبدو الجميع متفقين بخصوص السياسة وموحدين ضد "حماس"، رغم التوترات والمشادات الكلامية التي تصل إلى الاشتباك بالأيدي في مواقف فكاهية.
وتشير هيام عباس في الفيلم إلى أن "مشكلة حماس ليست الأسد"، وتتابع "إنهم يكرهون كل شكل مختلف"، وتستغرب أخرى "أمامهم بلاد يجب تحريرها، ويسعون إلى تحرير أسد ؟"، ويأتي الجواب راديكاليا "لم يبق شيء في غزة، سوى الأسد ليحرروه".
و أكد الأخوان ناصر أن "فكرة الفيلم ليست سياسية، ونرفض لفيلمنا أن يقدم على أنه سياسي، إنه فيلم بحت عن الحياة، والسياسة جزء من هذه الحياة أقحمت نفسها وفرضت نفسها على هذا المكان"، وتابع الأخوان "الفيلم ميتافور عن قطاع غزة، ويحكي عن مختلف أطياف المجتمع، وعن الحياة بصفة عامة في غزة".
ويدخل المخرجان في تفاصيل حميمية لنساء من مختلف الأعمار ويصنعون منها مواقف هزلية في محاولة للإلمام بمواضيع مختلفة حول الوضع في القطاع، وعبر تلك النساء أكد المخرجان أن في عملهما "كسر لنمطية الصورة المأخوذة عن المرأة الفلسطينية"، فبالنسبة لهما طرح هذا "الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والحديث عن الاحتلال والمقاومة،وعن كل هذه المواضيع" يتم "من خلال النساء.
ويؤكد "الأسدان" أن "رسالة الفيلم ليست سياسية، رسالة الفيلم هي –نحن شعب يستحق الحياة- لأننا من لا شيء نصنع حياة"، ويوضحان "لا يوجد أي شيء في غزة كمكان، لكن إذا رأيت كيف تتعاطى هؤلاء النساء مع الحياة في هذا المكان تفهم حقا كيف أن الحياة كلها هنا".
فيقرأن نساء الصالون كتب الروسي دوستويفسكي "لمحة عبثية"، ويتزوجن ويطلقن ويمرضن ويدخنّ ويتحايلن ويعشقن ويتعرضن للعنف ويلدن ويربين الأطفال ويغذين الفضاء الروحي وفي النهاية السياسي، بحكاياتهن، وفي الفيلم مشهد معبر جدا تتخيل فيه إحداهن أنها رئيسة ثم توزع الحقائب الوزارية على الأخريات، ولما لا؟ يرى الأخوان في السيناريو "سيحكمن أحسن من الرجال".
ويؤكد عرب وطرزان أن "حياة الغزيين معقدة، وأن هذه السخرية تساهم في تبسيطها"، لكنهما يشددان على أن هذا النوع من السخرية "تضحك وتبكي في نفس الوقت، فالفكاهة في كل نواحي الحياة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى في قصة الحب التي في الفيلم، هي حزينة جدا في نفس الوقت".
وإن ذكرنا الفيلم بـ"سكر بنات" للبنانية نادين لبكي التي يدور جزء كبير من أطواره في صالون حلاقة ويتناول بورتريهات نساء، تمنينا له أن يرقى إلى مستوى "كوستوريكا" فلسطيني، لكن النسق ظل بطيئا شيئا ما وكأن نوعا من "الحصار" يخيم على الأجواء رغم كل المحاولات لكسره، لم يقنع "دغرديه" النقاد عموما، فحسب العديد، فكرة الاشتباكات بشأن الأسد ليست واضحة، وإن كان البعض يؤكد أن السيناريو مستوحى من حادثة واقعية ! سينمائيا إذا ليس الفيلم خارقا.
وصفق الجمهور طويلا بعد العرض لشابين غمر الدمع وجوههما لوجودهما وسط جمهور "كان"، وكأن حضورهما يشهد لوحده بأن "الحياة مجرد الحياة يا صاحبي بطولة !"