المسجد الأقصى

تشير اقتحامات المستوطنين شبه اليومية للمسجد الأقصى المبارك بأنها تتم ضمن مخطط يجري تنفيذه على مراحل بهدف ترويض المصلين الفلسطينيين في المسجد على أن وجود المستوطنين في الحرم القدسي هو أمر طبيعي.

وفيما كان دخول المستوطنين للمسجد الأقصى قبل سنوات يلهب الأوضاع في كل فلسطين التاريخية لاسيما في الضفة الغربية وقطاع غزة إلا أنك تلاحظ هذه الأيام بأن التصدي لاقتحامات المستوطنين باتت مقتصرة على المرابطين والمصلين من أهالي القدس في المسجد الأقصى، الأمر الذي دفع سلطات الاحتلال إلى تكثيف الاقتحامات اليومية وزيادة عدد المستوطنين الذين يشاركون في عمليات الاقتحام.

ويلاحظ المسؤولون الفلسطينيون العاملون في أوقاف القدس والمطلعين بشكل مباشرة على ما يجري من استهداف إسرائيلي للمسجد الأقصى بأن الأشهر الماضية شهدت زيادة ملفتة للنظر في عدد الاقتحامات التي باتت شبه يومية في حين تزايد أعداد المستوطنين المشاركين فيها، وذلك بهدف ترويض الفلسطينيين المتواجدين في الأقصى ومحيطه بأن الأمر بات عاديًا ومألوفًا فلسطينيًا.

وأكد مدير التعليم في وزارة الأوقاف في القدس، الدكتور ناجح بكيرات، أن من أهم أهداف الاقتحامات الإسرائيلية التي تكثفت في الأشهر الستة الأخيرة ترويض المقدسيين للقبول بالمتطرفين في داخل ساحات الأقصى المبارك، مشيرًا إلى أن سياسة الترويض بدأت بأفراد ثم أصبحت جماعات، وأصبحت اليوم من الركائز السياسية الإسرائيلية، ترعاها شرطة الاحتلال وتشجع عليها المخابرات الإسرائيلية، وتنفق عليها صناديق الجماعات المتطرفة في الداخل والخارج، ويتم بعد ذلك ترويض العرب والمسلمين لمحاولة القبول بهذا الواقع الجديد.

وأشار بكيرات في تصريحات صحافية الثلاثاء إلى أن هناك مخططًا إسرائيليًا لضرب الذاكرة الفلسطينية والعربية والإسلامية، التي عاشت لسنوات طويلة تؤمن بأن الأقصى حق خالص للإسلام والمسلمين منذ أن بني وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وأضاف بكيرات أن "هذه الذاكرة التي عاشت وكافحت وكتبت وعلمت وأنشأت المدارس والجامعات وقدمت الشهداء من اجل الحفاظ عليها صافية من كل شائبة بدون تحريف أو تزييف، هذه الذاكرة اليوم يتم ضربها من خلال الاقتحامات والروايات اليهودية والطقوس التلمودية التي يتم تنفيذها في ساحات المسجد، إضافة إلى الحرب النفسية من خلال هذه الاقتحامات والتي أصبح لها برنامج معلن مسبقًا، ويتم توظيف الإعلام الإسرائيلي لمثل هذه الاقتحامات واستغلال المواقع الإلكترونية لبث مئات التسجيلات المصورة لفعاليات هذه الاقتحامات، ويتم تطوير هذه الحرب من خلال استخدام قوات الشرطة في قمع المسيرات والاحتجاجات أيام الجمع في المسجد الأقصى المبارك، واستخدام القوات الخاصة بأعداد كبيرة واستعمال القنابل الصوتية عالية الفعالية، والتي تؤثر بشكل غير مباشر على المباني، وبشكل مباشر على نفسية المصلين والمواطنين واستخدام إسرائيل سياسة نشر الأخبار المسبقة على أن الأقصى المبارك مغلق أمام المصلين من هم دون الخمسين".

ولفت إلى أن ذلك أوجد مشكلة داخلية لدى المجتمع المقدسي بتوجهه إلى مساجد الأحياء المجاورة لصلاة الجمعة وترك الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وتم توسيع المساجد في جميع أحياء المدينة المقدسة وزيادة أعداد المصلين فيها على حساب الأقصى المبارك.

ويعتقد بكيرات أن الحرب النفسية الإسرائيلية التي تشنها الاقتحامات نجحت في الحد ومنع الزوار من الداخل الفلسطيني في التواصل مع المسجد الأقصى المبارك كما هو مطلوب. مشيرًا إلى إضعاف الدور الرسمي والشعبي من خلال هذه الاقتحامات وإضعاف الأحياء المقدسية من خلال الاستيطان المكثف على مداخلها ومحيطها ومن خلال طرد السكان عن نقطة المركز إلى الأطراف البعيدة خارج جدار الفصل العنصري.

وأضاف أنه تم إضعاف هذه الأحياء من خلال الملاحقات اليومية للمصلين والمرابطين والمرابطات في ساحات المسجد، وتم إبعاد المئات من القيادات والمسؤولين والمصلين ووصل الحد إلى إبعاد عدد كبير من النساء واعتقال المئات من الشباب والأطفال والنساء، وتم إضعاف العنصر الشعبي المقدسي أيضًا من خلال فتح ملفات متعددة للمقدسيين في الضريبة والتأمين الوطني والشرطة والبلدية والهدم والأرنونة وغيره من الملفات التي لم يخل منها بيت في المدينة المقدسة.

وأضاف أن زيادة أعداد المقتحمين والقبول بسياسة الأمر الواقع، هي سياسة معتمدة لدى الاحتلال الإسرائيلي منذ قيام دولته، فقد فرض الاحتلال نفسه على الأرض الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني وزاد من مصادرة الأرض وطرد الشعب وأحل محله المهاجرين اليهود، كما فرض سياسة الأمر الواقع في زيادة عدد المقتحمين فمن خلال إجراء مقارنة سنوية بين أعداد المقتحمين اليهود للمسجد الأقصى نجد زيادة واضحة في عددهم.

وأشار بكيرات إلى أنه في عام 2012 كان عدد المقتحمين ما بين جماعات متطرفة ومخابرات وجنود حوالي 8000 وارتفع العدد في عام 2013 ليصل حوالي 9500 ومع مطلع هذا العام حتى الآن ولم يكتمل العام وصل العدد حوالي 8500 وسياسة الأمر الواقع التي يهدف إليها الاحتلال هي تحقيق الحلم الصهيوني على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.

وردًا على سؤال حول المطلوب قال الدكتور بكيرات: "المطلوب أمام هذه الاقتحامات تكثيف التواجد البشري المقدسي والـ48 على طول الفترة الزمنية اليومية لاسيما الفترة الصباحية، وبث روح الانتماء للهوية المقدسية وللمقدسات وعدم الاستجابة للترويض وضرب الذاكرة والحرب النفسية و فضح السياسات الإسرائيلية والوقوف والتصدي لها فعليا وعمليا وإعلاميا واجتماعيا واقتصاديا ودعوة الجانب الفلسطيني والدول العربية والإسلامية رسميا وشعبيا إلى دعم صمود أهلنا في القدس والاهتمام بالتعليم وعلى الأخص التعليم الشرعي في ساحات المسجد الأقصى المبارك وجنباته.