تونس - كمال السليمي
ألحق الإرهاب في تونس أضرارًا جسيمة في فندق "ريو إمبريال مرحبا" the Riu Imperial Marhaba الذي كان يوماً ما وجهة مفضلة للمصطافين، حيث أصبح شاغراً لا يوجد فيه موظفون في الإستقبال، إلى جانب تغطية الكراسي، وتفريغ المياة من حمامات السباحة، وتراكم الأتربة على الأجهزة في صالة الألعاب الرياضية، فضلاً عن عدم وجود مرتادين للشاطئ وغلق أبواب الأجنحة الفاخرة. ويأتي ذلك في أعقاب هجوم شاب تونسي مسلح ينتمي الى "داعش" لممرات الفندق وإرتكابه إعتداء تعالت معه أصوات صراخ الموت.
ولكن فندق ريو إمبريال مرحبا the Riu Imperial Marhaba لم يكن وحده الذي يواجه مصير الأبواب المغلقة والغرف الشاغرة، فبإمتداد الشاطئ و عبر مختلف أنحاء تونس، هناك العديد من الفنادق التي تغلق أبوابها بسبب خوف السائحين من الذهاب إليها.
وشهدت تونس العام الماضي إنخفاضًا في أعداد السائحين بنسبة 25 بالمائة عن العام الذي سبقه، بحيث كان عدد السائحين 5,5 مليون زائر فقط. فعلى الرغم من أن مطلع عام 2015 كان ينبئ بعودة قوية للسياحة في البلاد، إلا أنه وفي 26 من حزيران / يونيو من نفس العام قام المسلح المنتمي الى تنظيم "داعش" سيف الدين رزقي اليعقوبي بقتل 38 سائحاً من بينهم 30 مواطناً بريطانياً خلال إستجمامهم في عطلة صيفية.
وبدأ هجوم رزقي الإرهابي الذي إمتد لنحو نصف ساعة من الوقت قبل وقت قصير من منتصف النهار بالتوقيت المحلي عندما خطت قدماه الشاطئ بالمنتجع الشهير في ميناء القنطاوي El Kantaoui مع وجود بندقية من طراز AK-47 مخبأة أسفل مظلة.
وفي البداية، أخذ يمطر المصطافين المستلقين على الشاطئ بالطلقات النارية. ونظراً لكون العديد منهم متقاعدين، فلم يكونوا قادرين على الهرب، في ظل حالة الهرج التي إندلعت وتعالت معها الصيحات.
ثم توجه بعدها نحو فندق إمبريال the Imperial ليسقط المزيد من الضحايا الأبرياء، إحداهم كانت كارلي لوفيت البالغة من العمر 24 عاماً فقط.
وأوضح الناجون أن رزقي الذي كان متعاطياً للكوكايين في ذلك الوقت أخذ يضحك و يبتسم وهو يحصد أرواح العشرات من الضحايا خلال الإعتداء الذي إمتد لنحو 25 دقيقة. ونجح بول شورت من نورثمبرلاند Northumberland في إنقاذ زميله أحد المصطافين بعد التأكد من أن زوجته سارة في مأمن.
وقدم شورت الإسعافات إلى رجل كان ينزف بشدة عقب إصابته بطلقٍ ناري، وإضطر بعدها الجندي الإقليمي السابق أن يخبر ذلك الرجل بمصرع زوجته.
وقد قام بنقل جثتها و نزلاء آخرين في الفندق، بينما كان يلتقط المسلح صوراً لمسرح الحادث.
ووصف شهود العيان سماع الطلقات " بالأزيز المار فوق الرؤوس "، فيما صرح أحد العاملين في الفندق ويدعى حسام لصحيفة الميل the Mail بأن المسلح الذي كان حافي القدمين ويرتدي سروالا قصيرا ظل يضحك وهو يطلق النار غير مبالٍ بسقوط قتلى.
وفي حوالي الثانية عشرة والنصف ظهرا بالتوقيت المحلي توجه إلى الشوارع خلف الفندق، ولكن الشرطة المسلحة أخذت تلاحقه. وقام أحد عمال البناء المحليين بإلقاء البلاط على رأس رزقي الذي بدأ في إطلاق النار بصورةٍ عشوائية، مع مبادلة الشرطة للنيران معه حتى سقط قتيلاً.
وإكتشفت الشرطة بعد تفتيش القتيل أن رزقي البالغ من العمر 23 عاماً كان من الممكن أن يقتل المزيد من السائحين، نظراً لحوزته قنبلة لم تنفجر.
وعلى الرغم من أن الصحيفة الجنائية له تخلو من الجرائم، إلا أنه كان معروفاً لدى السلطات " بتطرفه المحدود ".
ومن داخل منزل العائلة في قعفور Gaafour حيث المنطقة الفقيرة داخل محافظة ساليانـا التونسية Saliana، قال عمه علي بن محمد رزقي بأنه كان شاباً رائعاً يحب كرة القدم والرقص. كما يشهد زملاؤه بأن سجل حضوره كان جيداً جداً، ونتائجه في إختبارات الهندسة تعد من بين أفضل النتائج، ولكنه كان يخطط أيضاً لإرتكاب عمليات قتل جماعي كجزء من خلية نائمة من خمسة رجال غير معروفين للشرطة على الإطلاق. وهناك مزاعم بذهاب أعضاء آخرين من الجماعة للقتال في سورية.
وراح ضحية هذا الإعتداء الإرهابي 30 بريطانيـاً إلى جانب ثلاثة مواطنين أيرلنديين و إثنين من الألمان و مواطن من بلجيكـا وآخر من روسيـا بينما الثالث من البرتغال.
وشوهدت صور آثار الهجوم الإرهابي من كافة أنحاء العالم، والتي ظهرت فيها الجثث ملقاة على الرمال، وحمام السباحة ملطخ بالدماء، وكذلك اليعقوبي وهو يسير بطول الشاطئ مبتعداً عن مسرح الجريمة وهو يحمل بندقيته من طراز AK-47. وهو ما ألقى بظلاله على السياحة في تونس وأثر عليها بشدة.
وقامت وزارة الخارجية البريطانية بابلاغ مواطنيها بعدم السفر الى تونس إلا في حالة الضرورة، ما أدى إلى تراجع أعداد السائحين البريطانيين بواقع 94 بالمائة في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2016.
ولم يكن مفاجئاً بعدها غلق ثلث عدد الفنادق في تونس أبوابها منذ حزيران / يونيو الماضي، وترك الآلاف من دون عمل.
فهي بمثابة كارثة للبلاد التي تعتمد على السياحة في ثمانية بالمائة تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي، وذهب على إثرها المزيد من الشباب الفقير للإنضمام إلى تنظيم "داعش".
ويبذل طارق العوادي مدير مكتب السياحة الوطني التونسي في المملكة المتحدة جهوداً مضنية من أجل تخفيف نصائح السفر وإعادة السائحين إلى البلاد. وقال بأنه لا ينبغي معاقبة تونس على جرائم الإرهابيين الذين يريدون الإضرار بإقتصادها.
أما محرز سعيدي وهو المدير العام لفندق إمبريال Imperial، فقد أكد على أنه من الصعب نسيان الأحداث التي وقعت صباح يوم الجمعة من العام الماضي، والتي شهدت فقدان العديد من الأصدقاء في 26 حزيران / يونيو. مشيراً إلى أن العلاقة مع النزلاء كانت أشبه بالعلاقة ما بين الأصدقاء وليس فندق و نزلاء.
وحاول فندق إمبريال إعادة فتح أبوابه في الخريف الماضي، والعمل على إزالة كافة المخاوف من التصرفات البغيضة لأحد الرجال ممن يحملون أيديولوجية مشوهة.
ولكن بالكاد حضر نزلاء، حيث بلغت أعدادهم في مطلع تشرين الأول / اكتوبر 30 نزيلاً فقط، في حين ينبغي ألا يقل العدد عن 800 وبالتالي عاد ليغلق أبوابه من جديد.
ومع إحتمالية فتح أبوابه مرةً أخرى هذا الشهر، إلا أنه لا توجد إشارة على وجود حياة.
ويتفق سعيدي مع عوادي في أن الحكومات الأوروبية تحتاج إلى بذل المزيد لتشجيع المواطنين على السفر إلى تونس التي قامت بتوظيف ما يزيد عن 1,000 عنصر إضافي من ضباط الشرطة من أجل أن يجوبوا الشواطئ و المقاصد السياحية.
وأضاف سعيدي بأن الإحتفال يوم الأحد بالذكرى السنوية سوف يكون للحياة ونبذ الإرهاب، وذلك إحياء لذكرى الأبرياء الذين راحوا ضحية للحادث.
مؤكداً على عزمهم الإستمرار في بذل كافة الجهود اللازمة للخروج من هذه الأزمة.