إسحاق رابين يثير الجدل باختياره طريق السلام

سلطّت مصادر عبرية، الأربعاء، الضوء على تفاصيل عملية اغتيال رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إسحاق رابين، في ساحة عامة في مدينة "تل أبيب"،  قبل 19عامًا برصاص المتطرف يغئال عمير. واستذكر الاحتلال الأربعاء، عملية اغتيال رابين، في حين جرت مراسم لإحياء الذكرى بحفل تأبين على أحد جبال القدس بمشاركة عائلته، ورئيس الاحتلال رؤوفين ريفلين، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ومسؤولين آخرين.

وكانت فعاليات يوم الذكرى قد افتتحت، مساء الثلاثاء، بمراسم إيقاد شمعة لإحياء ذكرى رئيس الوزراء الراحل في مقر رؤساء الاحتلال في القدس بحضور الرئيس ريفلين.

ونشر موقع "المصدر" المشهور في أوساط الاحتلال، الأربعاء، بمناسبة مرور 19 عامًا على اغتيال رابين، تقريرًا تناول فيه الغموض الذي اكتنف حادثة الاغتيال.

وأشارت التقارير إلى الشهر الذي سبق عملية الاغتيال، حين ناقش الكنيست المرحلة الثانية من اتفاق أوسلو، حيث عُقد في القدس تجمّع حاشد دعا إلى إلغاء الاتفاق وإيقاف خطوات الحكومة، وردّد المحتجّون بهتافات قاسية "بالدم والنار سنطرد رابين"، "رابين الخائن" بل و"الموت لرابين"، فيما حمل بعض المتظاهرين لافتة تُظهر رابين في زيّ جندي نازي، وبذلك تمَّ تمهيد الأجواء نحو اغتيال سياسي.

وفي توازن مضادّ لهذه المظاهرات نظّمتْ حركات اليسار لدى الاحتلال مظاهرة كبيرة لدعم الحكومة ورابين، في وسط تل أبيب، تحت عنوان "نعم للسلام، لا للعنف"، فيما خشي رابين على نفسه من المشاركة في المظاهرة، ليس لكونه اعتقد أنّ هناك خطرًا على حياته، وإنّما لأنّه خشي أن يكون عدد المتظاهرين قليلًا، مقابل مظاهرة المعارضين الكبيرة في القدس، وعندما جاء إلى المظاهرة ثبت خطأ مخاوف رابين؛ فقد حضر المظاهرة عشرات الآلاف من الناس وعبّروا عن دعمهم رابين وحكومته.

وفي نهاية المظاهرة ألقى رابين خطابًا أصبح هو الخطاب الأخير في حياته، معلنًا "آمنتُ دائمًا بأنّ معظم الشعب يريد السلام، ومستعد لتحمّل المخاطر لتحقيق السلام، وأنتم هنا، بوقوفكم في هذا التجمّع، تثبتون مع الكثير من غيركم، ممّن لم يأتوا، أنّ الشعب يريد السلام حقّا ويعارض العنف"؛ ولكن في نهاية التجمّع، هزم العنف رابين، وأطلق يغئال عمير، وهو طالب جامعي عارض طريق رابين، ثلاث رصاصات عليه.

 اغتيال رابين

سقط رابين، ووُضع في سيارة هُرعت إلى المستشفى، بعد نحو ساعة من إطلاق النار، وبعد فشل محاولات إنقاذ حياته، خرج الإعلان إلى الشعب "رئيس الحكومة توفي متأثّرا بجراحه، في جنازة رابين، التي عُقدت بعد يومين، عرض رئيس مكتبه وثيقة صادمة، ورقة مع كلمات "أغنية للسلام"، وهي أغنية تمّ غناؤها في نهاية التجمّع، الملطّخة بدماء رابين الذي أطلق عليه النار.

كانت الصدمة بين المستوطنين كبيرة، على مدى فترة قصيرة، تم وضع الجدل السياسي بشأن طريق رابين جانبًا، ونعى الشعب وفاة الزعيم، حيث قال زعيم المعارضة آنذاك، بنيامين نتنياهو "أنت تسأل نفسك: كيف وصلنا إلى وضع أنّه بعد الحظر الصارم الذي اتخذه الشعب اليهودي على نفسه، تأتي الحالات نفسها من الاغتيال السياسي، وها قد حدث هذا الأمر الفظيع؟".

ولا تزال تركة رابين في السلام مثار جدل لا يزال الشعب الإسرائيلي غير قادر على الاتفاق على مسائل رئيسية مثل: هل السلام أفضل من الحفاظ على أراضي البلاد؟ هل يمكن الوثوق بالفلسطينيين بأن يحترموا اتفاق السلام؟ هل السلام ممكن أصلا؟ ويبدو أنّ هذا الجدل سيستمرّ في الوجود للأبد في أوساط الشعب الإسرائيلي.

 دماء رابين على ورقة "أغنية للسلام"

ولكن من جهة أخرى، هناك في "إسرائيل" من يرفض تمامًا الاعتراف بحقيقة أنّ رابين قد اغتيل فعلًا على يد قاتل عارض طريقه السياسي، وطوّروا مجموعة متنوّعة من النظريّات التي كان للشاباك يدًا فاعلة في اغتيال رابين، وتجدر الإشارة إلى أنّ أيّا من هذه الروايات لم تحظ بأيّ توثيق، ولا تزال غير مثبتة.

هناك من يدّعي أنَّ اغتيال رابين كان محاولة لتمثيل اغتياله بهدف كسب تعاطف شعبي مع العملية السياسية التي بادرت إليها الحكومة، وفقا لهذا الادعاء، كان "الشاباك" هو من جنّد القاتل عمير، وأراد تسليحه برصاصات فارغة ليستخدمها في محاول الاغتيال.

بحسب هذه الرواية، كان هذا هو سبب إبقاء عمير على قيد الحياة وعدم قتله من قبل الحرّاس، ولكن حدث خطأ ما، وتمّ وضع ذخيرة حيّة في مسدّس عمير، بل وادعى أصحاب الخيال المفرط خصوصًا أنّه كان لوزير الخارجية حينذاك، شمعون بيريس، يدٌ بتعبئة الرصاصات الحيّة في مسدّس عمير.

وهناك من ادعى أنّه قبل شهرين من عملية الاغتيال، قال رئيس "الشاباك" حينذاك، كرمي غيلون، إنّه من المحتمل أن يؤذي رابين "طالب يمني من هرتسليا يدرس الحقوق في جامعة بار إيلان". إذا كانت تلك الأمور صحيحة فعلًا، فإنّ الوصف مناسب تمامًا ليغئال عمير، الذي كان طالبًا للحقوق، أقام في هرتسليا وكان ابن لوالدين من أصول يمنية - يهودية، هذه الأمور تعزّز الاعتقاد بأنّ عمير كان على الأقل معروفًا لدى "الشاباك"، بل وربما كان عميلًا له.

ولكن من بين المؤمنين بنظريات المؤامرة، هناك من خيالهم مفرط بشكل أكبر: فهم يدّعون أنّ عمير لم يكن هو أصلا من أطلق النار على رابين، حيث كانت الرصاصات في مسدّسه فارغة، وأنّ رابين في الواقع اغتيل من قبل حرّاسه في الطريق إلى المستشفى. ويستند هؤلاء المدّعون على حقيقة أنّ السفر إلى المستشفى استغرق 20 دقيقة، رغم أنَّ المستشفى كان على مسافة بضعة مئات من الأمتار فقط.

هناك بعض الأدلة، لا شكّ بأنّها حقيقية، تغذّي نظريّات المؤامرة هذه، بدايةً، حين أطلق عمير النار على رابين، صرخ أحد الحضور في المكان قائلًا "إنّها فارغة، فارغة، ليست حقيقية"، ومن غير الواضح حتى اليوم من الذي صرخ تحديدًا، وهل كان هو القاتل أم شخصًا آخر، والافتراض أنّه أحد رجال "الشاباك"، الذي اعتقد أنّه تمرين.

كانت هناك أدلة أخرى لدى زوجة رابين، ليئا، التي قالت إنّه بعد إطلاق النار قال لها رجال "الشاباك" إنّ "هذا غير حقيقي"، ودفعوها إلى السيارة، وتقول ابنة رابين أيضًا، داليا، إنّها اتصلت بعد إطلاق النار بوالدتها وقالت لها "أطلقوا النار على أبي، ولكن هذا غير حقيقي".

لا شكّ أنَّ هذه الأمور قد قيلت لليئا رابين، ولكن ليس هناك أيّ إثبات للسبب الذي قيلت من أجله، يبدو أنّ رجال "الشاباك" قد اعتقدوا بالخطأ أنّه تمرين، ويبدو أنّهم وجدوا صعوبة في أن يصدّقوا بأنّ القاتل نجح في إصابة رابين.

على أية حال، لم تلق أيّ من نظريات المؤامرة هذه تأييدًا من لجنة التحقيق التي حقّقت في عملية الاغتيال، حتى شقيق القاتل، حاجي عمير، الذي اتّهم بالمساعدة في القتل وقضى عقوبة عدّة سنوات في السجون الإسرائيلية، قال إنّ هذه النظريات غير حقيقية، وإنّ القاتل سعى فعلا لقتل رابين.

بشكل أو بآخر، فإنّ نظريات المؤامرة النمطية لكلّ حادثة قتل شهيرة تحدث في التاريخ، لن تختفي أبدًا، وليس من المتوقع أيضًا أن يختفي قريبًا الجدل بشأن طريق رابين السياسي.