رجل من القدماء المصريين

كشف مسح مومياء مصرية عمرها 3500 عام، عن إصابة صاحبها بأمراض القلب التي عادة ما توصف باعتبارها من الأمراض الحديثة بسبب أنماط الحياة المختلفة وتناول الأغذية عالية الدهون، وعُثر على الرأس والرئتين لرجل من القدماء المصريين عمل مشرفا على إسطبلات الخيل في مقبرة في مدينة الأقصر، وأظهر مسح هذه الأجزاء إصابة الرجل بأمراض القلب والأوعية الدموية التي يعاني منها عدد كبير من المرضى حديثا.



ويمكن القول أن هذا الاكتشاف يعد أقدم حالة من نوعها من مرض قصور القلب المزمن، وبنيت النتائج وفقا للعمل على المومياوات المصرية الأخرى التي  كشفت عن انتشار أمراض القلب والأعراض المصاحبة لها في المجتمع القديم، حيث ذُكرت أمراض القلب والترسبات الدهنية في الشرايين عام 2008 في مومياء الملك مرنبتاح الذي حكم حوالي 3200 عام، كما أظهرت عمليات الفحص اللاحقة للمومياوات المصرية في المتحف المصري للآثار علامات واضحة من تراكم الدهون فيما يعرف باسم " تصلب الشرايين"، وعلى الرغم من قوة وغنى القدماء المصريين إلا أن نمط حياتهم على ما يبدو كان سببا لمشاكلهم الصحية.

وتمثل هذه النتائج تحديا كبيرا للعديد من المعتقدات حول أمراض القلب، حيث ثبت أنها ليست من الأمراض الحديثة لكنها أمراض أصابت البشر منذ آلاف السنين، واستخدم العلماء في جامعة "تورينو" شكلًا ثلاثيًا الأبعاد لرأس الرجل المحنطة واكتشفوا أنه كان يعاني من أمراض اللثة الشديدة، بالإضافة إلى تصلب شرايين القلب في الجهة اليمنى، كما أوضح المسح الذي جرى على أنسجة الرئة وجود العديد من الحويصلات الهوائية.

وكشفت أستاذ الأنثروبولوجيا الطبية في جامعة "تورينو" رافاييلا بيانوتشي، والتي قدمت هذه النتائج في المؤتمر الدولي لعلماء المصريات في فلورنسا "كان الرجل في مرحلة منتصف العمل ما بين 45 إلى 60 عامًا، وعند وفاته كان يعاني من أمراض اللثة الشديدة، وهناك أدلة على تكدس الدهون في الشريان السباتي الأيمن الداخلي، ويمكن القول أن الرجل المصري توفي نتيجة فشل حاد في القلب بعد أن شهد قصورًا مزمنًا في القلب".
ويعتقد أن الرجل المصري القديم كان عضوا من النخبة المصرية وشغل منصب رئيس إسطبلات للخيل في عهد الملك تحتمس الثالث وهو فرعون من الأسرة الثامنة عشر في مصر القديمة، واكتشفت رفات الرجل في وادي الملكات في الأقصر في عام 1904، وبعد نهب مقبرته لم يتبقى سوى رأسه والوعاء الكانوي الذي حمل بقية أعضائه.

واستخدم فريق الباحثين الذي ضم خبراء من جامعة "نيويورك" وجامعة "ميونخ" تقنية التصوير المقطعي لعمل نموذج ثلاثي الأبعاد من جمجمة الرجل المحنطة، وأظهر المسح الذي جرى للرئتين تجمعات من الخلايا عادة ما تظهر في حالة فشل القلب فضلا عن الأزمة الرئوية حيث تتراكم السوائل في الرئتين.

وكشفت الدكتورة بيانوتشي في حديثها لـ"ديسكفري نيوز"، أن "هذه النتائج تمثل أقدم دليل على قصور القلب المزمن في بقايا المومياء المحنطة، ومن خلال تحليل محتوى الوعاء الكانوبي يمكننا تحديد ما إذا كان هذا المرض أكثر شيوعا لدى أجدادنا أم أنه زاد انتشاره في العصر الحديث".

وأضافت بيانوتشي في حديثها لجريدة "ميل أولاين"، أنه  "على الأرجح فإن أمراض القلب لها أصول قديمة مثل البشر، ومن وجهة النظر العلمية تعد هذه الحالة مهمة للغاية لأنها تسمح لنا بمتابعة مسار المرض حتى وفاة الشخص نتيجة غياب العلاج الكيميائي أو الجراحة، ولا تزال هناك حاجة إلى مزيد من البحوث لتقديم معلومات بشأن مدى انتشار ارتفاع ضغط الدم في مصر القديمة والاستعداد الوراثي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، فلا تزال هذه المعلومات غير معروفة".

وذكرت عالمة المصريات في جامعة "نيويورك" البروفيسور جوان فليتش التي شاركت أيضا في الدراسة أن "ما تبقى من جثة الرجل المحنط هي أجزاء ضئيلة جدا، حيث كسر جسده عند نهب مقبرته في العصور القديمة، ولذلك لم يكتشف العلماء سوى أشياء قليلة ترتبط بما وجوده في المقبرة ممثلا في رأسه والوعاء الكانوبي الذي احتوى أعضائه الداخلية التي أزيلت أثناء التحنيط، ومع ذلك ظلت رأسه في حالة ممتازة، ما يشير إلى جودة التحنيط، ونظرا لوجود الوعاء الكانوبي مكسورًا بالفعل فاستطعنا الوصول إلى الأعضاء الداخلية وأخذ عينة دقيقة منها لفحصها".