القاهرة ـ محمد الشناوي
ارتبط الأدب الحبشي بالأساطير والخرافات والحكايات العجيبة التي نجمت عن تأثره بما يصله من أفكار ومذاهب وتعاليم من المحيط المجاور له في البلاد العربية، قديمًا وحديثًا، وخصوصًا في جنوب الجزيرة العربية ومصر، فقد كانت الصلات بين الحبشة واليمن ومصر معقودة تجاريًا وسياسيًا ودينيًا.
يقول الدكتور عبدالمجيد عابدين، رائد الدراسات السامية، في كتابه "بين الحبشة والعرب" الصادر حديثًا في طبعة جديدة عن هيئة قصور الثقافة في مصر: أول ما وصلنا من الأدب الحبشي إنما يرجع إلى عهد دخول المسيحية إلى الحبشة في القرن الرابع الميلادي، فالأدب الحبشي ذو صبغة مسيحية واضحة، وله فترتان، في الأولى نقل الأحباش ما نقلوه من اليونانية أو السريانية إلى اللغة الجعزية "إحدى لغات الأحباش"، وهي لا تعدو ترجمات من الكتاب المقدس. والفترة الأخرى تبدأ بحكم "يكونو" رأس الأسرة السليمانية، وفيها نقل الأحباش ما نقلوه من اللغة العربية واللغة القبطية أحيانًا إلى الجعزية، ومن هذه المؤلفات ما يتناول حياة القديسين، كـ"مصحف سنسكار" ومعجزات السيد المسيح وعجائب العذراء.
ومن الكتب التي ترجمها الأحباش من العربية رسائل الشيخ الروحاني "يوحنا سابا"، وشرحه رسالة بولس إلى العبرانيين، وشرح رسالة أخرى تنسب إلى ديونيسيوس أسقف المشرق، كما تُرجمت كتب عربية إلى الجعزية للدفاع عن المذهب اليعقوبي ضد اليسوعيين النازحين إلى البلاد في مستهل القرن السابع عشر.
ونتيجة للعنف الذي قام به البرتغاليون في الحبشة لنشر الكاثوليكية، رفضها الأحباش، وإن تظاهروا بها في العلن، لأنهم كانوا يدينون بالمذهب اليعقوبي، فقد كانوا تابعين للكنيسة القبطية. ومن المعروف أن مطارنة الحبشة كانوا يُعيَّنون من بطاركة الإسكندرية، بعد موافقة سلطان مصر وحاكمها على ذلك.
ومما نقله الأحباش أيضًا عن العرب، كتاب "الدر الثمين في إيضاح الدين" لساويرس ابن المقفع، وكتاب "اعترافات الآباء" لبولس بن رجاء، فقد أطلق عليه الأحباش اسم "هيمانوت أبو" أي: إيمان الآباء.
وكانت هناك ظاهرة التنافس الأدبي في القرن السابع عشر، فقد ترجم بعض رهبان الحبشة في مصر بعض الكتابات الخاصة بالطقوس الدينية، ككتاب التوبة "مصحف نسحا"، وصلاة القنديل "مصحف قنديل". وفي عهد سرصا دنجل "1563- 1597م"، ترجم عنبا قوم اليمني كتاب برلعام ويوشافاط من العربية إلى الجعزية.
وفي عام 1582م نقل أحد رؤساء الأديار في الحبشة كتاب "مختصر البيان في تحقيق الإيمان" وهو الجزء الأول من كتاب "الحاوي المستفاد" إلى الجعزية، وهو كتاب يتحدث عن حياة الكنائس والأديرة، والفضائل المسيحية والصلوات.
وكان الأحباش يرجعون في قوانينهم المدنية والدينية، حتى عهد قريب إلى كتاب ألَّفه أحد علماء القبط في القرن الثالث عشر الميلادي، وهو أبو الفضائل أسعد بن العسّال، ونقله الأحباش إلى لغتهم. وقد نقل الأحباش كتبًا مهمة تعد مراجع في تاريخ العرب والدول الإسلامية بعامة، من ذلك تاريخ يوحنا أسقف نقيا الذي لخّص فيه التاريخ العام، منذ بدء الخليقة حتى سنة 640 م، ويقرر رايت: أنه نُقل من الأصل العربي في عهد يعقوب ملك سجد، وأن الذي نقله أحد أساقفة قليوب بمصر، وهو غبريال المصري، ولهذه النسخة قيمة عظمى، إذ إن الأصل العربي منه ضاع.
يقول الدكتور عابدين: ومن مصادر التاريخ الإسلامي المهمة، تاريخ أبي شاكر بطرس بن الراهب، الذي كتبه في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي، وهو يؤرخ من بدء الخليقة حتى العام 157هـ. كذلك نقل الأحباش كتاب "تاريخ المسلمين" للمكين بن العميد، الذي يسميه الأحباش "ولد عميد" وذلك أثناء حكم الملك لبنا دنجل.
ولما كان الأحباش ظلوا ينقلون قرونًا عديدة آدابهم من اللغة العربية، كان طبيعيًا أن تؤثر العربية في لغة المترجمين إلى حد بعيد، وقد حدث في هذه الفترة نقيض ما حدث في الفترة الأولى، فقد أخذت العربية قديمًا كثيرًا من الألفاظ والعبارات. والآن نجد في الكتب المترجمة إلى الحبشية أثرًا عربيًا واضحًا في كثير من الألفاظ والصيغ والعبارات، أخذها الأحباش بنصها من العربية. وقد يرجع سوء فهم المترجمين من الأحباش لكثير من ألفاظ النصوص العربية إلى إلمامهم الضعيف بالعربية.
ومن الأحباش طائفة مثقفة من مسلمي الحبشة، تفهموا الدين على وجهه الصحيح، وتلقوا تعاليمه في مدارس خاصة، أو على أشياخ ثقات، ومنهم كثر ينتقلون إلى بلاد العالم الإسلامي لتلقي العلم من مناهله، وهم طائفة الجبرت، ومعناها عباد الله. ولا يزال في الجامع الأزهر الشريف رواق لمسلمي الحبشة يسمى رواق الجبرت، كما كان لهم رواق في المدينة المنورة، وآخر في مكة المكرمة.
وتعد أسرة الجبرتي المؤرخ من أشهر علماء جبرت. روى الجبرتي أن أول من ارتحل من بلاده من هذه الأسرة في القرن العاشر الهجري، الشيخ عبدالرحمن، وهو الجد السابع له، الذي حج وحضر إلى مصر، فدخل الأزهر وجاور الرواق، وتولى شيخًا عليه.