أحد البيوت الخشبية الصغيرة المٌبتكرة في غزة

بدأ يوسف أبو شريتح، على تلّة صغيرة تقع بالقرب من الحدود الشرقية التي تفصل شمال قطاع غزة عن الجانب المحتل عام 48، بتجميع قطع خشبية مُستعملة، مستطيلة الشكل، ووضعها جانب بعضها البعض، وتثبيتها بمسامير حديدية، لتشكيل بيت هرميّ صغير. وانتشرت البيوت الخشبية الصغيرة التي صنّعها أبو شريتح (33 عامًا)، والتي يندر وجودها في قطاع غزة، من مواد بسيطة، في منطقة "الشعث"، التي دمّرت الطائرات الإسرائيليّة معظم منازل المواطنين فيها، أثناء العدوان الأخير.
وحوّل المواطن أبو شريتح، بتلك البيوت، منطقة "الشعث"، بطابعها "البدويّ"، ومساكنها المسقوفة بألواح الصفيح والقماش، كبديل عن المنازل المدمّرة، إلى منطقة أكثر تحضّرًا بتلك البيوت الخشبية، ذات الشكل الهرميّ، وأطلق عليها اسم "حيّ إسطنبول الجديد".

وأشار أبو شريتح إلى أنّه "بدأ بتنفيذ تلك الفكرة، بعد أن جرّبها في منزله، الواقع في بلدة جباليا، شمال قطاع غزة، ولاقت إعجابًاً لدى السكان"، مبرزًا أنهم "طلبوا منه تصميم غرف خشبية وبيوت أخرى".
ورأى أنّ "البيوت الخشبية في قطاع غزة، تعتبر بديلاً جيدًا لأصحاب المنازل المدمّرة، لاسيما في ضوء التأخر في إعادة إعمار منازلهم، ودخول فصل الشتاء".

وأوضح أنَّ "البيوت الخشبية، بتكلفتها المنخفضة، تتحدى الحصار الإسرائيلي المفروض للعام الثامن على التوالي على القطاع، إذ قفزت فوق منع وتأخر إدخال مواد البناء لإعادة إعمار القطاع، لاسيما مادة الأسمنت".
ويستغلّ أبو شريتح الصناديق الخشبية المستعملة في نقل البضائع، والتي تخلّص منها أصحابها، في إنشاء المنازل الخشبية، كما يعيد استخدام القطع الخشبية الناتجة عن المناطق التي دمّرها الجيش الإسرائيلي أثناء الحرب.

وتبلغ تكلفة البيت الخشبي الصغير، المكّون من غرفتين حوالي ألف دولار أميركي، حسب ما ذكر أبو شريتح، مشيرًا إلى أنَّ "تلك التكلفة تعتبر منخفضةً جدًا بالمقارنة مع إنشاء بيت مماثل له من الحجارة والأسمنت".
وبيّن أبو شريتح، أن الغزيين، أصحاب المنازل المدمّرة، أقبلوا على فكرة إنشاء المنازل الخشبية، لتؤويهم في فصل الشتاء، لاسيما أنَّ مشاريع إعادة الإعمار لم تبدأ حتى هذه اللحظة.

وتابع "فكرة المنازل الخشبية لاقت إقبالاً جيدًا عند الغزيين، لأنها باردة صيفًا، ودافئة شتاء، إذ أغلّف الخشب بقطع من الجلد الخارجي، كي تحميه من تسرب المياه أو الهواء".
ولفت أبو شريتح إلى أنَّ "المنازل الخشبية بفكرتها البسيطة، أفضل من الكرفانات الحديدية (البيوت المتنقلة) التي أبدت هشاشتها، أثناء المنخفض الأخير الذي شهده قطاع غزة، إذ غرقت عشرات الكرفانات الواقعة في المناطق المتضررة جراء العدوان".

وأردف "الخشب مادة عازلة، ففي الشتاء لا تشكّل البيوت الخشبية خطرًا على حياة السكان، وعلى خلاف مواد البناء ومادة الأسمنت، فإن الخشب المستخدم في الصناعات الإنشائية، يدخل عبر معبر كرم أبو سالم التجاري دون أيّة مشاكل".
وأطلق أبو شريتح اسم "حي إسطنبول الجديد" على المنطقة التي أعاد إعمار بعض منازل سكانها المدمّرة، بالبيوت الخشبية، بسبب المنظر العام للتلة التي تحوي تلك البيوت، إذ تشبه بشعبيتها وتلقائيتها المنازل الخشبية في مدينة إسطنبول التركية.

وأضاف "العشرات من أصحاب المنازل المدمّرة، طلبوا امتلاك بيوت خشبية مماثلة، على حسابهم الخاص"، مشيرًا إلى أنَّ "فكرة المنازل الخشبية لم يتم تبنيها من طرف جهة خيرية أو حكومية حتى اللحظة".
وسمحت سلطات الاحتلال بدخول دفعتين من مواد البناء إلى غزة، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عبر معبر كرم أبو سالم جنوب القطاع (المنفذ التجاري الوحيد لغزة)، تضم 101 شاحنة محملة بالأسمنت والحديد وحصى البناء.

وبدأت وزارة الأشغال العامة والإسكان، الخميس الماضي، بتوزيع كميات من الأسمنت اللازم لإعادة إعمار المنازل المدمرة جزئيًا جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وفقًا لآلية الأمم المتحدة.
وفي السياق ذاته، أعلن مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية ماهر الطباع، في بيان صحافي أنّ "إعمار قطاع غزة يحتاج إلى إدخال 400 شاحنة يوميًا من مواد البناء"، مؤكدًا أنّ "مواد البناء التي دخلت إلى القطاع أخيرًا لا تمثل سوى 18% من الاحتياج اليومي".