غزة ـ علياء بدر
يعد "حمام السمرة" أحد أهم المعالم الأثرية العثمانية في فلسطين, يقع في حي الزيتون في البلدة القديمة في مدينة غزة، ويُعتبر أحد النماذج الرائعة للحمامات العثمانية في البلاد, وهو الوحيد الباقي حتى الآن.
ويعود تاريخ بناؤه إلى عام (700هـ – 1300م)، واستمر العمل به وتم تجديده خلال عهد الحكم العثماني, وسمي بهذا الاسم نسبة إلى مجموعة (طائفة اليهود السامريين) الذين عملوا به مدة من الزمن ويقال أنهم تملكوه بعد مدة فسمي حمام السمرة على اسمهم, ثم باعوه وانتقلوا للعيش في نابلس، وانتهى به الأمر إلى (آل رضوان) خلال العصر العثماني.
تتجسد في هذا الحمام روعة التخطيط والبناء المعماري المتكامل, حيث الانتقال التدريجي من الغرفة الساخنة إلى الغرفة الدافئة إلى الغرفة الباردة والتي سقفت بقبة ذات فتحات مستديرة معشقة بالزجاج الملون يسمح لأشعة الشمس من النفاذ لإضاءة القاعة بضوء طبيعي يضفي على المكان رونقاً وجمالاً هذا بالإضافة إلى الأرضية الجميلة التي رصفت بمداور رخامية ومربعات ومثلثات ذات ألوان متنوعة.
ويمكن الدخول إلى الحمام عبر مدخل خارجي يؤدي إلى ممر يشبه الدهليز معقود بعقد صف برميلي، يقود إلى قاعة تحتوي على فسقية (نافورة) مثمنة الشكل تستخدم للماء البارد، وتُحيطها أربعة إيوانات.
وسقف القاعة عبارة عن قبة ذات فتحات مستديرة معشقة بالزجاج الملون ليسمح لأشعة الشمس من النفاذ، وتلك القاعة متصلة بباقي غرف الحمام، منها غرفة صغيرة لخلع الملابس، ثم غرفة واسعة للاستحمام وهي ذات جو مُشبع بالبخار تتألف من أربع خلوات صغيرة، يحيطها من الجانب الغربي أحواض رخامية قديمة يغترف منها المستحمون الماء الساخن، وفي إحدى زواياها غرفة صغيرة بها المغطس.
ولـ"حمام السمرة" فوائد صحية كثيرة، إذ يوضح القائمون عليه أنَّ درجة حرارة المياه الساخنة والبخار وعملية التدليك، كلها عوامل تساهم في علاج معظم الأمراض العصبية والعضوية الخاصة بالمفاصل، وتقلص العضلات، فضلاً عن أوجاع الظهر، ومرض الربو، وتنشيط الدورة الدموية. لاسيما أنَّ العلاج يعتمد بدرجة أولى على تسخين المياه في الصنابير والمغطس والساحة والجُدران الرخامية في غرف الحمام, ومازال الخشب هو أساس الطريقة التقليدية القديمة في عملية التسخين.
وبيَّن المؤرخ المختص في علم الآثار والمواقع الأثرية، سليم المبيض، أنَّ الناس في غزة اعتادوا علي لقب حمام السمرة بفتح السين، ولكن أصل التسمية بضم السين والميم (السُمُرة) نسبة إلي سامراء والسامرين من اليهود حيث قديما كان يأنف المسلمون من العمل في الحمام من تغسيل وتدليك الناس بينما كان يهود سامراء لا مانع لديهم من العمل في ذلك الحمام فسمي الحمام نسبة لهم ليس لملكيتهم له ولكن لكونهم كان يعملون بداخله, ولكن حاليا تجد الناس سهولة في لفظه بحمام السمرة كما هو متداول بين الجميع.
وحول أسباب تشييد الحمامات العامة في الحقب التاريخية المختلفة، أوضح المبيض أنَّ "إنشاء حمام السمرة أو الحمامات الأخرى في الفترة العربية والإسلامية كان مصدرًا لثراء العديد من القادرين والأغنياء سواء أكانوا من الأمراء أو السلاطين الذين بادروا جميعا في بنائها لما تدره من دخل وأموال وفيرة, لذا تنوعت في حجمها المعماري, فمنها ما كان صغيرا ومنها المتسع الرحب، وكانت جميعا تبني بالحجر الرخامي الذي يقاوم رطوبة الماء المستمرة.
ورغم صغر مساحة حمام السمرة وبساطته إلا أنه يأخذك إلي عالم آخر في الزمن القديم، ولذلك يحرص كثير من الناس على زيارته واستخدامه بين الحين والآخر رغم انتشار الحمامات الحديثة في النوادي ومراكز الألعاب الرياضية.