شارع المتنبي

يقع شارع المتنبي المُعطر برائحة التاريخ، على الضفة الشرقية من نهر دجلة وسط العاصمة العراقية، بغداد، وبالقرب من منطقة الميدان وشارع الرشيد، ويوصَف بشارع الكلمة والثقافة لأهل بغداد للاجتماع فيه صباح كل جمعة، وتنتشر على ضفتيه الكتب، التي تتوسَّد الأرصفة وتشغل عيون المارة بعناوينها المختلفة، من "الكامل" لابن الأثير، إلى "شرح النسبية" لآينتشين، و"اللا منتمي" لكولن ويلسون، و"الدوامة" لسارتر، و"تاريخ الوزارات العراقية" لعبدالرزاق الحسني.

ولم يعد شارع المتنبي شارعًا لبيع الكُتب فحسب، بل هو الآن شارع تُقام فيه تظاهرات، ولقاءات، وبرامج تلفزيونية، وحملات مدنية، ونشاطات اجتماعية، وسياسيون يروجون لأنفسهم، ومجموعات مصورين فوتوغرافيين، وتعرض في 5 آذار/ مارس 2007 لتفجير سيارة ملغمة راح ضحيتها 30 شخصًا، وفقد صاحب مقهى الشاهبندر أولاده الخمسة ضمن ضحايا التفجير، والتي تُعد من المقاهي البارزة في بغداد، بالإضافة إلى تدمير أقدم مكتبة في الشارع "المكتب العصرية" التي يعود تأريخ تأسيسها إلى العام 1908.

ويعود تأريخ الشارع إلى العصر العباسي في القرن التاسع، عندما كان مكانًا للتأليف والترجمة، وفي بداية القرن العشرين، بدأ الشارع بالازدهار وراج فيه بيع الكُتب والتبادل الثقافي بين رواده، ومنذ ذلك الوقت أصبح مركزًا أساسيًّا للباحثين وأساتذة الجامعات والقراء، ومنع أثناء فترة حُكم الرئيس الراحل صدام حسين للعراق تداول بعض الكُتب خاصة الدينية والماركسية، وشدِّدت المراقبة الكبيرة على الكُتب والقراء وبائعيها، ولم تعد الحركة في الشارع رائجة، كما تعد ساعة "القشلة "من أبرز معالم الشارع التي كانت قبل قرون "المدرسة الموفقية"، ومعنى "القشلة" الثكنة العسكرية، أو ثكنة الجنود، بحسب اللغة العثمانية حينها.

وذكر المخرج صفاء الياسري: أرى في شارع المتنبي تاريخ حضارة العراق مكتوبة ومنقوشة على صفحات الكتب؛ لما يمثله من نتاجات المفكر العراقي على مر العصور، وفي تسعينات القرن الماضي وبعد أن اشتد الحصار الذي فرض على العراقيين اضطر المثقف العراقي إلى بيع ما يمتلك من كتب قيمة ونادرة ليعيل أسرته، وأقصد بالمثقف العراقي الذي لم يقف على باب السلطان ليمجده ويثني عليه لينال نصيب من أموال أغدقت على من باع فكره وقلمه للسلطان، وخلال هذه الفترة كان شارع المتنبي يعج بالفنانين والمثقفين وانتشرت ظاهرة الحضور الأسبوعي إلى السوق يوم الجمعة، وأرى في شارع المتنبي مدينة تراثية وثقافية بكل ما تعنيه هذه الكلمة وعلى الحكومة الاهتمام به وتأهيله.

وأوضح الصحافي عطيل الجفال: شارع المتنبي ملتقى الأدباء والشعراء والمثقفين والفنانين والإعلاميين العراقيين من مختلف الأفكار والثقافات التي يحملونها فتجد الإسلامي واللييرالي والماركسي، وفي مقهى الشاندر تعلو الأصوات كل يدافع عن آرائه وأفكاره إلا أنهم يتخذون من القول "اختلاف الآراء لا يفسد في الود قضية".

وأضاف الجفال: أتمنى أن تهتم الحكومة بهذا الشارع من خلال إنشاء دور للعرض السينمائي لعرض أحدث الأفلام العالمية أو متحف لعرض آثار العراق على مختلف العصور، بالإضافة إلى معارض للفنانين لعرض لوحاتهم، أحلام المثقفين العراقيين كثيرة ولكن هل تحقق الدولة ولو جزء من أحلامهم لأنها تضع هذه الأحلام في آخر سلالم أولوياتها بسبب الوضع الأمني المتدهور، فضلاً عن تكلفة الحرب ضد "داعش" المتطرف والفساد المالي والإداري الذي يمارس بتفنن في مؤسسات الدولة كافة.

وتحدث محمد هاشم الأمين وهو مهندس نفط في مصفى الدورة في بغداد قائلاً: أخذت من والدي عشقي للكتب فهو يمتلك أضخم مكتبة تضم الكثير من كتب تاريخ العراق القديم والحديث فضلاً عن أمهات الكتب النادرة، في دارنا يأتي أصدقاء والدي من المقثفين والكتاب فضلاً عن الباحثين وطلاب الدراسات العليا ليستعيروا من والدي الكتب التي يحتاجونها في بحوثهم ودراستهم، شارع المتنبي يمثل رمزًا للثقافة العراقية ومركز استقطاب لعشاق الكلمة والمعرفة وصار محجتهم للالتقاء والحوار واقتناء الكتب، يوم الجمعة من الأيام التي أحرص فيها على الحضور إليه لاقتناء كتب جديدة أو تبادل واستعارة أخرى من أصدقاء لي في هذا الشارع.

ورأى الأمين أن الحضور المتميز والدائم للصحافيين والفنانين والمثقفين والمواطنين كل يوم جمعة ما هو إلا دليل على أن الثقافة العراقية مازالت بخير ويعيد إلى الأذهان الأمجاد والثقافة التي كانت تتمتع بها تلك الفترة الزمنية، التي لن تعاد إلا بإصرار وعزيمة أبناء البلد وشبابه، الذين يقف العالم إجلالاً واحترامًا لبطولاتهم سواءً الثقافية أو على أرض المعارك.

وأضاف الإعلامي لؤي الصالح: وجود المثقف العراقي يعطي للشارع لونًا وبريقًا يختلف تمامًا عن باقي شوارع بغداد، فنحن نعد المتنبي مصدر الالتقاء الأسبوعي الذي غاب عن المشهد لفترات عدة؛ بسبب الحروب التي مرت على البلاد والتي أقصت غالبية الذين كان الوطن ينعم بحسهم المرهف وغيبت عن الحياة بعضهم الآخر، وسيكون شارع المتنبي في كل محافظة عراقية، لكي تتلاقح فيه الآراء وتبرز فيه النشاطات من أجل تعميم لغة التطور والفكر والثقافة، التي تحتاج إعادة هكيلة من جديد، من أجل الإعلاء على صوت الدم والسلاح والتطرف، شارع المتنبي بالنسبة إليّ ولكثيرين هو ملتقى للأصدقاء وشراء الكتب وقضاء وقت جميل على ضفاف نهر دجلة، والكتب الموجودة في السوق تباع بأسعار رخيصة مقارنة بالمكتبات في بقية المناطق.