القاهرة - فلسطين اليوم
على امتداد الضفة الشرقية لنهر النيل، في محافظة المنيا (جنوب القاهرة)، تقع مدينة «تل العمارنة» الأثرية، شاهدة على فترة تاريخية مهمة من حكم مصر، بمعابدها وقصورها ومقابرها ذات النقوش المميزة، فكانت شاهدة على تغيير عاصمة وديانة المصريين.
اختار الملك إخناتون (أمنحوتب الرابع) مدينة تل العمارنة لتكون عاصمة البلاد، بدلاً من منف في الشمال، وطيبة في الجنوب، وحكمت مصر من تل العمارنة قبل نحو 3300 سنة، ولمدة تقترب من 18 عاماً؛ حيث أنشأ إخناتون المدينة عام 1370 قبل الميلاد لتكون مقراً لعبادة إله الشمس، وكانت تسمى بـ«آخت - آتون»، أو «أخيتاتون» أي «أفق آتون - قرص الشمس»، ليجعل المدينة رمزاً للثورة الدينية.
الدكتور الحسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، قال ، إن «إخناتون حكم مصر لمدة 18 عاماً، بينها 6 في طيبة، قبل أن ينتقل إلى تل العمارنة، التي اختارها، لأنها مكان لم يدنسه إله من قبل، أو لم يعبد فيه إله من قبل، ولأنها بعيدة عن طيبة عاصمة الإله آمون، وكان إخناتون يسعى لتغيير الديانة إلى عبادة الشمس، والحد من سيطرة دولة آمون»، مشيراً إلى أن «المدينة كانت تعد انقلاباً على كل التقاليد القديمة، في الديانة والفن، حتى النقوش؛ حيث عثر فيها على نقوش غير تقليدية للملك إخناتون والملكة نفرتيتي». وأضاف عبد البصير أن «المدينة تضم معابد للإله آتون، وقصراً لإخناتون، ومن أشهر آثارها أناشيد إخناتون، ولوحات الحدود، التي نقش عليها مناجاة إخناتون لربه»، مشيراً إلى أن «إخناتون لم يخرج من المدينة، وهو ما أضعف سيطرة مصر على بعض الدول في الشرق».
وتضم مدينة تل العمارنة قصرين ملكيين (القصر الشمالي والقصر الجنوبي)، ومعابد آتون ومنازل للنبلاء وقرية للحرفيين، ومقبرة الملكة، التي تقع في الشمال الشرقي من المدينة، إضافة إلى 25 من مقابر كبار موظفي الدولة، تنقسم إلى مجموعتين (شمالية، وجنوبية)، ورسم إخناتون حدود المدينة بـ14 لوحـة تعرف باسم «لوحـات الحـدود»، وعثر في المدينة الأثرية على رسائل تل العمارنة.
الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، قال إن «مدينة تل العمارنة تضم 25 مقبرة صخرية، تنقسم إلى مجموعتين في الشمال والجنوب، إضافة إلى المقبرة الملكية»، مشيراً إلى أن «مقابر الشمال تخص بعض موظفي الدولة في عهد إخناتون، وتحمل الأرقام من 1 إلى 6».
وعلى جدران مقابر الشمال توجد مجموعة من النقوش والرسومات المميزة، من بينها نشيد إخناتون، ومشاهد لعبادة الأسرة الملكية للإله آتون، وزيارة المعبد، ومنح المكافآت للموظفين.
وقال وزيري إن «مقبرة (مري رع الأول) رقم 4. ومقبرة (بانحسي) رقم 6. هما أهم مقابر المنطقة»، موضحاً أن «مري رع الأول هو الكاهن الأعظم لآتون، والكاتب الملكي، وحامل المروحة على يمين الملك، وحامل أختام الوجه البحري، وتتكون مقبرته من مدخل يؤدي إلى حجرة انتظار، ثم مدخل يؤدي إلى الحجرة الأولى، المرتكزة على 4 أعمدة، لم يتبق منها سوى عمودين على شكل حزمة البردي على اليمين، وتؤدي هذه الحجرة إلى مدخل آخر يقود إلى الحجرة الثانية والمقصورة غير المكتملة».
وأضاف وزيري أن «نقوش مقابر تل العمارنة تبين أن إخناتون لم يُقدم نفسه باعتباره ابناً للإله، وإنما جعل الشمس (الإله) ترسل أشعتها إليه، وطاقتها غير المرئية، التي من خلالها يمنح إخناتون الحياة للناس».
وعلى أحد جدران مقبرة «مري رع الأول» يوجد منظر يصور العائلة الملكية أثناء زيارة معبد آتون، ومشهد آخر لإخناتون وزوجته نفرتيتي، يقود كل منهما عربة منفصلة، وخلفهم الأميرات الأربعة، وهم عنخ إس أن با آتون، ونفر نفرو أتون، ومريت آتون، ومكت آتون، محاطين بالعجلات الحربية، والجنود وحاملي المراوح، والكهنة، ومجموعات من الشعب، وبعض الثيران للتضحية، إضافة إلى منظر لفرقة موسيقية من العميان، تتكون من عازف عود و7 منشدين.
وقال وزيري إن «بانحسي صاحب المقبرة رقم 6 كان الكاهن الثاني، ورئيس خدم آتون، وخادم سيد الأرضين نفر - خبرو - رع، والمشرف على مخازن الغلال، والمشرف على ماشية آتون، وبنيت مقبرته على غرار المقبرة رقم واحد، وتضم مشاهد تقديم القرابين للإله آتون».
ويعتبر تمثال الملكة نفرتيتي، الموجود في متحف برلين، أحد أشهر الآثار المكتشفة في «تل العمارنة»؛ حيث عثر عليه عالم الآثار الألماني لودفيج بورشارت عام 1912 في ورشة «تحتمس» نحات الملك إخناتون، وقال عبد البصير إن «التمثال كان نموذجاً يُعلم عليه الفنان تحتمس تلاميذه، فهو عمل فني غير مكتمل».
وقد يهمك أيضًا
:دراسة أثرية ترصد معالم مقابر وقصور ومعابد تل العمارنة في المنيا