احتفالات أمانة بغداد بذكرى المولد النبوي

أكملت أمانة بغداد استعداداتها للاحتفال بمولد سيد الكائنات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلّم الذي يصادف يوم الأحد المقبل ضمن فعاليات متنوعة بالتنسيق مع ديواني الوقفين السني والشيعي. وذكر بيان للأمانة أن "الدوائر البلدية التابعة لأمانة بغداد أكملت استعداداتها للاحتفال بمولد سيد الكائنات الرسول الأكرم محمد (ص) من خلال فعاليات تم الإعداد لها بالتعاون مع الجوامع والحسينيات والمراقد المقدسة شملت تنظيم حملات خدمية لمحيط تلك الأماكن والمواقع القريبة منها والشوارع المؤدية إليها إلى جانب نصب نشرات الزينة والأعلام والموشحات الدينية وتهيئة الألعاب النارية لإطلاقها خلال الاحتفالات".

وأضاف، أن "دائرة بلدية الأعظمية نفذت حملة خدمية قرب جامع الإمام (ابي حنيفة) (رض)، استعدادًا لاستقبال حشود المحتفلين بالمناسبة الكريمة، وشملت الأعمال غسل وتنظيف الشوارع وزراعة الكابلات الزراعية وصيانة خطوط ومشبكات الصرف الصحي والامطار إلى جانب قيام بلدية مركز الرصافة بتنفيذ حملة خدمية مشابهة قرب جامع عبد القادر الكيلاني".

وواظب مسلمو العراق على إحياء ذكرى المولد النبوي بالاحتفال سنويًا في جامع الإمام الأعظم "أبو حنيفة النعمان" في مدينة الأعظمية ببغداد. حيث الزينة الملونة والأعلام والرايات الخضراء، فضلا عن المناقب النبوية، وقام الزائرون الذين قدموا من مختلف مدن العراق  بتوزيع الحلوى، فيما تعالت أصوات الذكر والأناشيد التي تتغنى بمولد الرسول، أما عن سماء الأعظمية فتضاء بالألعاب النارية التي يطلقها المحتفلون.

وتشهد شوارع المدينة وأزقتها منذ أمس الخميس احتفالات كبيرة وحدثًا فريداً، إذ تكتظ بالمشاة وتتلاشى السيارات تمامًا، وتنتعش الأسواق والمحلات التجارية، ويعد الاحتفال في ساحة الإمام الأعظم آخر المطاف بالنسبة إلى ليلة إحياء ذكرى المولود النبوي، فطقوس الاحتفال بهذه الذكرى من عادات وتقاليد متوارثة جعلت يومها مختلفا عن باقي الأيام، فقبيل غروب الشمس تقوم العائلات المحتفلة بإيقاد الشموع حول منازلها وأمامها، وتوزيع الحلوى الخاصة بهذه المناسبة. وتوزيع حلوى المولد والتي يطلق عليها باللغة العامية الدارجة (زردة النبي). هذا وتستمر الاحتفالات والصلوات والمناقب النبوية إلى أذان صلاة الفجر.

وتختلف مظاهر الاحتفال بهذه الذكرى من بلد إلى آخر إلاّ أنها جميعها تشترك في التعبير عن تعلقها بالرسول الكريم بإظهار الفرح والسرور بهذه المناسبة عن طريق ارتداء الملابس التقليدية الجديدة، وتبادل الزيارات، ومرافقة الأطفال عند الخروج إلى الاحتفال، وتحرص العائلات العربية على صلة الرحم والاجتماع مع بعضها في جو تسوده الألفة والمحبة، إذ تقوم العوائل بإعداد الحلوى والعديد من الوجبات الغذائية لتوزيعها على الناس.

ويقول الباحث التاريخي عبد القادر حسان لـ" فلسطين اليوم" : إن سكان بلاد الرافدين يحتفلون بالمولد النبوي الشريف منذ أواخر العهد العباسي، إذ تشهد المحافظات احتفالات واسعة وخصوصًا في العاصمة بغداد إذ اصبحت المناسبة تأخذ الاهتمام من قبل المسؤولين في العهد الملكي فصارت الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف تأخذ نمطًا آخر، بتنظيم الاحتفال، وتوجيه الدعوات إلى كبار المسؤولين في الدولة، ورجال الصحافة، ووجهاء المجتمع، مع إعداد منهاج خطابي، وتلاوة المناقب النبوية الشريفة بأصوات كبار قرّاء المقام، والموشحات الدينية. وإذا انتقلنا إلى العهد الجمهوري، وتحديدًا في ستينات القرن العشرين ،لرأينا أن الاحتفالات بلغت أوج انتظامها، ما دعا الحكومة منذ ذلك الحين إلى احتضان الاحتفال، ونقل وقائع ليلة المولد عبر التلفزيون والإذاعة.

*الأعظمية وباب الشيخ .. الأشهر تنظيمًا للاحتفالات

كانت مدينة الأعظمية تشتهر بتنظيمها للاحتفالات الخاصة بالمولد النبوي الشريف وخصوصًا في جامع الإمام الأعظم (أبي حنيفة النعمان) إذ يستقبل الأعظمين الوفود من المحافظات والمدن العراقية الأخرى، و تقام مآدب كبيرة في المساجد. وتبدأ الاحتفالات الدينية والشعبية والرسمية بهذه المناسبة المباركة العطرة من بداية شهر ربيع الأول حتى نهايته وتتمثل بإقامة مجالس تقرأ فيها قصائد مدح النبي صلى الله عليه وسلم وتُنشد الأناشيد والموشحات الدينية التي تتغنى بشمائل الرسول الكريم وكما وتقدم فيها الأطعمة والحلوى والشرابت، وتتنوع الاحتفالات هذه، ففي بغداد كانت تقام مجالس المناقب النبوية التي تسمى باصطلاح أهل بغداد ( مولود ) في جلسات ليلية دينية شعبية يحييها أحد القراء المجوّدين المشهورين آنذاك، وتقام عادة في بيوتات البعض من البغداديين أو في الجوامع، وتسود تلك الاحتفالات أجواء الفرح والسرور، توزع خلالها الأكلات التقليدية الشعبية مثل (زردة وحليب ) والعصائر وبعض الحلويات البغدادية من الزلابية والبقلاوة، وترى أطفال المحلة فرحين وهم يرتدون الملابس البيضاء.

المواطنة (أم عمر) قالت لـ" فلسطين اليوم" : إن الاحتفال بالمولد النبوي في الأعظمية له طعم خاص، وإن المدينة تستعدّ للاحتفال منذ أشهر حيث نقوم بتزيين البيوت وإعداد الحلوى مثل ( الزردة، والحلاوة الطحينية ) وغيرها من الحلويات التي يتم توزيعها في هذه المناسبة، وأيضا نقوم بتوزيع الوجبات الغذائية على الزوار القادمين من مختلف انحاء العراق. وقال المواطن أحمد شهاب من سكان منطقة الأعظمية : نقوم بالاستعداد للاحتفال منذ أشهر حيث نقوم بتزيين الشوارع والأزقة بالزينة و( الفلكسات) التي تحتوي على عبارات في حب النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه الكرام وأيضا تقوم في المحلات والبيوت في المنطقة بتشغيل المسجلات الصوتية التي فيها المدائح النبوية .

أما في (محلة باب الشيخ ) التي تعد مركزًا لتجمع قراء القرآن الكريم والمناقب النبوية، فنراهم يتبارون في قراءة الأذكار والمناقب النبوية في ساحة الحضرة القادرية وأروقتها على مسامع الناس المحتفلين حيث يشرع القارئ بتنزيله من النغم الشجي وهو يقرأ آبيات إحدى القصائد التي تمدح رسول الهدى والرحمة محمد صلى الله عليه وسلم هكذا كانت أيام بغداد والبغداديين أيام زمان.

وفي هذا الصدد يقول محمد منصور صاحب محل لبيع المنتجات الغذائية إلى " فلسطين اليوم" : إن الاحتفال بذكرى المولد أصبح جزءًا مهما من ثقافتنا وعاداتنا وقيمنا الشعبية والوطنية، والناس هنا يتسابقون إلى إحياء هذه الذكرى في الجوامع وفي الأسواق والبيوت والطرقات، فيظهرون علامات الزينة والجمال والفرح والسرور. ويشير منصور إلى أن ذكرى المولد تزيد من الحركة في الأسواق التجارية، وبشكل كبير. فالناس يقبلون على شراء مستلزمات الاحتفال من الشعارات ونشرات الزينة الخاصة بهذه المناسبة، فضلًا عن شراء الحلويات وبكميات كبيرة لتوزيعها بين الأقارب والجيران، في حين يتصدّر التمر بأنواعه كافة قائمة المبيعات خلال الأيام التي تسبق المولد النبوي الشريف.

ويتفق مع هذا الرأي كريم حميد وهو صاحب محل تسجيلات. ويؤكد أن حركة البيع والشراء تشهد زخما كبيرا منذ نهاية الأسبوع الذي سبق يوم المولد، مبينا أن ذكرى المولد تزيد من إقبال الناس على شراء التسجيلات الصوتية الخاصة بالقرآن الكريم والأناشيد الإسلامية والمدائح النبوية. بدوره يرى الكاتب الإعلامي، محمد بغداد لـ" فلسطين اليوم"، أن المناسبات الدينية، تعبر عن لحظات الإبداع الإنساني، وبالذات حول تلك المحطات التي تحقق الإشباع الروحي، وتنتج الإنفعال الاجتماعي، مما يجعلها تندرج في المواعيد المقدسة التي تربط الفرد بالمجموعة، وتضمن له الانخراط الوجودي، وتذهب به إلى الارتقاء السماوي.

لهذا كان من مميزات المجتمعات والشعوب الشرقية، أن تحتفل بمثل هذه المناسبات لتحقق التكامل الديني فيما بينها، ومن واجب المؤسسات والنخب القيام بتأطير ذلك الإبداع، كما تعتبر مثل هذه المناسبات، مصدر الإلهام للكثير من المبدعين والمفكرين عبر العصور، كونها تمنح المناخ المناسب لتفتح الأفاق أمام الإبداع، ليتحول ذلك الإبداع إلى رصيد اجتماعي يتراكم عبر العصور، فيشكل في النهاية الصورة المنجزة عن هوية الذات".

وأشار المتحدث إلى أن :"من أهم مشكلاتنا الثقافية والفكرية، الخلط بين ما هو ديني مقدس، وما هو إنساني زمني، وهذه البدع التي نشاهدها تثبت ذلك التراجع الخطير في مستوى الثقافة الدينية، التي يفترض أنها ساهمت بقدر كبير في حماية المجتمع عبر التاريخ، وكانت عامل قوة في تطوره، أما الطقوس المرافقة لهذه المناسبات، فتعد إنتاجا إنسانيا يعبر عن أرقى وأسمى المعاني الجميلة في الإنسان، فالاحتفال بالمولد النبوي، يؤكد الحب والتعلق الإنساني بأعظم شخصية في الوجود، لتتباين أنماط التعبير عن هذا الحب، وتتجسد قيمة الحب في المجتمع، التي يجب استثمارها وتوسيع مجالاتها، كما تمنح الإنسان فرصة رؤية التواصل التاريخي بين الأجيال، حتى يكون الحب مشروع تطوير المجتمع وتهذيبه.

وينتقد الكاتب مؤسساتنا الدينية والثقافية، لأنها عاجزة اليوم عن إنتاج النسق الاجتماعي والتسويق الثقافي المناسب، وبالذات ذلك التسويق الذي نحن في أمس الحاجة إليه في مثل هذا الظروف، فهي غارقة في مشكلة (التنشيط) وتبتعد يوميا عن مهام (الفعل) مما يجعلها السبب الأكثر عمقا في تدهور الأذواق والمشاعر، وتكون المخرّب الأول لنسيج العلاقات الاجتماعية، وهو الأمر الذي تساعدها فيه الرسالة الإعلامية، التي تتراجع يوميا عن مهامها المهنية والقيمية، فنحن بحاجة في هذه الظروف، إلى مراجعة حقيقية لمهامنا الثقافية، وأدوارنا الإعلامية، لتكون متناسقة مع المرحلة التاريخية التي يجتازها المجتمع، وبالذات إذا تمكنا من القيام بالمهام الحقيقية، المتمثلة في إنعاش المنظومة القيمية في المجتمع".