لندن - فلسطين اليوم
وقفت فينيشيا بورتر، كبيرة المنسقين والإخصائيين بقسم الفن الإسلامي في المتحف البريطاني في داخل قاعات الجناح الجديد للفن الإسلامي، ، مع فريقها من المنسقين والخبراء، ما شكل وفد استقبال لزوار الغاليري، الذي يفتح أبوابه للجمهور الخميس , وابتسامة كبيرة المنسقين كانت تتسع كلما ذكرت لنا جانبًا من العمل الشاق الذي صاحب التجديدات الشاملة وافتتاح صالتي عرض جديدتين في المبنى الرئيسي للمتحف، بعد أن ضاقت الصالات القديمة بمخزونات المتحف العريق، من قطع الفنون والتراث.
"فنون العالم الإسلامي"... هكذا تُعرّف بورتر بالصالة الجديدة، مؤكدة أن الصالات تنطلق من وجهة نظر، هي أن المعروضات تنتمي إلى أجزاء مختلفة من العالم، الذي سادت فيه حضارات مسلمة، بعضها استمر، وبعضها انتهى مثل الأندلس.
ولنعد إلى بداية الحديث مع بورتر بشأن السبب في التغيير والتحديث , تشير أن القاعات السابقة للفن الإسلامي ضاقت بمعروضاتها، وجاءت الفرصة مع دعم مادي من مؤسسة البخاري في ماليزيا لاستحداث صالات عرض جديدة في تصميمها، وبأحدث تقنيات العرض؛ لتمنح تلك المجموعة الفائقة من الحضارات الإسلامية المختلفة فرصة لتستعرض جمالها أمام زوار المتحف البريطاني.
أمامك هنا قاعتان ضمن المبنى الرئيسي للمتحف، ببنائه العريق، وأسقفه العالية، ما دفعنا للتفكير في ما نريد أن نعرضه بالضبط , بداية فكرنا في عرض تراث مناطق لم نعرضها من قبل، مثل مناطق في أفريقيا وجنوب شرقي آسيا، كل تلك الأراضي التي لامستها الحضارة والثقافة الإسلامية , فبالنظر إلى كل تلك المكونات تجد نفسك بصدد حكاية لا تقتصر على الفن الإسلامي فقط.
نقدم تراثًا ماديًا خلف كل قطعة معروضة وقصصًا لأناس عاديين , ما فعلناه هنا هو أن قمنا بدمج قطع من مجموعات مختلفة من مقتنيات المتحف، فهنا نجد قطعًا متفردة من الفن الإسلامي، وأيضًا نجد بعض القطع الأثرية هناك، وأيضًا الفن المعاصر إلى جانب معروضات من النسيج والملابس، مثل تلك التي نعرضها في القاعة الثانية، وهي ملابس تقليدية من اليمن ومن أوزبكستان ومن زمن الدولة العثمانية" , وتتمنى بورتر أن يجد المشاهِد في طريقة العرض هذه ما يشد انتباهه.
خزانات العرض
نجد خزانات العرض قد صممت بشكل أنيق وبسيط، تمتد على خط متواصل في المنتصف لتمثل "العمود الفقري" للعرض كما تقول بورتر، ولكن هناك أيضًا خزانات عرض جانبية أيضًا، فهل هناك مغزى خلف ذلك التنوع في العرض؟ تقول "يبدأ العرض على خط واحد هو العمود الفقري، حيث نعرض قطعًا من الممالك الرئيسية , وحسب طريقة العرض الجديدة فالخزانة تمتد على شكل حرف (L)، حيث يمكن تفحص قطع من إيران على سبيل المثال، ثم بالنظر إلى الجهة المعاكسة من الخزانة نفسها نجد معروضات من مصر من نفس الفترة الزمنية، وبذلك نستطيع رؤية المتشابهات والروابط بين البلدان المختلفة في نفس الفترة".
وتوجد خزانات عرض مختلفة على الجوانب ، تركز على موضوع معين، وتعرض القطع المناسبة لذلك، مثل موضوع «الكتابة» حيث تعرض أدوات متنوعة للكتابة , وعلى سبيل المثال، تعرض خزانة عرض تحمل عنوان «الألعاب» عددًا من رقع لعبة الشطرنج، واحدة من صقلية من القرن الـ12، ثم هناك رقعة من نيجيريا من زمن مختلف , وفي الجزء الأسفل من الخزانة نلاحظ وجود رقعة ألعاب للأطفال، قطعها الرئيسية مصنوعة من القماش، وتمثل مجموعة من الحيوانات , وتشير بورتر إلى أنها تعود لليمن , وتقول أيضًا إن جميع الخزانات الجانبية تخصص قسمها الأسفل لعرض قطع للأطفال، ليستطيعوا النظر إليها عن قرب، ولكي لا يفقدوا الاهتمام خلال جولة أفراد عوائلهم.
تستمر القاعة الداخلية في خط العرض الأساسي، ولكنها تقدم فترات تاريخية تالية تمتد حتى الوقت الحالي، "هنا معروضات من الإمبراطوريات العظمى من العثمانيين إلى الصفويين حتى المغول"، تشير بورتر.
وتضيف "إلى جانب تلك الكتل من القوة، حرصنا على عرض قطع من مناطق أخرى مثل جنوب شرقي آسيا ومن أفريقيا"، فهي تحرص على التأكيد على أن العرض ليس فقط للقطع الفنية، بل يتجاوز الفن؛ ليشمل القطع التي تعكس تراث الملابس والقطع اليومية والنسيج وغيرها، وتتابع "ليس فقط الفن الإسلامي هنا في العرض، بالطبع الفن جزء كبير من العرض، ولكن هنا أيضًا معروضات تروي كثيرًا عن التراث المادي، ليست هناك قطعة أصغر أو أقل من أن تعرض هنا. أمامك على سبيل المثال مجموعة من أغطية جرات الماء من مصر، كانت تستخدم لتنقية المياه من الشوائب، بالنسبة لنا الأمر واضح، فإذا كانت القطعة تروي لنا قصة فهي بالتالي جديرة بالعرض".
القاعة الثانية إضاءة خافتة وفن معاصر
تعتبرالقاعة الداخلية متعة للنظر، فهي تضم خزانات تقدم معروضات من العالم العربي المعاصر، وقطعًا موسيقية حديثة مثل آلات العود والقانون وغيرها , وفي آخر القاعة جدار من لوحات الفنان إدريس خان، وإلى الجانب عمل للفنانة السعودية منال الضويان بعنوان (معلقين سويًا) , إلى جانبها خزانة مخصصة للنسيج والملابس التراثية من اليمن، هذه المساحة وفرت مكانًا لعرض قطع لم يحالفها الحظ في العرض من قبل, ووفق ما تشير بورتر "لدينا نحو 70 قطعة من المنسوجات المماثلة ولم يكن لدينا المساحة لعرضها".
منمنمات ومنسوجات
تشير فاميدة سولمان الخبيرة المشاركة في تنسيق القاعات إلى فرق واضح بين القاعتين الأولى والثانية، فالإضاءة أكثر خفوتًا في القاعة الثانية حيث توجد معروضات حساسة وذات طبيعة خاصة لا تتحمل الإضاءة الشديدة، "نحتاج لمستوى إضاءة منخفض هنا بسبب عرض المنسوجات والرسومات والمنمنمات" , بالنسبة لسولمان، العلاقات المتشابكة بين القطع المختلفة يربط بينها وجودها في ظل حضارات إسلامية، ولكن بعضها لا ينتمي إلى شخصيات إسلامية.
تشرح لنا أكثر "العرض هنا عن العالم الإسلامي، وبالتالي نجد قطعًا من مجتمعات يهودية أو مسيحية حتى هندوسية، فقد يكون صانع القطعة شخصًا واحدًا نفذها بطلب شخص مسلم أو شخص يهودي، وهناك نوع من التماثل بين الطريقة التي كان الناس يرتدون بها ملابسهم، على سبيل المثال , وعمومًا فالغرض من قاعات الفن الإسلامي هنا هو عكس تنوع وثراء العالم الإسلامي".
وتعتمد القاعة الداخلية أيضًا على طريقة عرض تدمج القصص بكل قطعة , وبين الأهمية التاريخية "قسمت المعروضات هنا جغرافيًا، وفي كل خزانة هناك كثير من القصص الشيقة".
هندسة تصميم القاعات واستخدام الإضاءة
يتحدث سنجاي غودري من شركة «ستانتون ويليامز» التي تولت تصميم مساحة العرض عن أهمية تصميم الخزانات بحيث يمكن للزائر تفحص القطع على جانب، ومشاهدة خلفية قطع أخرى موجودة على الجانب الآخر من الخزانة نفسها.
ويؤكد على دور الإضاءة المخفية بإتقان واستخدم ألوان غير لامعة لخلفية وحدات العرض "الطريقة التي صممنا بها الخزانات والحرص على استخدام خلفية بألوان ممتصة للضوء وغير عاكسة تسمح للزائر بالتركيز على القطع بدلًا من أن يتشتت اهتمامه بسبب انعكاس الضوء , وهناك أيضًا بطاقات تعريف بالقطع، حرصنا على وضعها أسفل الخزانات، مع توفير إضاءة خلفها لتصبح سهلة القراءة".
"روشان" نوافذ مكة تلتقي مع نوافذ لندن
ونرى النوافذ المطولة التي يتميز بها البناء الإنجليزي في القرن السابق على جانبي القاعات ، وهي ما يطلق عليها «ساش ويندوز»، لكن تلك النوافذ ترتدي حلة مختلفة في هذا الغاليري الحديث والقديم في آن واحد , فتم إضافة قطعة من الخشب المعشق، الذي كان في "المشربيات" أو ما يعرف بـ«الروشان» في البنايات في منطقة مكة المكرمة , وإذا كانت نوافذ مباني مكة وجدة القديمة قد اندثرت تقريبًا وذهب الزمان بصانعيها فإن الفنان السعودي الشاب أحمد عنقاوي أخذ على عاتقه إعادة إحياء ذلك الإبداع التراثي، فيغزل ظلال النوافذ بقطع الخشب؛ لتتحول بيده إلى قطع من الفن الأصيل، ويعود بنا إلى معمار تقليدي نرى أثره في النوافذ الخشبية حولنا في الصالات.
أتحدث مع عنقاوي بشأن تكليفه بصناعة النوافذ الخشبية على طريقة نوافذ مكة، وأشير إلى أن المقعد الموجود تحت كل نافذة يكاد يماثل تلك المجالس خلف المشربيات، التي كانت النساء في أحياء مكة القديمة يجلسن خلفها , «تماماً» يقول عنقاوي، ويضيف أنه حرص على أن يعمل بيديه لصنع تلك "المشربيات". ويضيف "أردت أن أبين أن الحرفة ما زالت موجودة، فقمت باستخدام الأزميل والعمل مع حرفيين مختلفين في ورشة أقمتها في لندن".
ويؤكد عنقاوي أنه حرص على الدمج بين التراث الإنجليزي والحجازي، مضيفًا "لم أرد أن أحضر شيئا من ثقافتي وأضعه في لندن، فاستوحيت من النوافذ المميزة للبيوت الإنجليزية (ساش ويندوز) وعملت على تلاقح بين الحضارات، ما بين نوافذ لندن ونوافذ مكة , وهذا ما حرص عليه الفنان الإسلامي دائمًا، الذي كان يحترم التراث الموجود ويبنى عليه، وهذا ما فعلته؛ لأن مبنى المتحف البريطاني تقليدي جدًا، فأضفت له نوافذ مصنوعة بحرفة (المنجور) المكية".