القدس المحتلة ـ ناصر الأسعد
شهدت مدينة القدس، احتفالات غير مسبوقة، وشهدت اكتظاظًا من المصلين، لم تشهده منذ زمن طويل، فكما وصفها المقدسيون فهي صلاة عيد في غير وقتها، وفرح بالانتصار على محاولة الاحتلال فرض سيطرته على الأقصى، وتضاعف الاحتفال مساء الجمعة في الأقصى ومدينة القدس خاصة بعد تنغيص الاحتلال يوم الخميس احتفالات دخول الآلاف إلى الأقصى بعد استباحته بالاقتحام والاعتداء على المصلين بالضرب والقنابل والأعيرة المطاطية وإعادة إغلاق أبواب الأقصى، إضافة إلى قيود فرضها على دخول الشبان إلى المسجد لأداء صلاتي الجمعة والعصر، الذين أكدوا أن صلواتهم واعتصامهم على عتبات الأقصى مستمر حتى دخوله دون قيود أو شروط.
وطغت أجواء عيد حقيقي، على المشهد مساء الجمعة، عشرات الشبان يوزعون الكنافة والبقلاوة والمكسرات، الهتافات وشارات النصر في كل مكان حول البلدة القديمة وداخلها، أبواق السيارات انطلقت في الشوارع، وحملت الجماهير الشيخ محمد حسين مفتي القدس والديار الفلسطينية على الأكتاف أثناء توجهه إلى منزله في جبل المكبر، والأهم من ذلك الابتسامة والسعادة التي ارتسمت على وجوه الداخلين إلى الأقصى، والفخر بأنهم رابطوا وصبروا أسبوعين حتى حققوا ما سعوا إليه... ففور فتح أبواب الأقصى ورفع القيود على دخول المصلين بدأ التوافد إلى المسجد وبلغ ذروته مع صلاة العشاء.. آلاف دخلوا الأقصى مهللين مكبرين تكبيرات النصر ... مشهد تكرر لليوم الثاني على التوالي فهذا يسجد لله شاكرا.. وآخر يقرأ القرآن في جنبات الأقصى.. وثالث يصلي .. والمشهد العام كان التجمعات والأناشيد والهتافات الجماعية.
وحاول الاحتلال مرة أخرى التنغيص على الفلسطينيين خلال احتفالاتهم، بقمع تجمع للمحتفلين بالنصر في منطقة واد الجوز مما أدى إلى إصابة اثنين بالأعيرة المطاطية، أسبوعان على التوالي -منذ الرابع عشر من الشهر الجاري- اغلق المسجد الأقصى وحرم المصلون من الدخول والصلاة فيه عقب اشتباك مسلح داخل ساحاته أدى إلى استشهاد ثلاثة شبان من مدينة أم الفحم وقتل شرطيين إسرائيليين، ففي أول يومين من العملية اغلق الأقصى لأول مرة منذ احتلال القدس ولم يرفع فيه الآذان ولم يكن بداخله لا مؤذن ولا مصل ولا إمام.. قامت خلال ذلك بتفتيش كافة مكاتبه وساحاته ومساجده وأباره والمتحف الإسلامي ومقر المحكمة والمخطوطات، وبعد ذلك فتحت بعض أبواب المسجد ووضعت عليه البوابات الإلكترونية والمسارات الحديدية على الأرض وبعض الجسور للكاميرات كل ذلك رفض بشكل قاطع وطالبوا بإزالة هذه الإجراءات غير المسبوقة.
وأمام هذه الإجراءات الإسرائيلية لم يقف الفلسطيني مكتوف الأيدي فأصدرت المرجعيات الدينية في القدس قرارا برفض الدخول إلى الأقصى حتى إزالة كافة الإجراءات التي اتخذت عقب الرابع عشر من تموز، وشهدت أبوابه وخاصة "باب الأسباط والمجلس" الاعتصامات اليومية والصلوات والرباط على مدار الساعة، فيما تتحول منطقة باب الأسباط في ساعة الليل إلى مهرجان ديني ضخم يشارك فيه الآلاف وكان العدد يزداد يوميا رغم محاولته الاحتلال قمعه وإحباطه بشتى الوسائل سواء إلقاء القنابل والأعيرة المطاطية أو الضرب أو الاعتقال أو إصدار قرارات إبعاد عن الأقصى والبلدة القديمة، كما عكست أيام الاعتصامات الماضية صورة للتكافل الاجتماعي في مدينة القدس، بدعم ثبات المرابطين على أبواب المسجد بتوزيع المياه والأطعمة والمثلجات على مدار الساعة، إضافة إلى قيام الشبان بتنظيف ساحات التجمع.
وقدم عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، مفوض عام التعبئة والتنظيم، جمال المحيسن، واجب العزاء باسم الحركة لذوي الشهيد الأردني محمد زكريا الجواودة، الذي استشهد على يدي حارس أمن السفارة الإسرائيلية في عمان، يوم الأحد الماضي.
وهاتف المحيسن والد الشهيد الجواودة، مقدما العزاء له ولعشائر الدوايمة في عمان، وأكد فخر الشعب الفلسطيني بشهيد المملكة الأردنية، معربا عن خالص تعازيه ومواساته لأسرة وذوي الفقيد بمصابهم، ومصاب الأردنيين جميعا، كما هاتف المحيسن عائلة الشهيد الطبيب بشار الحمارنة، معزيا أسرته وعشيرة آل الحمارنة بالفقيد المرحوم الذي قضى في حادثة السفارة، وفي بلدة حزما، شرق القدس المحتلة، شارك المحيسن في جنازة الشهيد محمد فتحي عبد الجابر كنعان (26 عاما) الذي ارتقى يوم أمس متأثرا بإصابته برصاصة في رأسه خلال مواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي قبل ثلاثة أيام.
وشدد المحيسن على أن القدس ومقدساتنا هي عنوان كرامة الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية التي تتمثل بنضالات أبناء شعبنا ومقاومتهم الانتهاكات الاحتلالية، وقال إن الوفاء للشهداء واجب علينا جميعا بتمسكنا بالثوابت الفلسطينية وحماية المشروع الوطني الفلسطيني وقرارنا المستقل، ودعا المحيسن، الله العلي القدير أن يتغمد الشهيد كنعان بواسع رحمته، ويدخله فسيح جناته، ويلهم أهله الصبر والسلوان.
وقالت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيديركا موغريني، إن مواقف الاتحاد الأوروبي لم تتغير فيما يتعلق بالحالة القانونية للقدس الشرقية، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، وفيما يتعلق بالوضع الراهن "ستاتسكو" للمسجد الأقصى المبارك.
وشددت في رسالة رسمية وجهتها إلى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، التزام الاتحاد الاوروبي "بشكل كامل بحل الدولتين، ويبذل الجهود الحثيثة بما يشمل ذلك جهودا خاصة مع شركائه الدوليين، من أجل الحفاظ على حل الدولتين والدفاع عنه، ووضع قيام الدولة الفلسطينية على رأس أولويات جدول أعمالنا".
وأشارت موغريني إلى أن الاتحاد الأوروبي تابع التطورات والأحداث بشكل مباشر، ولعب دوراً فاعلاً في الانخراط بنقاشات مكثفة مع جميع الأطراف الرئيسية، حول القضايا الجوهرية التي يجري معالجتها حالياً بهدف إيجاد حل متفق عليه للحفاظ على الوضع الراهن.
وأكدت على العلاقات الوثيقة التي تربط الاتحاد الأوروبي بمنظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية منذ زمن طويل والتي تستند إلى الثقة. وقالت "إننا نتشارك المصلحة بانخراطنا في عملية سياسية جدية وجوهرية وبناءة، تتجاوز المواقف المتكررة والمعروفة، ونيتنا هي مناقشة سبل التقدم والقضايا ذات المصلحة المشتركة، سواء في كيفية معالجة الأزمة الحالية أو في كيفية العمل من أجل إحراز تقدم حقيقي باتجاه تحقيق رؤية حل الدولتين، باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الاحتلال وحل الصراع".
وأشارت إلى قرار مجلس الأمن "2334" فيما يتعلق بخلق ظروف ملائمة من أجل إطلاق عملية مفاوضات ناجحة. وأعربت عن أملها في متابعة نقاش سبل دعم الاتحاد الأوروبي لهذه الظروف ودعم التقدم بالقضايا الأخرى.
وكان عريقات وجه رسالة رسمية لموغريني، احتجاجاً على صيغة البيان الذي أصدره مكتب الاتحاد الأوروبي، تعليقاً على الأحداث الأخيرة في القدس المحتلة، طالب فيها بتقديم توضيح رسمي بشان القدس الشرقية المحتلة بما يتماشى وتشريعات وسياسات الاتحاد الأوروبي، واتخاذ خطوات بناءة وفاعلة من أجل المساهمة في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن دولة فلسطين.
وقال عريقات "إن البيان الصادر عن مكتبكم في 22 تموز/يوليو، يفتقر إلى أي إشارة للوضع القانوني للقدس الشرقية المحتلة أو لالتزامات إسرائيل، بصفتها القوة المحتلة، بموجب القانون الإنساني الدولي، ولقد فوجئنا بشكل خاص بالتمييز بين القدس الشرقية المحتلة وبقية الضفة الغربية المحتلة. إن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من أرض فلسطين المحتلة".
وأضاف أن التصريحات السياسية التي تفتقد سياقها الصحيح تخدم بشكل مباشر أولئك الذين يحاولون تحويل الصراع السياسي إلى حرب دينية، من خلال الخلط عمداً بين مسألة السيادة والادعاءات الدينية للأماكن المقدسة".
وأكد أن وصف الأحداث الذي جاء في بيان الاتحاد الأوروبي، مضلل وقد ساوى بين القوة المحتلة وشعب تحت الاحتلال. وأشار إلى استخدام القوة المفرطة من قبل سلطات الاحتلال ضد المتظاهرين السلميين العزل وقتلهم، وقال "إن استخدام القوة ضد الاحتجاجات المدنية ليست ظاهرة جديدة، إنه أمر يتكرر بشكل أسبوعي تقريبا، وهذا نادرا ما يُذكر في بيانات الاتحاد الأوروبي، ولا يمكن فصل الحالة في المسجد الأقصى المبارك عن السياق الأوسع للاحتلال، والذي يُسمح باستمراره لأكثر من 50 عاماً بسبب عدم المساءلة، ومنح إسرائيل الحصانة، وتعزيز ثقافة الإفلات من العقاب".
وأكد عريقات "أننا سنواصل استخدام جميع الوسائل القانونية والدبلوماسية المتاحة لنا، وفقا للقانون الدولي، من أجل الدفاع عن حقوقنا غير القابلة للتصرف، بما في ذلك الحق في حرية العبادة في أماكننا المقدسة الإسلامية والمسيحية".
ومنذ بدء أحداث القدس في 14 تموز وحتى مساء الجمعة، استشهد 15 فلسطينيا بينهم خمسة من مدينة وضواحي القدس وثلاثة شهداء من أم الفحم وستة من الضفة الغربية وشهيد من قطاع غزة، وحسب إفادات الهلال الأحمر أصيب نحو 1400 فلسطيني بجروح متفاوتة خلال مواجهات القدس والضفة.
الشهداء هم:
1. محمد أحمد جبارين/ أم الفحم
2. محمد حامد عبد اللطيف جبارين / أم الفحم
3. محمد أحمد مفضل جبارين / أم الفحم
4. براء اسماعيل حمامدة/ بيت لحم
5. عمار خليل الطيراوي / رام الله
6. رأفت نظمي الحرباوي / الخليل
7. محمد حسين أحمد تنوح/ بيت لحم
8. محمد محمود شرف / القدس
9. محمد حسن أبو غنام/ القدس
10. محمد خلف محمود لافي / ضواحي القدس
11. عدي عزيز خليل نواجعة / طوباس
12. يوسف عباس كاشور / ضواحي القدس
13. محمد كنعان /ضواحي القدس
14. عبد الله علي طقاطقة/ بيت لحم
15. عبد الرحمن أبو هميسة / مخيم البريج. غزة
وبهذا يرتفع عدد الشهداء منذ أكتوبر 2015 إلى 345 شهيدا، (بينهم 83 طفلا أعمارهم أقل من 18 عاما و32 أنثى)، ومن بين مجموع الشهداء 70 شهيدا من مدينة وضواحي القدس و10 شهداء من الداخل المحتل عام 1948، و50 شهيدا من قطاع غزة. و4 شهداء عرب، 183 شهيدا أعدموا في عمليات طعن أو دهس أو اشتباه بذلك ( 3 بعد أحداث القدس الأخيرة).
ويرتفع عدد الشهداء منذ بداية عام 2017 إلى 66 فلسطينيا (7 منهم استشهدوا في اشتباكات مسلحة أو بعد عمليات إطلاق نار)، وعدد الشهداء المحتجزة جثامينهم من هذه القائمة 13 شهيدا بينهم شهيدان من القدس.