الإحتجاجات في لبنان

خرجت تظاهرات، اليوم الأحد، وسط بيروت تلبية لدعوات أطلقها ناشطون أمس تحت اسم "أحد المحاسبة"، رغم رداءة الطقس. ذكرت "الوكالة الوطنية للإعلام" الرسمية أن عشرات الشبان بدأوا بالتجمع أمام المبنى الذي يقطن فيه الرئيس المكلف بتأليف الحكومة في لبنان حسان دياب، وسط انتشار لعناصر من قوى الأمن الداخلي في محيط المبنى. وردد المشاركون هتافات رافضة لتكليف دياب.

وأكد المحتجون لوسائل إعلام محلية أن "التحرك لن يتأثر بهطول الأمطار لأن الرسالة يجب أن تصل. والآن يجب أن نكون أمام منزل دياب للضغط لاعتذاره لأنه ليس رجل المرحلة بكل بساطة. تكليفه كان مستفزاً ومرفوضاً لشريحة واسعة من اللبنانيين ونحن بحاجة لرجل يؤمن حداً أدنى من الإجماع والحيادية لإدارة مرحلة انتقالية حساسة تتضمن انتخابات نيابية مبكرة". وأفادت مصادر أمس بأن الطرق الداخلية المؤدية إلى منزل رئيس الوزراء المكلف، حسان دياب، أقفلت بحواجز حديدية، وسط تواجد كثيف للقوى الأمنية.

كما اعتصم عددٌ من المتظاهرين اللبنانيين أمام عددٍ من المصارف في أكثر من منطقة، ضمن احتجاجات على سياسة المصارف وجمعية المصارف اللبنانية، وهتف المتظاهرون ضد حماية المصارف للنظام المالي الذي وصفوه بالمتهالك، وأكدوا أن تظاهراتهم تأتي تضامناً مع المودعين، وضد مخالفات المصارف للقانون. المتظاهرون الذين أتوا من مختلف المناطق اللبنانية، حملوا الأعلام اللبنانية والمظلات لحماية أنفسهم من الأمطار التي تساقطت بغزارة لليوم الثالث على التوالي، ورددوا شعارات تنتقد أداء الطبقة السياسية، والمماطلة التي تنتهجها في تشكيل حكومة مستقلة، في ظل الانهيار المالي والنقدي المتفاقم، والتردي الحاد في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.

وأصر المحتجون في اليوم الـ74 من الاحتجاجات الشعبية، على ضرورة تحقيق مطالبهم الواضحة، من تشكيل حكومة مستقلة، مرورا بمعالجة الأوضاع الاقتصادية ومكافحة الفساد، وصولا إلى الدعوة لانتخابات نيابية مبكرة بأسرع وقت، عبر قانون انتخابي يضمن عدالة التمثيل. وقال أحد المتظاهرين، إن "المتظاهرين يعتصمون أمام منزل حسان دياب لتذكيره بأنه مرشح أحزاب من الطبقة السياسية نفسها، وبأن ما يحصل في اتصالات ومشاورات تأليف الحكومة من حسابات ومحاصصات فضيحة جديدة تضاف إلى طريقة تسميته، ولهذا نطالبه بالاعتذار السريع لأنه يضيّع الوقت الذي بدأ ينفذ من الجميع".

وقالت إحدى المتظاهرات إن "الشارع لا يريد حسان دياب أو سعد الحريري أو أي مرشح أحزاب آخر، لأن مطالب الانتفاضة الشعبية واضحة جدا، تتلخص بحكومة إنقاذ من خارج الأحزاب والوجوه المعروفة"، وأضافت: "لكن على ما يبدو فإن الجهات التي أتت بدياب تسعى لتقاسم الحصص والسيطرة على ما تبقى من حياة سياسية في البلد، وهذا يعني أن عقلية السلطة لم تتغير بعد تاريخ السابع عشر من أكتوبر".

ورددت مجموعة من الشبان شعارات ضد دياب، منها "لا حسان ولا حريري"، و"كلن يعني كلن وحسان واحد منهم"، فيما عمد بعض سكان الحي المجاور، حيث منزل دياب، إلى الطرق على الأواني، في إشارة إلى دعمهم لمطالب المتظاهرين. ونفذت التظاهرة وسط إجراءات أمنية استثنائية في محيط منزل دياب، حيث حضرت قوى كبيرة من فرقة مكافحة الشغب، والجيش اللبناني، وعمدت إلى إغلاق مداخل الشارع الذي يسكن فيه المسؤول بالحواجز الـمنية والحديدية، منعا لاقتراب المتظاهرين.

ولفت أحد المتظاهرين إلى أن هذه التحركات "تهدف إلى إيصال رسالة رمزية لدياب ومن هم بالسلطة، بأن الشارع رافض للمحاصصات وللطريقة المتبعة"، مؤكدا أن "التحركات الشعبية ستستمر رغم رداءة الطقس وسوء الأحوال الجوية". يأتي هذا في الوقت الذي يستكمل فيه دياب مشاوراته السياسية ولقاءاته سعيا لتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن. وبعد موجة التفاؤل التي سادت في الأيام الماضية بشأن قرب تشكيل الحكومة قبل نهاية العام، تراجع منسوب التفاؤل هذا بعدما سربت معلومات عن خلافات واختلافات في وجهات النظر بين القوى التي سمت دياب، على بعض الأسماء وشكل الحكومة المرتقبة.

ويصر دياب على حكومة مصغرة من 18 وزيرا من أخصائيين، نصفها للمسلمين ونصفها الآخر للمسيحين، على أن يتم دمج بعض الوزارات وإلغاء بعضها الآخر، إضافة إلى إلغاء ما يسمى "وزراء الدولة"، أي الذين يتسلمون منصبا وزاريا من دون حقيبة. وتشير المعلومات إلى أن حركة أمل وحزب الله يصران على تسمية وزرائهم، فيما يصر التيار الوطني الحر على الحصول على وزارتي الطاقة والخارجية عبر ممثلين يعمد إلى تسميتهم، وتقول تقارير صحفية، إن رئيس الجمهورية ميشال عون يتمسك بتمثيل سليم جريصاتي في الحكومة، وهو واحد من المقربين منه، وأحد أعضاء الحكومة الحالية.

وتواجه عملية التأليف عقبة أساسية، تتمثل بالتمثيل السني والغطاء السني، حيث لم يجد دياب ممثلين من الطائفة السنية في هذه الحكومة، ويعود هذا لاعتراض الحريري وتيار المستقبل وعدد كبير من الشخصيات السنية على طريقة تسمية دياب، التي وصفت بأنها "غير ميثاقية"، إضافة إلى هذين العاملين، يصر المتظاهرون المشاركون في الاحتجاجات، على أن دياب "غير مقبول"، وسط توقعات بأن يفشل في مهمة التأليف خلال الأيام القليلة المقبلة.

تحركات مرتقبة لمواجهة المصارف

ويتوقع أن يشهد الاثنين، الذي يصادف اليوم الـ75 من الاحتجاجات، موجة جديدة من التظاهرات في مختلف المناطق اللبنانية تحت عنوان "انهيار على من؟"، حيث يتوقع أن تشهد مختلف مراكز البنك المركزي في بيروت والمحافظات الأخرى، اعتصامات ووقفات احتجاجية، استنكارا للسياسة المالية والنقدية التي ينتهجها مصرف لبنان وباقي المصارف الخاصة في البلاد. وذكرت معلومات أن الحركة الطلابية في الجامعات والمعاهد والمدارس ستعود للتظاهر أمام المصارف والبنك المركزي، الاثنين، بعدما وصلت الأمور إلى حد الانهيار النقدي والمالي التام في البلاد، وتحضر مجموعة أخرى من المحتجين لجولة جديدة، الاثنين، على المصارف، للضغط عليها لوقف سياساتها التقييدية تجاه المودعين وعمليات السحب بالدولار.

"ثورة رأس السنة" في بيروت

وتزامنا، يستكمل ناشطون استعداداتهم لليلة رأس السنة في بيروت، حيث قرر المتظاهرون أن ينظموا تظاهرة ليلية وسط العاصمة اللبنانية، للاحتفال بقدوم عام 2020 على طريقتهم. وتحت عنوان "ثورة رأس السنة"، يستعد المتظاهرون، الثلاثاء، للتجمع في ساحة الشهداء والتأكيد على استمرار التحركات الاحتجاجية وأن العام الجديد "سيحمل معه التغيير الحقيقي على كل الأصعدة، وأن تاريخ ما بعد السابع عشر من أكتوبر، ذكرى انطلاق الاحتجاجات، لن يكون كما قبله بأي شكل من الأشكال".

ألقى حسّان دياب رئيس الحكومة اللبنانية المٌكلّف، مساء الخميس، كلمة تعهّد فيها بالعمل على تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، بينما أبدى البعض اعتراضه على تسمية دياب التي "سقطت بالمظلة".

وقال الاستاذ الجامعي حسان دياب: "جهودنا جميعا يجب أن تتركز على وقف الانهيار واستعادة الثقة"، مضيفا أن "الاستقرار السياسي والاقتصادي ضرورة قصوى"، وطرح رئيس الحكومة المكلف نفسه كمستقل، قائلا إن "انتفاضة" اللبنانيين تمثّله.

وفي وقت سابق من اليوم، وبعد انتهاء الاستشارات، استدعى الرئيس اللبناني ميشال عون الوزير السابق حسان دياب، لتكليفه تشكيل حكومة بعدما حصد تأييد نواب ميليشيا حزب الله وحلفائها، بعد أكثر من شهر ونصف على استقالة الحكومة السابقة على وقع غضب الشارع.

وفي بيان، أعلنت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية أنه بعد أن أجرى عون "الاستشارات النيابية الملزمة، وبعد أن تشاور مع رئيس مجلس النواب، وأطلعه على نتائجها رسميا، استدعى  الأستاذ حسان دياب لتكليفه تشكيل الحكومة"، وبعد وقت قصير، وصل دياب إلى القصر الرئاسي، حيث اجتمع مع رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان نبيه بري.

ونال دياب، وهو شخصية مستقلة لا ينتمي إلى أي حزب، تأييد 69 نائبا من النواب الذين شاركوا في الاستشارات، غالبيتهم من كتل حزب الله وحلفائه، لا سيما التيار الوطني الحر، حزب عون، وحركة أمل التي يتزعمها بري.وغالبا ما يمتنع حزب الله عن تسمية رئيس للحكومة، مما يشير إلى دعمه الكامل لتكليف دياب.

وحجب رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري ونواب تيار المستقبل الذي يتزعمه، الكتلة السنية الأبرز في البرلمان، أصواتهم عن دياب، وكذلك فعل رئيسا الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وتمام سلام، مبدين اعتراضهما على تسمية "سقطت بالمظلة".

ومع أن رئيس الحكومة المكلّف هو شخصية غير سياسية وأقرب إلى التكنوقراط باعتباره أستاذا جامعيا وشغل منصب وزير التربية في وقت سابق، إلا أن الأكثرية التي حصل عليها أتت من فريق الثامن من آذار المحسوب على المحور الإيراني. إذ حصل على أصوات كتلة "التيار الوطني الحر" برئاسة الوزير جبران باسيل، وكتلة "التنمية والتحرير" برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكتلة "الوفاء للمقاومة" التابعة لـ"حزب الله"، إضافةً إلى كتلة "اللقاء التشاوري" التي تضمّ 6 نواب سنّة معارضين للحريري.

الثالثة ثابتة

وإذا كانت الثالثة ثابتة على ضفة التكليف، بحيث انعقدت أخيرًا الاستشارات النيابية، بعد إرجاءين ونحو 50 يوما على استقالة الحريري، فإن "التأليف" ليس ثابتا ولا مضمونا، خصوصًا أن الرئيس المكلّف حسان دياب لم يحصل على أكثرية نيابية من السنّة، سوى 7 من اللقاء التشاوري، بعدما امتنعت كتلة "المستقبل" عن التصويت، إضافةً إلى كتلة الرئيس ميقاتي، والرئيس تمام سلام وهو ما يجعل مهمته صعبة سنّيًا.

ويأتي تكليف دياب، الأستاذ الجامعي في هندسة الاتصالات والكومبيوتر ونائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، على وقع أزمة سياسية حادة في لبنان، وانهيار اقتصادي ومالي متسارع يثير غضب اللبنانيين الذين يتظاهرون منذ شهرين ضد السلطة السياسية ويطالبون برحيلها مجتمعة.

ولا يعني تكليف دياب بتشكيل الحكومة أن ولادتها ستكون سهلة في بلد يقوم نظامه على المحاصصة الطائفية والسياسية. وعادة ما يستغرق تشكيل الحكومة أشهرا عدة للتوافق على تقاسم الحصص بين مكوناتها.يُعتبر الرئيس المكلّف حسان دياب من العاملين في الجامعة الأميركية في بيروت منذ العام ١٩٨٥، وغادرها لفترات متفرقة ثم عاد إليها وهو يتولى فيها مهمات أكاديمية وإدارية.

سيرة ذاتية

دياب من مواليد بيروت ٦ كانون الثاني ١٩٥٩، متزوج من نوار رضوان المولوي وله 3 أولاد، بنت وولدان، وكان تولى وزارة التربية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام ٢٠١١ التي وُصفت بـ"حكومة حزب الله والقمصان السود"، علمًا أن الرئيس ميقاتي لم يُسمّه اليوم في الاستشارات.

ويحمل دياب شهادة البكالوريوس في هندسة الاتصالات، وماجستير بامتياز في هندسة نظم الكومبيوتر، والدكتوراه في هندسة الكمبيوتر منذ العام ١٩٨٥، وفي رصيده أكثر من 150 منشورًا في مجلات متخصصة ومؤتمرات دولية، وأشرف على أكثر من 80 مشروعًا بحثيًا، وهو أستاذ مادة الهندسة الكهربائية وهندسة الكومبيوتر في كلية الهندسة والعمارة في الجامعة الأميركية في بيروت. لديه مساهمات بحثية علمية في مجلات علمية دولية ومؤتمرات.

شغل منصب العميد المؤسس لكلية الهندسة والرئيس المؤسس في ٢٠٠٤ في جامعة ظفار في سلطنة عمان. وفي أكتوبر/تشرين الأول العام ٢٠٠٦، عيّن في منصب نائب الرئيس للبرامج الخارجية الإقليمية في الجامعة الأميركية في بيروت.

اعتراضات ومظاهرات

ما أن ظهر اسمه وحيدًا على ساحة التكليف، حتى بدأ اللبنانيون يبحثون في ملفاته الشخصية وسيرته الذاتية، وعبّر عدد كبير منهم عن غضبهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نشر بعضهم تغريدات تحدّثت عن محسوبيات حصلت خلال توليه مناصب إدارية في الجامعة الأميركية، إلا أن الرواية الأبرز التي تناقلها روّاد مواقع التواصل كانت حادثة طبعه كتابًا عن إنجازاته عندما كان وزيرًا للتربية بسعر 70 مليون ليرة أي ما يعادل نحو 45 ألف دولار أميركي.

ولم تمضِ ساعات على تكليف رئيس الحكومة في لبنان حسان دياب، إلا وتجمع المتظاهرون في ساحة الشهداء في بيروت احتجاجًا على القرار.، وأغلق المحتجون عددا من الشوارع في مناطق مؤيدة للحريري، فيما ذكرت وكالة الأنباء اللبنانية عن وجود احتجاجات شمال لبنان وقطع للطرق.

جاء ذلك، بعدما دعا رئيس الوزراء المستقيل، سعد الحريري، في تغريدة، جميع أنصاره إلى رفض أي دعوة للنزول إلى الشارع أو قطع الطرقات. وأكد أن الهدوء والمسؤولية الوطنية أولويتنا والأزمة التي يواجهها #لبنان خطيرة ولا تحتمل أي تلاعب بالاستقرار.

في التفاصيل، أكدت المعلومات أن المتظاهرين قطعوا طرقات في العاصمة اللبنانية الخميس، بعد الإعلان عن تكليف حسان دياب رئيسا للحكومة، حيث تم قطع السير على أوتوستراد الناعمة بالاتجاهين، إضافة لقطع الطريق عند دوار السلام في طرابلس، وعند دوار المرج في الميناء، وكذلك عند دوار إيليا في صيدا.

بدورها، أفادت غرفة التحكم المروري بأن الطرقات المقطوعة إلى الشمال تشمل، بساحة النور، والبداوي، ودير عمار، والمنية، العبدة، وحلبا، والبيرة.كما أعلنت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام وصول محتجين على دراجات نارية أمام منزل دياب، وهم يرددون شعارات رافضة لتكليفه، ومؤيدة للحريري.

قد يهمك أيضا : 

مواجهات عنيفة بين الأمن والمتظاهرين في لبنان تُثير الغضب الدولي

 تكليف سعد الحريري لرئاسة الحكومة اللبنانية بات محسومًا بأكثرية برلمانية