الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والملك عبدالله بن عبدالعزيز

كشفت مصادر صحافيّة سعوديّة أنّ أزمة سحب السفراء من قطر لم تكن حدثًا عابرًا، بل أزمة سياسية حقيقة لدى دول المجلس، لاسيما القيادة القطرية، التي تعرف أهمية ما تمثله المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين من ثقل سياسي في علاقاتها الدبلوماسية.

وأكّدت المصادر أنه "منذ الأيام الأولى من سحب السفراء توالت الاتصالات من القيادة القطرية مع السعودية، لإيجاد حل ناجع لهذه الأزمة الطارئة، والتي حرصت الدوحة على إنهائها بأسرع وقت، وهذا ما كان واقعًا عبر الزيارات المتتالية لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والذي يمثل للأخوة القطريين صمام أمان لدول الخليج وللعالم الإسلامي والعربي، وهو من يملك القدرة على إذابة الخلافات، بحكمته البالغة ورؤيته الثاقبة في لملمة أي جراح قد تصيب الجسد الخليجي".

وأضافت "الملك عبدالله، وعبر اجتماعه في العاصمة الرياض مع قادة دول مجلس التعاون، وقبل القمة، قدّم خارطة حلوله إلى الأشقاء، الذين يثقون بأفكاره ودرايته في معالجة مختلف القضايا، وهذا ما تحقق في وقت قياسي، في اجتماع واحد، توحدت فيه السياسات الخليجية في مرحلتها المقبلة، والتي تتطلب توافقًا خليجيًا في مواجهة الاستهدافات والاضطرابات التي تحوم في المنطقة العربية".

وبيّنت أنّ "التوافق الخليجي وعودة السفراء إلى قطر أحدث صدمة كبرى في عدد الدول وفي الدوائر السياسية، التي تريد أن تعم الخلافات والانقسامات بين دول مجلس التعاون، لكن اجتماع الرياض التاريخي شكل لهم ضربة موجعة، وهم يرون قادة دول مجلس التعاون متحدين، بعد أن توافقوا تحت راية مجلس التعاون".

واعتبرت الأوساط السياسية في المنطقة اتفاق الرياض بأنه نجاح للدبلوماسية السعودية، في سعيها لرأب الصدع الذي شاب علاقات عدد من دول المجلس مع قطر، مشيرة إلى أنَّ "اقتناع الدوحة بالرؤية السعودية والتي تتفق عليها كل من أبوظبي والمنامة ينهي العديد من السلبيات الأمنية والسياسية بين دول المجلس والتي توحدت بعد اللقاء التاريخي الذي جمع القادة وخادم الحرمين الشريفين".

ونقلت المصادر عن شخصيات خليجية "ارتياحهم البالغ لما تم التوصل له من اتفاق بين الأخوة الأشقاء، والذي تحقق بفضل الدور السياسي التاريخي الذي قام به الملك عبدالله لإنهاء الخلاف مع الدوحة"، معتبرين أنه "لولا تدخل الرياض لاستمرت الأزمة دون نهاية".

وأبرز رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني في مجلس الشورى البحريني الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة أنَّ "الملك عبدالله يثبت، يومًا بعد الآخر، وفي كل مرحلة على الساحة السياسية، حكمته ودرايته ومرونته وتأثيره على العلاقات الدولية بين الدول، ولذلك فإن مبادرات خادم الحرمين على أساس العلاقات الخليجية هي ما تزيح أي سحابات صيف تمر بها هذه العلاقات".

وأكّد أنّ "خادم الحرمين الشريفين استطاع أن يوحد الصف الخليجي بحكمته المعتادة في هذه المرحلة الحاسمة، التي تؤثر مباشرة على دول الخليج إقليميًا"، مشدّدًا على أنّ "الوضع الإقليمي لا يحتمل أيّ خلافات بين دول مجلس التعاون، وذلك لخطورة المرحلة الراهنة، والمراحل المستقبلية، فخادم الحرمين الشريفين اكتسب سمعة دولية في حل الخلافات، والتعامل بتأنٍ ودقة على ساحة العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية، فسحابة الصيف، التي مرت على العلاقات مع قطر، ﻻ يمكن أن تستمر بوجود الملك عبدالله".

وأوضح خليفة أنه من هذا المنطلق أطلق الملك عبدالله نداء الانتقال بمجلس التعاون من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وذلك لأسباب عدة، منها تنموية، ولكن أكثرها إلحاحًاً التطورات الإقليمية المتسارعة، التي تعصف بالمنطقة منذ أن بدأ ما سمي بالربيع العربي، وتداعياته التي أوصلتنا إلى بروز تنظيمات مثل داعش وأخرى إسلامية متطرفة، تهدد كياننا ليس الخليجي فحسب".

ولفت إلى أنّ "التاريخ سيسجل لخادم الحرمين الشريفين هذه المواقف المشرفة"، مؤكدًا أنّ "المملكة هي الراعية والحاضنة لكل دول مجلس التعاون، والبحرين تعرف جيدًا مواقف خادم الحرمين الشريفين تجاهها عند أزمتها عام 2011، وما سبقها وما سيأتي مستقبلاً".

إلى ذلك، رأى أستاذ العلوم السياسية في الإمارات الدكتور عبدالخالق عبدالله أنه "لولا ممارسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لهذا الدور السياسي التاريخي، لما كان بالإمكان حل هذه الأزمة التي استمرت تسعة شهور".

وأضاف أنّ "قيام الرياض وهي عاصمة القرار الخليجي بوضع الأمور على الطريق الصحيح، وحسمها في جلسة واحدة مباركة في القمة الاستثنائية الخليجية، جعلت الخلاف ينتهي"، مشيرًا إلى أنه "إذ لم تتدخل المملكة في هذه الأزمة للمحاولة لحلها لاستمرت دون نهاية".

وبيّن أنّ "الجميع يقر بالدور التاريخي والمهم الذي قامت به القيادة السعودية، والتي أفرزت بأننا تجاوزنا الآن أسوء عام في عمر التعاون الخليجي منذ تأسيسه"، مطالبًا الأمانة العامة لدول مجلس التعاون بـ"إيجاد جهة أو سلطة تقوم بمعالجة الأزمات يكون دورها استباقي ولمنع عدم استفحال المشاكل أو تفاقمها وهذا ما ينقصنا في الوقت الراهن".

وأكّد أنّ "الخلافات دائمًا موجودة، وستتكرر في الاختلاف في وجهات النظر، لكننا نعتقد بأنه حان وقت وجود جهة تستبق اندلاع الخلافات، وجهة تقوم بالتصدي لها مباشرة"، موضحًا أنّه "كان من الأجدى عندما نرى خلاف عميق مثل الذي حدث بأن تقوم دول مجلس التعاون بعقد اجتماع استثنائي عاجل، لمعالجة الخلافات".

وأردف "الدول تعول على عاصمة القرار الخليجي الرياض، لكي تقوم بالدفع في هذا الاتجاه".

ومن طرفه، أشار أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الملك سعود الدكتور عادل المكينزي إلى أنّ "المملكة دأبت على المحافظة على منهجها، الذي انتهجته منذ عهد مؤسسها الراحل الملك عبدالعزيز، في التعامل مع الأحداث والمستجدات الإقليمية والعالمية، بمنهج يتسم بالتوازن ومراعاة المتغيرات وتأثيرها على الصعيد المحلي والعالمي"، مؤكدًا أنّ "الملك عبدالله يسير على هذا النهج القويم حيث تمثل المملكة العربية السعودية عصب مجلس التعاون الخليجي".

ووتابع "كعادته، خادم الحرمين يحرص على التأكيد على الثوابت السعودية منطلقًا من أهمية التلاحم، ووحدة الصف، وما دعوته في أحلك الظروف إلى الوحدة الخليجية إلا دلالة واضحة على أنّ تنقية الصف من المشاحنات والارتفاع على ما قد يحدث بين الأخوة هو ما ينشده ويستصحبه في سياسته مع دول مجلس التعاون، الذي تمثل فيه السعودية الأخ الأكبر، الذي يجمع ولا يفرق، ويصلح ويدعم كل ما من شأنه رفعة هذا البيت الخليجي حكومات وشعوب".

وبيّن أنّ "أيّة تجربة إنسانية أو بشرية ينبغي أن تحصل فيها مراجعات لتعزيز الإيجابيات، وتلافي السلبيات، وما حدث في الآونة الأخيرة من عارض بين دول مجلس التعاون، يؤكد الحاجة إلى تعزيز المشترك بين هذا المجلس وتنشيط برامج التكامل، لاسيما الاقتصادي، وتأخير، نوعًا ما، الملف السياسي، ولعل لنا في تجربة وحدة الأمم الأوروبية مثالاً، حيث كان الملف الاقتصادي هو القاطرة التي قادت الوحدة، بعد تاريخ من الاختلاف والحروب".

وأبرز أنَّ "الأمل معقود على خادم الحرمين الشريفين بالعمل على دفع هذا الملف، وبالتالي سيتذوق شعوب الخليج ثمارًا ناضجة من المنتجات الاقتصادية وهو ما سيزيد لحمة المجلس الخليجي".