الفنانة التشكيلية المصرية أميمة السيسي

وصف المثل العربي «يده تتلفّ في حرير»، الإنسان شديد المهارة، مشبهًا يده كأنها جوهرة يجب لفها بالحرير للحفاظ عليها. وهذا ما أرادت الفنانة التشكيلية المصرية أميمة السيسي، أن تنقله عبر لوحات معرضها الرمضاني «إيدين تتلفّ في حرير»، الذي يأتي في أجواء تسودها العزلة بسبب وباء «كورونا»، لتصف مهارة العامل وبراعة الحرفي المصري في مختلف الصناعات الفلكلورية والحرف التقليدية، وكيف تمتد بصماتهم إلى شهر رمضان، مع خلق الشهر وانطباع روحه على بعض الحرف الرمضانية الصامدة عبر الزمان، فتتجلّى من خلالها ملامح الهوية المصرية.

ويسلط المعرض الافتراضي الضوء على الأيدي الماهرة لأصحاب الحرف الرمضانية المصرية، مثل الكنفاني (صانع الكنافة)، وفناني الخيامية التي تزدهر أقمشتهم كقطع ديكورية خلال الشهر، إلى جانب استعراض المنتجات التي تخرج من تحت أيدي حرفيين آخرين من نحاس وفخار وخوص ومشغولات ذهبية، التي ترتبط بالشهر وغيره.

عن تيمة الحرف التقليدية، تقول صاحبة المعرض: «أكثر ما يشغلني بشكل شخصي كفنانة هو جوهر الحياة المصرية بكل ما فيها من عراقة وتراث حضاري متأصل في الإنسان المصري، ولطالما جذبتني الحرف والصناعات اليدوية المصرية بكل ما تحمله من تفرد وروعة في التصميم والتنفيذ، فشعرت أنّ من واجبي أن أسلّط عليها الضوء وعلى الحرفيين والصّناع الذين يبدعون بكل مهارة وإبداع».

تختار أميمة السيسي أبطال لوحاتها بالمعايشة وزيارة الأماكن التي يعملون بها؛ ففي إحدى اللوحات نرى «الأسطى صابر» في سوق خان الخليلي بقلب القاهرة، وهو يقوم بـ«تكفيت» النحاس بيديه بكل صبر ودقة، وفي لوحة أخرى «عم جرجس» في سوق الخيامية وهو يخيط الأقمشة بيديه بكل مهارة وإتقان، ونرى «المعلم عصام» في منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة، وهو يعمل بيديه القويتين في مصبغة للخيوط الصوف، والكنفاني في كل أنحاء مصر خلال شهر رمضان، كما تمتد المعايشة لمناطق أخرى، حيث تنقل صناعة الفخار في الأقصر، وأيدي سيدات واحة سيوة وهن يقمن بتطريز ثوب العروسة بخيوط الحرير، والنساء العاملات في صناعة المشغولات اليدوية في ريف الدلتا المصرية.

وراء هذه الحرف توجد حكايات حاولت اللوحات أيضاً التعبير عنها، تقول أميمة السيسي: «من حديثي مع الكثير من الحرفيين والصناع اكتشفت أن هناك حكايات عديدة ومختلفة وراء كل منهم، فمنهم من ورث الحرفة عن أبيه وجده، ومنهم من يمارس الصنعة ولكن لديه أحلام أخرى ويقوم بالدراسة إلى جانب عمله حتى يطوّر من نفسه وحرفته، ومنهم من بدأ في الحرفة صبياً وتعلم الصنعة بالتدريج داخل الورش الخاصة بها، مثل لوحة السيدة التي تخيط بيديها السجاد وإلى جوارها ابنتها التي تتعلم الصنعة منها».

وترى أنّه «رغم هذا الاختلاف، يظل الشيء المشترك بينهم جميعاً أنهم يعملون بكل حرفية وإتقان، وتخرج أعمال ومشغولات رائعة من تحت أيديهم التي تُلف في حرير، وتنطبع عليها روحهم التي حفظت هذه الحرف من الاندثار». في اللوحات كافة تركز الفنانة على مفردات فنية بعينها، فهي تحاول التركيز على التلاحم بين طبيعة الحرفة والمواصفات الجسدية للحرفي، بحيث تكون مناسبة من حيث قوة الأيدي والأذرع.

كما ركزت على أن تكون البيئة المحيطة بكل حرفي أو صانع واقعية وملائمة لطبيعة عمله، إلى جانب عدم إهمال الأدوات اللازمة لطبيعة كل حرفة، تعرض الفنانة المصرية 40 لوحة زيتية على كانفاس. وعن اختيار ألوانها تقول: «أنا من عشاق الألوان الزيتية، وقد حرصت على التعامل مع سطح اللوحة بعلاقات لونية متنوعة، حيث اخترت الألوان المليئة بالحياة لتعبر عن الحيوية والحركة، وحرصت على أن تكون ألوان كل لوحة معبرة عن الحرفة المقدمة، فمثلاً في لوحة صانع الفخار استخدمت لون الطين وأعطيت الإحساس كأن الطين بارز وكثيف وهو يغطي يدي الصانع، أما في لوحة خياّط الخيامية فاخترت الألوان المبهجة والساخنة مثل البرتقالي والأحمر والأزرق، والتي يتميز بها قماش الخيامية، كما اخترت الألوان الزاهية لملابس الفتيات اللاتي يقمن بنسج السجاد على النول بأيديهن».

قد يهمك أيضا :

طقوس المسحّراتي التاريخية "بلا روح" في ظل "كورونا"

  فتاة أفغانية تتحدى الإعاقة وترسم لوحات فنية بفمها