واشنطن ـ يوسف مكي
كشف الطفل بشر العائد إلى والدته بعد ثلاثة أشهر أمضاها بين معسكرات "العكيرشي وأسامة بن لادن وأشبال الخلافة وأشبال الزرقاوي" لتجنيد الأطفال واليافعين في الرقة من أجل تنظيم "داعش"، عن تلقيه دروسًا في العقيدة والقتال وتدريبات على استخدام السلاح، لافتا إلى أنه تعرض للاغتصاب مرارًا وتكرارًا وأحيانًا من أكثر من شخص معًا.
وأوضحت والدته الأرملة التي فقدت زوجها في غارة للقوات الحكومية على الرقة، بكثير من الألم واللوعة، كيف استعادت ابنها من أيدي أولئك الوحوش، بعدما باعت كل ما لديها لجمع خمسين ألف دولار لإطلاقه. وبكثير من الشجاعة، حضته على أن يروي معاناته بنفسه في محاولة للتحرر منها.
وأوضح بشر: "كان سامر، صديقي الأقرب، يتواصل مع موقعٍ يهتم بأحدث برامج الكمبيوتر والهاكرز، عرَّفني سامر عليهم وانشأوا مجموعة. كانوا يعطوننا روابط مجانية، وأحدث الألعاب...وبعدها أعطونا حسابات على الفيسبوك وعلى تويتر، أنا باسم أبو الشهيد وسامر باسم أبو الحذيفة، وطلبوا منا أن لا نغير كلمة المرور وأن نقوم بمسح كل ما يأتي أو يرسل على هذه الحسابات بعد الاستماع أو القراءة أو المشاهدة. بعدين بدأت تصلنا أفلام قصيرة لا تتعدى دقيقة أو دقيقة ونصف عن أشخاص ملثمين، أبطالٌ خارقون يرفعون الظلم ويساعدون الفقراء. ثم بدأت تصلني أفلامٌ عن الشهداء، وحتى أن أحدها عن والدي. تطور الأمر إلى مقاطع صوتية لشخص عذب الصوت، كلامه قريب من القلب ولغته بسيطة وسهلة وواضحة، تدعو إلى الجهاد والإسلام ورفع الظلم".
وأضاف الطفل البالغ 13 عامًا من عمره: "لا أنكر أنني تأثرت، وبدأوا هم يزيدون من عدد الرسائل الصوتية والفيديوهات وأيضًا مستوى الكلام ليصل إلى الدعوة للانتقام من المجرمين الذين قتلوا أبي.وأدخلوني في لعبة إلكترونية تحاكي القصف الذي استشهد فيه والدي. ومن ثم صار عندي عفويًا طريقان، أحدهما الوضع الذي نحن فيه، والآخر طريق البطولة. والبطل من المفترض أنه أنا، أقوم بإسقاط الطائرات، وقتل الجنود. كانت اللعبة رهيبة جدًا، ومن ثلاث مراحل. بسهولة وصلت لمستواها الثالث، حيث يقوم البطل في النهاية بتثبيت الراية الكبيرة السوداء في مدينة روما".
وتابع: "بدأت أُغلق الباب على نفسي وأنتظر الجديد، وعندما يتأخرون على الموعد أتحول شخصًا آخر!.هكذا إلى أن طلب أحدهم مني ومن سامر أن ننتقل إلى أقجة قلعة، وأن لا نأخذ معنا أي شيء، وأن ننظف أجهزتنا من أي شيء يمكن أن نكون قد نسيناه. تسللتُ من البيت وأخذتُ تكسي إلى الكراج، وهناك التقيت سامر، ووصلنا بالدلمش إلى أقجة قلعة، وهناك التقينا شخصًا عرّف عن نفسه بأنه أبو إسلام الرقاوي، وشابًا آخر من جيلنا سمّاه أبا الفاروق. وبأسهل من الدخول إلى بيوتنا عبرنا الحدود، نحن الأربعة".
واسترسل: "بدايةً نقلتنا سيارة بيك آب إلى مدينة تل أبيض، ودخلنا إلى مكانٍ توجد فيه يافطةٌ مكتوبٌ عليها "مخبر العلا للتحاليل الطبية". هناك في إحدى الغرف تم تفتيشنا بعد أن خلعنا ثيابنا تمامًا، ثم أعطونا ملابس جديدة تشبه الملابس في الأفلام التي كانت تصلنا، ثم صورونا وبصمنا على ملفٍ من ثلاث أوراق. وكان من بين الأسئلة: ما المهمة التي تريد أن تكلف بها؟ وتحتها عدة خيارات: استشهادي، وتحتها عدة خيارات؛ انغماسي، وتحتها عدة خيارات؛ مقاتل، وتحتها عدة خيارات أيضًا؛ إلكتروني، وتحتها عدة خيارات. جميعها مكتوبة بالعربية والإنجيلزية".
وأردف: "نُقِلنا بعد ذلك بسيارة مغلقة إلى "معسكر الزرقاوي" في مدرسة الزراعة بقرية مشرفة الشيخ أحمد شرقي تل أبيض 6 كيلومترات، كان قبلنا 63 شخصًا من فئتنا العمرية، وأكثر من 50 شخصًا أكبر سنًا. بقينا خمسة أيام هناك، وكل ما كُنّا نقوم به هو فقط لعب وأكل ونوم ودروس تعليم الصلاة، وفي اليوم السادس تم نقلنا صباحًا إلى معسكر "أشبال الزرقاوي" في مقر اللواء 93 ببلدة عين عيسى، هناك كُنّا 89 شخصًا، تم توزيعنا إلى ثلاث فئات عمرية من 11 إلى 13، من 14 إلى 15، ومن 16 إلى 18. كان لكل مجموعة أميرها وشيخها ودَعَويًّها، وأيضًا مهاجعها وغرف تدريسها، وكان أمير الجميع أبو البراء التونسي".
واستدرك: "بدايةً خضعنا لدورة شرعية مكثفة لمدة عشرين يومًا، 14 ساعة يوميًا تتضمن العقيدة الإسلامية الصحيحة، ونواقض الإسلام، وأصول الجهاد وأحكامه. كان هناك تقييم يومي، وفي اليوم التالي صباحًا وفي الاجتماع العام يتم تكريم المميزين بمبالغ مالية بين 50 دولار إلى 100 دولار، أنهينا الدورة الشرعية وتم نقلي و14 آخرين إلى الرقة المدينة، وهناك تم فرزي و9 آخرين إلى معسكر "أشبال الخلافة" بالعكيرشي، حوالي 35 كيلومترًا شرقي المدينة. هناك كان كل شيء يختلف من الأكل إلى الشرب إلى أماكن النوم إلى المعدات".
واستكمل: "فور دخولنا كان هناك الأمير أبو عبد الله الكويتي الذي استقبلنا بمكتبه، وقال إننا مميزون وسننضم لمميزين، وأهدى كل واحدٍ منا جهاز تلفون سامسونغ غالاكسي اس4 و500دولار، وكُنّا 650 متدربًا 490 من الأنصار، يعني من أهل البلد، والباقي من أبناء المهاجرين"، لافتا إلى أنَّ "الأسبوع الأول: دروس عقيدة وجهاد وتدريب بدني فقط، ولمدة 16 ساعة يوميًا، يبقى ذهنك مشغولا دائما بالتقييم، فتقييم اليوم نتائجه غدًا صباحًا، حيث يُذاع الاسم وتوزّع الهدايا والمبالغ النقدية التي أقلّها 50 دولار، وأكثرها 250 دولار. ولكن هي هنا ليست كاش وإنما قسائم يسمونها هناك شيكات، ويحصل عليها المتميزون بالحفظ والرياضة".
وزاد: "في الأسبوع الثاني تم تقسيمنا إلى كتائب، وكنت في كتيبة الإلكترون، ومهمتها التجسس على محلات النت واختراق الأجهزة والاختلاط مع رواد مقاهي النت والتنصت على رسائل السكايب والرسائل الأخرى وتسجيلها، وكان دعوي كتيبتنا أبو الزهراء السعودي، وكانت عنده قدرة رهيبة على الإقناع، ويتحكم بطبقات صوته بطريقة تجعلك تكون "بنص الحدث وتعيشهُ".
واستكمل: "مساء يومٍ من الأسبوع الثالث دُعيت إلى مكتب أبو عبد الله الكويتي، وهو أمير وآمر المعسكر. ذُهلت وأنا أراه يدخن الأرجيلة، ولكنه أشار لي أن أجلس بجانبه على كنبة كبيرة من الجلد، بدايةً رحّب بي وأثنى على تفوقي، وطلب رأيي ببندقية روسية قصيرة أخرجها من صندوق خشبي. تمثلتها كما الخبير، وقلت له: "كويسة". قال: وصلتك!".
واستأنف :" مدّ لي خرطوم النرجيلة التي كنت قد جربتها سابقًا مع أصدقاء عندما كنت في أورفة، أعجبته طريقة نفخي للدخان، وبدأتُ أتفنن. لم تمضِ سوى دقائق حتى بدأت أحسّ أن رأسي يدور ونظري يزوغ. اقترب مني أبو عبد الله، وبدأ يتحسسني، ويمد يده تحت ثيابي. أعتقد أنني قلت: "أريد أمي". جاوبني: أنا أمك وأبوك، وبدأ ينزع ثيابي. أعتقدُ أنني دخلت في إغماءة لا أعرف مدّتها، ولكنني بدأتُ أصحو وأنا نصف عارٍ، وهو يصب ماءً مثلجًا على رأسي. بدأت أحسّ، وأول إحساسي كان ألمًا شديدًا في مؤخرتي. فهمتُ القصة، وبدأت أبكي، ولكنه هددني. قال إنه صورني، وإن تكلمت سيسرب المقطع على كل الشبكات، "ولا تزعل الكثير من الأولاد يعملوا اللي عملتوا اليوم"!.
واستطرد: "خرجتُ لا أعرف كيف أمشي من الألم، وأحسست أن جميع النظرات موجهة إلي، وأن الجميع ينظر إلى مؤخرتي، ولكن لا أحدًا كان مهتمًا، فالجميع مشغولون بأمورهم، وفي غرفتي التي أتقاسمها مع سامر تفحصت ثيابي الداخلية التي كانت ملوثة بالدم، ادعيتُ المرض ولم أخرج طيلة النهار، وعند المساء قررت الهروب واختبأتُ داخل خزانٍ كبير للمياه فوق سطح المهجع، طوال الليل وأنا مغمور بالماء إلى عنقي. لم تكن لدي خطة، وعند ظهر اليوم التالي لم أتحمل حرارة الخزان، فخرجت وعدت إلى غرفتي، وهناك كانوا يفتشون الغرفة ظنًا منهم أنني هربت".
وزاد: "أخذني أبو عبد الله الكويتي والداعية السعودي إلى مكتب أبو عبد الله، وكانت مفاجئتي الأخرى أن الداعية يعرف ما حصل لي. وكانت مرة أخرى، واغتصبني الاثنان وأجبراني أيضًا على أن أمارسَ أنا نفسي ما فعلاه معي بالداعية السعودي، لم يكونوا يجرؤون على فعل ذلك مع أطفال المهاجرين، الذين كانوا يميزونهم عنّا في كل شيء، من الأكل إلى أماكن النوم إلى المكافآت، في كل شيء كانوا يميزونهم رغم أننا نمتاز عن الكثيرين منهم بكل شيء".
وأضاف: "كانوا يركّبون كاميرات في كل مكان بالحمامات وغرف النوم وأماكن التدريب والدراسة. حاول سامر أكثر من مرة أن نختلي بعيدا عن الكاميرات، وفي كل مرة كان يتلعثم ولا يقول شيئًا. وفي إحدى المرات باح لي بكل شيء: لقد اغتصبوه هو أيضًا. وأبو الليث وأبو قسورة كذلك تم اغتصابهم بالسيناريو نفسه الذي جرى معي، ولكنه لم يصدقني بأنني نكحت الداعية".
وأردف: "هنا كانوا كل عشرة أيام يجرون لنا تقويمًا، فيرفعون قسمًا منّا إلى مستوىً جديد، أو يخفضون. ودائما يغيرون ترتيب المجموعات بحيث أنك تمر في جميع الاختصاصات، وكانت أكثرية المنتسبين من عائلاتٍ فقيرة جدًا، وحسب ما تحدثوا أنهم انتسبوا لأجل المال، ولمساعدة أهاليهم، ولعدم وجود مدارس. وأيضًا هم الأكثر استهلاكًا للحبوب التي كانت توزّع علينا لزيادة "التركيز والانتباه"، حيث كنا نبادلها بالشيكات التي كنا نحصل عليها، والتي لا أعتقد أن أحدًا منا قبض ماله من رصيد هذه الشيكات، بل وأخذوا الدولارات التي أتينا بها من المعسكرات السابقة لوضعها برصيدنا كما قالوا. لعل كل الأمر كذبة، والرصيد وهمي. هؤلاء الأولاد المنحدرون من العائلات الفقيرة هم الذين أرسلوهم إلى تل أبيض لمحاربة الأكراد".
وأوضح: "بعد مرور شهرين أخذونا إلى معسكر"أشبال العز" في الطبقة غربي الرقة، وهناك جرى احتفال مهيب، حيث تمت المبايعة قبل خضوعنا للدورة النهائية لمدة شهر جديد، وبعد فترة رددنا واحدًا واحدًا أمام الشرعي الأول، ولا أعرف اسمه، القسم التالي: أبايعُ خليفة المسلمين أبا بكر البغدادي الحسيني القرشي على: السمع والطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وعلى أثره، ولا أنازع في الأمر أهله، إلا أن أرى كفرًا بواحًا، عندي فيه من الله برهان، والله على ما أقول شهيد".
وأشار إلى أنَّ "التدريب هنا كان يختلف وأيضًا الشخصيات التي تزور المعسكر، وكنّا نعرف ذلك من استعداد الحرس، ومن الترتيبات المفاجئة التي كانت تحصل. وهنا أخذ كل منّا سلاحًا خاصًا به وعدة حربٍ كاملة، أنا كانت لدي بندقيتي الخاصة قبلًا، والتي دفعتُ ثمنها كما قلت لك. أيضا أعطونا سكاكين حقيقية كالتي تظهر في الأفلام التي يصورونها. وهنا أيضًا بدأنا نتدرب على الذبح بدايةً بدمىً تشبه لعب الأطفال، ولكنها أكبر وكانت جميعها دمى نساء. كل مجموعة رشّح منها قائدها للذبح الحي أفرادًا قيلَ لنا أنهم من عناصر النظام. عندما جاء دوري في ذبح أحدهم، سألت الشرعي: هل هذا من قصف المدرسة وقتل والدي؟ لم يكن يعرف القصة، ولكنه قال لي إنه ليس طيارًا، فقلتُ لأميري: أنا لن أذبحه، فوافقني".
واسترسل: "بدأنا نتدربُ على الرمي الحي بالبندقية والمسدس، والله لا أكذب، كنتُ من الأوائل، وكان سامر الأسرع في تثبيت اللاصقة بالسيارة قبل أن تلتقطه الكاميرا، هنا لم يقترب مني أحد، ولكنهم تابعوا مع سامر، وكانوا يصورون كل شيء، كل شيء. انتحرَ اثنان آخران من مجموعة الكواتم بإطلاق النار على بعضهما في التوقيت نفسه، أعتقدُ أنهما فعلا للسبب نفسه الذي حاول سامر الانتحار من أجله وفشل".
واختتم الطفل بشر حديثه قائلًا: "في اليوم الخامس أو السادس من وجودنا في الطبقة صوروني بـ"رسالة لأمي" لم أعرف الغاية منها، وهي تشبه الرسائل التي كنا نصورها كل عشرة أيام، وتشبه الوصية لمن سيقوم بعملية في الغد. وهي رسائل أو وصايا مكتوبة سلفًا، كنا فقط نقرأها. وبعدها بعدة أيام أخذوا مني كل شيء اللباس والسلاح والذخيرة، وحتى الغرفة وفراش النوم، وأعطوني بيجاما جديدة "حرقتها أمي أول ما وصلت". ثم أخذوني إلى قيادة المعسكر، وهناك أروني كيف اغتصبني أبو عبد الله الكويتي، وأفهموني: "إذا تكلمت فأنت تعرف النتيجة".