لندن - كاتيا حداد
اتهم صحافي التحقيقات الشهير، "توم باور"، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، طوني بلير بخداع شعبه والمجتمع الدولي بشأن أسباب الحرب على العراق، والذي كلف الكثير من الجنود حياتهم.
وكتاب "باور"، الذي صدر أخيرًا، يستند إلى مقابلات حصرية مع كبار القادة العسكريين وموظفي الخدمة المدنية ووزراء في الحكومة، ويكشف قرار بلير المبكر وتحديدًا العام ( 2002) بضرورة تغيير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بمعزل عن رئيس هيئة الأركان وأمين مجلس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الدفاع وغالبية مجلس الوزراء.
ويعني خداع رئيس الوزراء السابق أن الجيش لم يتمكن من التخطيط السليم للحرب؛ لأن بلير كان يتظاهر بأنه وسط نزيه يسعى إلى حل سلمي، ونتيجة لذلك قتل الجنود البريطانيين بسبب عدم وجود ما يكفي من الدروع الواقية للجسم والمعدات عندما بدأت الحرب، بينما حذر رئيس هيئة الأركان، الأدميرالـ "سير مايك بويس"، رئيس الوزراء من أن موقفه كان مجنونًا على حد وصفه.
ولكن بلير رد قائلًا "حسنًا هو كذلك"، وناشده وزير الدفاع البريطاني، "جيف هون بلير"، قائلاً: "نحن بحاجة إلى ترتيب الرشاشات والدروع الواقية وغيرها من المعدات"، فرد عليه الأول قائلاً "لا، يجب أن نعمل على إستمرار مفاوضات الأمم المتحدة مع صدام حول دخول مفتشي الأسلحة للدخول إلى هناك ، ولا أستطيع أن أكون بمثابة وسيط نزيه إذا كان من الواضح أننا نخطط إلى الدخول في الحرب".
وأتت التفاصيل غير العادية، التي سحب فيها "بلير" بلاده إلى حرب في العراق، مفصلة في سيرة صحافي التحقيقات الشهير" توم باور"، وستنشر السلسلة في صحيفة "ديلي ميل" هذا الأسبوع، وستضيف هذه التفاصيل الجديدة المزيد من الضغوط على سير "جون تشيلكوت"، الذي بدأ بالتحقيق في الحرب على العراق بعد ستة أعوام من اندلاعها.
وتحمل سيرة "باور" عنوان "كسر النذور" ويكشف كيف استعد فيها بلير إلى الحرب، من خلال استبعاد كبار المسؤولين في وزارة الدفاع من الاجتماعات الرئيسية وحرمان الحكومة من خبرات أشخاص قضوا عقودًا في الوزارة، وإبقاء خطته مخفية عن معظم أعضاء حكومته وكبار موظفي الخدمة المدنية؛ لأنه لا يريد لنواياه الحقيقة أن تظهر إلى العلن، وتجاهل المناشدات التي تحثّ على وضع خطط مناسبة للعراق لفترة ما بعد الحرب، بقوله "الأميركيون خططوا لكل شيء".
وهذا إلى جانب محاولته التخلص من الأدميرال "بويس" عشية الحرب، ولكنه اضطر إلى التراجع، وتجاهل التحذيرات من أن العراق قد يتحول إلى كارثة على غرار فيتنام، بالإضافة إلى إخباره رئيس هيئة الاستخبارات البريطانية، "ريتشارد ديرلوف"، بجلب الوثائق الاستخبارية الخام؛ في محاولة منه لتعزيز ضرورة تغيير نظام صدام، وأخبر السير "ريتشارد" والذي ساعد في جمع ما يسمى "ملف المراوغة" سيئة السمعة حول عدم امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل، بقوله "ريتشارد قدري بين يديك".
ويعتبر, كتاب "باور", الأكثر شمولًا من أي وقت مضى، وهو مكتوب حول قواعد السلوك التي استخدمها بلير في المراكمة للحرب والتي أودت بحياة ( 179) جنديًّا بريطانيا، ويروي فيه كيف تجاهل الطلبات المتكررة من وزراء حكومته بتقديم أوراق حول العراق، وأكثر ما يميّز هذا الكتاب صدوره قبيل تقرير "تشيلكوت"، والذي لم ينشر بعد بالرغم من أن العمل قد بدأ عليه العام ( 2009).
وكشف "باور" في كتابه أنه وفي غضون ساعات بعد هجمات ( 11/9) على أميركا العام ( 2001)، أن بلير قال متحمسًا للوزراء والمسؤولين "علينا أن ندعم أميركا في كل ما ستقوم به"، وفي تشرين الثاني/نوفمبر العام ( 2001 )طلب المليونير بلير من مساعديه في الحكومة البريطانية إنتاج ورقة سياسات بشأن العراق، وهو ما يظهر بداية بذور غزو العراق، وأطلع مستشار بلير، "ديفيد مانينغ"، في آذار/مارس (2002 ) السفير البريطاني لدى واشنطن، السير "كريستوفر ماير"، على تغير نظام صدام حسين، والذي لم يكن الفشل بالنسبة إليهم خيارًا فيها، وكان السفير مؤيدًا لفكرته.
ولم يتحدث بلير في السابع من آذار/مارس ( 2002) في مجلس الوزراء إلا عن قصف العراق، وصرح "أندرو تيرنبول" الذي كان على وشك تولي منصب الأمين العالم للمجلس "أنا لا أسميها كذبة، إنما خداع هي الكلمة الصحيحة، فالإنسان يستطيع أن يخدع من دون أن يكذب عندما يترك للناس تفسيرًا غير حقيقي".
ونفى بلير في تموز/يوليو أمام البرلمان اتخاذه أي قرار بشأن غزو العراق، ولكنه ألزم بريطانيا بشكل خاص وفي الخفاء بالحرب، وجاء في كتاب "باور" أنه في أيلول/سبتمبر ( 2002 ) كتب بلير مذكرة قبل محادثة هاتفية مع بوش "سنكون معكم مهما حدث"، وأخبره حينها السيد "مانينغ": "لا يمكنك أن تقول هذا، فبذلك ستلزم الجيش البريطاني في غزو آخر لا يعرف عنه أحد آخر"، ولكن بلير لم يتراجع، وكانت أكثر قراراته كارثية في عدم السماح للجيش ببدء التخطيط لغزو العراق"، ويشير" باور" في كتابه إلى أن الجنود البريطانيين قتلوا بسبب عدم وجود دروع واقية للبدن.
وأشارت "روز جنتل" التي قتل ابنها "جوردن" (19 عامًا) في انفجار قنبلة زرعت على جانب الطريق في البصرة في حزيران/يونيو ( 2004)، بقولها: "كان هذا دليل على ما قلناه إن بلير كذب علينا من البداية وهذا ما كلفنا حياة أبنائنا وبناتنا، كان مصرًا بيأس على الذهاب إلى حرب تكلفنا الكثير من جنودنا، إنه أمر مثير للاشمئزاز"، وفي منتصف تشرين الثاني/نوفمبر دعا "بلير" ثلاثة من خبراء الشرق الأوسط لاجتماع ليشرحوا له ماذا سيحدث لو سقط نظام صدام، ولكنه قال لهم "لا تقولوا لنا ألا نذهب إلى الغزو، فهذا ما يجب أن نفعله وما سنفعله فعلًا".
وأعلنت الحكومة في كانون الثاني/يناير ( 2003) نيتها غزو العراق، عندما ذكر هون أن ( 26) ألف جندي وأسطول أرسلوا إلى الشرق الأوسط، وبدأ بعد ذلك بشهرين، وصرح متحدث باسم "بلير"، أخيرًا: "لا شيء من هذه الادعاءات جديد، كلها تستند إلى تفسيرات مختلفة للجرحى، وهي ببساطة محاولة لتحريف الحقائق لتناسب أجندات الكاتب وأحكامه".