تونس - حياة الغانمي
بدأ تاريخ الشاشية التونسية في القيروان عاصمة الدولة الأغلبية، مع وصول الجيوش الإسلامية الفاتحة، الذين كان بين عناصرها فرسان من مدينة شاش من الفرس مرتدية الشاشية، وقد تكونت الشاشية القيروانية بمواصفات لا نعرفها في سوق بجوار المسجد الأكبر مسجد عقبة ابن نافع، وبقيت هناك مدة طويلة.
وهاجر لأسباب إقتصادية وسياسية بعض أهل القيروان، من ضمنهم صانعو الشاشية متجهين نحو مدينة فاس في المغرب أين تكونت نواة لصنع الشاشية المغربية، والتي سميت باسم المدينة، بينما اتجه البعض الآخر من صانعي الشاشية القيروانية، إلى بلاد الأندلس أين وجدوا "البيريه الباسكي"، الذي وقعت عملية تزاوج بينه وبين الشاشية القيروانية، فولدت الشاشية الأندلسية والتي ازدهرت صناعتها وانتشرت في كامل ربوع الأندلس، وبقيت قرونًا إلى غاية القرن الحادي عشر هجري، الموافق القرن السابع عشر ميلادي، حين أطرد المسلمين من الأندلس متجهين إلى الشمال الأفريقي بينهم صناع الشاشية الذين توجهوا إلى مدينة تونس، أين ساعدهم داي تونس على إقامة أسواق هناك وازدهرت صناعة الشاشية في تونس وانتشرت منها وكثر لابسوها، في كل أرجاء الأقطار التي كانت تحت لواء الحكم العثماني، ورغم تشجيعات الدولة للنهوض بقطاع الصناعات التقليدية، والتعريف بها خارجيًا وحث التونسيين على الإقبال عليها من خلال الحملات الدعائية، عبر وسائل الإعلام وتخصيص شهر مارس/آذار، كشهر خاص بالتراث تبقى هذه الصناعة شأنها شأن غيرها من الصناعات التقليدية الأخرى تترنح من حين لآخر، ويشكو أغلب أصحابها من شح الطلب ويبقى التصدير هو الحل الأنسب الذي ساهم في صمود هذا القطاع المحلي الذي يشهد إقبالا كبيرا في الخارج.
كما تراهن تونس على جودة منتجاتها التقليدية، لتصمد أمام المنافسات الدول الشقيقة، فالشاشية التي كانت في ما مضى تزين رؤوس التونسيين، حلقت بعيدًا نحو بلدان أفريقية مجاورة، تقبل بشكل كبير على ارتداء هذا الزي التقليدي العريق، ووسط المدينة العتيقة بالعاصمة يكابد بضعة تجار للحفاظ على حرفة تقليدية تصارع الزمن للبقاء حيّة، رغم أن أغلبية التونسيين قلّما يرتدون الشاشية التي تمثل جزءا مهما من تقاليدهم في الملبس.
في سوق الشواشين المقابل لجامع حمودة باشا، رضخت بضعة حوانيت لعصف التاريخ لتغلق أبوابها نتيجة قلة الحرفاء والسياح، فيما يخوض بعضهم الآخر معركة الرمق الأخير للحفاظ على صنعة توارثوها عن أجدادهم.
وكان في حوالي مليون تونسي يرتدون الشاشيّة زمن فترة الحكم البورقيبي وما قبله، وكان التونسيّون "يعيّرون"(يشتمون) من تخلّى عن لبس الشاشيّة وهي من الأمثال الشعبيّة المتداولة في تونس في ذلك الوقت، "لا يلبس الشاشيّة إلاّ من عرف قيمتها"، هكذا يشيد صناع الشاشية على القيمة الجماليّة والتقليديّة لمن تعوّدوا على لباسها، ورغم أنّ سوق "الشواشين" يعتبر واجهة شعبيّة لزوّار المدينة العتيقة، إلاّ أنّ زوّار دكاكين بيع الشاشيّة قليلون و يعدّون بأصابع اليد الواحدة، وكلّما تقدّم التونسي في السن حنّ إلى لباس الشاشيّة، أمّا البقيّة فيلبسونها فقط في مناسبات عائليّة .