القدس المحتلة ـ ناصر الأسعد
أكّد رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمد الله، أنّ استمرار الأسرة الدولية في صمتها المطبق حيال ما يحصل في فلسطين، وفي القدس خاصة، يغذّي الأطماع الإسرائيلية ويوسّعها وسيحيل الصراع إلى نزاع ديني لن تحمد عقباه، مشيرًا إلى أنّ "إسرائيل أمعنت في احتلالها الجاثم على أرضنا ومواردها ومقدساتها، منذ تسعة وستين عاما متصلة من القهر والظلم والعدوان، واستمرت في تعصبها وعنصريتها، وطوال هذه العقود، لم تخضع لأية مساءلة أو عقاب، وهو ما شجعها على التمادي بارتكاب جرائمها والاستمرار في انتهاك القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، لقد أكدنا ولا نزال، أن القدس خط أحمر، لن نسمح لأحد بتجاوزه، فهذه المدينة هي مهد الديانات السماوية، مهبط الوحي والإلهام، ومحط أنظار المسلمين والمسيحيين من كل حدب وصوب، وإسرائيل كانت ولا تزال، بانتهاكاتها وممارساتها الهادفة إلى اغتصاب الأرض من أصحابها الشرعيين وإحكام قبضتها على مقدساتها الإسلامية والمسيحية، تحاول تزوير التاريخ وتزييفه".
جاء ذلك خلال كلمته في المنتدى الدولي لأوقاف القدس، المنعقد الاثنين في مدينة اسطنبول التركية، بحضور ورعاية رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، وبمشاركة عدد من الوفود من دول المملكة الاردنية الهاشمية والمغرب وتركيا، ومضيفًا أنّه "يشرفني أن أنقل لكم ومن خلالكم، وإلى كافة شعوب الأمتين العربية والإسلامية، تحيات فخامة الرئيس محمود عباس، كما تحيات شعبنا الصامد المتجذر في أرض وطنه والمصمم على نيل حريته والانعتاق من الاحتلال الإسرائيلي، وكما أنقل لكم معاناة شعبنا، فإنني أحمل معي كذلك، آماله وتطلعاته لإنهاء الاحتلال، الذي لم يجلب سوى الكراهية والتعصب، أتقدم باسم سيادة الرئيس الأخ محمود عباس وباسم شعبنا الفلسطيني، بكل الشكر والعرفان من فخامة الرئيس أردوغان، وحكومة وشعب تركيا الصديق على وقوفهم الدائم مع نضال شعبنا ودعمهم لحقوقنا المشروعة، وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير في دولتنا المستقلة كاملة السيادة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف، وأشكر أيضا كافة الدول العربية والإسلامية، الصديقة والشقيقة، وفي إطار منظمة التعاون الإسلامي، على ما يبذلونه من جهود متواصلة لنصرة القدس والدفاع عن مقدساتها، ونجدة أبناء شعبنا ومدهم بمقومات صمودهم وبقائهم على أرضهم".
وأشار الحمد الله إلى أنّه "جئتكم اليوم من فلسطين المحتلة الصامدة في وجه الاحتلال الإسرائيلي،جئتكم حاملا معاناة أهلنا في القدس، رمز الحضارة العربية والإسلامية وزهرة المدائن، الذين يتصدون لمحاولات تغيير الطابع العربي الإسلامي والمسيحي لمدينتهم ومقدساتها، آتي إليكم محملا بوجع أهلنا في غزة المكلومة المحاصرة، الذين يفرض الاحتلال الإسرائيلي عليهم عقابا جماعيا ويخنقهم بحصار ظالم يصادر أبسط مقومات حياتهم، إنني أحمل إليكم أيضا، نداء ومعاناة أبناء شعبنا في الأغوار وفي كل شبر من أرض وطننا، الذين يعانون من الحصار والظلم والعدوان
ويطوقهم الاستيطان والجدار ويتهددهم المزيد من مصادرة الأرض والموارد، أحمل معي من فلسطين الأسيرة، معاناة أسرى الحرية في سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي، الثائرين في وجه الظلم والقهر وقساوة الأسر والسجان، الذين يصرون على نيل حقوقهم الإنسانية الأساسية والانتصار لمعاناة شعبنا وتطلعاته، ويواصلون إضرابهم المفتوح عن الطعام، رافعين راية الحرية والكرامة، ومسطرين، بأمعائهم الخاوية، وعزيمتهم التي لا تلين، ملحمة تاريخية في الصمود والتحدي
ومن على هذا المنبر، أطالب المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته الإنسانية والأخلاقية لنصرة أسرانا البواسل وإنقاذ حياتهم، وإلزام إسرائيل بإنهاء ممارساتها القمعية ضدهم، والاستجابة لمطالبهم العادلة، كمقدمة للإفراج عنهم جميعا دون استثناء أو شروط، لقد أرست الرسالتان الإسلامية والمسيحية، قواعد العدل بين الناس وحرمت الظلم بكافة أشكاله، وأن الحضارة التي بناها المسلمون والمسيحيون معا في أرض الرباط، إنما تشكل تجربة حضارية رائدة، جعلت لفلسطين تراثا روحيا وحضاريا وثقافيا هاما، وجعلت منها حضنا للحضارات والأديان، وقد ظل شعبنا الفلسطيني، وفياً لهذا الإرث الغني، مع كل آذان مسجد وجرس كل كنيسة، ثقافة التسامح والتعايش والقبول، بالرغم من الظلم التاريخي الذي لحق به ولا يزال، وفي هذا المقام، فإننا نشجع مسيحيي الشرق، على التشبث بتراب الوطن، ميراثنا الشرعي من أجدادنا وآبائنا، فهذا الوطن لنا منذ آلاف السنين، وجذورنا ضاربة فيه، وعليه سنظل راسخين".
وأوضح الحمد الله أنّ "إسرائيل عملت جاهدة بكافة الوسائل والطرق، منذ أن احتلت الأراضي الفلسطينية عام 1967، السيطرة على مدينة القدس وتغيير معالمها وعزلها عن محيطها العربي والإسلامي، بهدف تهويدها واقتلاع الوجود العربي فيها، وقد دأبت حكوماتها المتعاقبة على تثبيت احتلالها للمدينة واستهداف طابعها الثقافي والتاريخي والمعماري وإقامة المزيد من المستوطنات على أراضيها وتطويقها بالجدار، في محاولة لفرض وقائع جديدة على أهلها وتغيير واقعها الديموغرافي، إن ما تقوم به إسرائيل ليس مخالفا للقانون الدولي فحسب، بل ومخالفا أيضا لروح العصر الذي ينبذ كافة أشكال الظلم والاضطهاد، إذ تبث الحكومة الإسرائيلية التحريض والكراهية ضد شعبنا، وتعتمد القوانين المخالفة للقانون الدولي والإنساني
وتشير تصريحات مسؤوليها صراحة، إلى تحديد حدود القدس التي ترغب إسرائيل في السيطرة عليها من جانب واحد ودون أية مراعاة لأية قواعد أو اتفاقيات، وإلى نيتهم تمزيق الأرض بعزل المدن والقرى الفلسطينية، وتؤكد تنكرهم لكافة القوانين والمواثيق الدولية، احتشدت، عبر التاريخ، المواقف الدولية والقرارات الأممية التي تؤكد أن القدس الشرقية هي أرض فلسطينية محتلة منذ الخامس من حزيران 1967، وتشدد على وجوب عدم المس بمكانة هذه المدينة، وعلى ضرورة تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، حيث أعلنت الولايات المتحدة على لسان ممثلها في الجمعية العامة" اوكرجولد برج" عام 1967، أنها تعتبر القدس واحدة من أقدس مدن العالم، وأن القدس الشرقية، هي منطقة محتلة تخضع لقانون الاحتلال الحربي، ولا يجوز لإسرائيل أن تدخل عليها أية تغييرات، ويتطابق هذا الموقف مع موقف الأمم المتحدة الذي يعتبر مدينة القدس أرضا محتلة، بحسب القانون، ولا يجوز تغيير الأوضاع الديموغرافية أو السياسة فيها".
وأضاف الحمدالله "لقد مر الدور الأردني الهاشمي، في الحفاظ على المسجد الأقصى المبارك وحماية مقدساته بل وإعمارها وصيانتها، بمراحل طويلة، وهو لا يزال حتى الآن، دورا مستمرا وراسخا رغم الظروف السياسية الصعبة والمعقدة، هذا ويحرص جلالة الملك عبد لله الثاني، وبشكل دوري، على لقاء شخصيات وفعاليات مقدسية، لضمان إشراكهم في تحديد الأولويات وبلورة البرامج والمشروعات التي تنفذ في القدس الشريف، لتمكينهم من الحفاظ على عروبة المدينة وأصالة هويتها"
مشيرًا إلى أنّه "وقد وقع جلالة الملك عبد الله الثاني وفخامة الرئيس محمود عباس عام 2013، اتفاقية الدفاع عن القدس والمقدسات، كإطار حيوي للتنسيق والتعاون المشترك في حماية ورعاية القدس وجميع المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وصون مكانتها وطابعها التاريخي والثقافي والمعماري، وتأتي هذه الاتفاقية أيضا، تكريسا لدور جلالة الملك عبد الله، في متابعة قضايا القدس في المحافل والمنظمات الدولية، والإشراف على مؤسسة الوقف وممتلكاتها وإدارتها وفق قوانين المملكة الأردنية الهاشمية، نثمن عاليا الدور الهام الذي تلعبه المملكة المغربية الشقيقة بقيادة جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، في دعم القدس معنويا وسياسيا وماديا، لتعزيز هويتها وصون مكانتها التاريخية، حيث قامت من خلال، وكالة بيت مال القدس الشريف، بإنشاء ووقف المركز الثقافي المغربي في القدس، وإنشاء عدة مدارس ووقفها لصالح التربية والتعليم
كما تقوم يوميا بإطعام الفقراء من خلال الوقف الخيري الذي أنشأته في المدينة المقدسة، لقد تركزت الطاقات والجهود الحكومية، وبشراكة مع قطاعنا الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي، على نجدة أهلنا في القدس وتنمية قدرتهم على الصمود وحماية مقدساتهم. وتعتبر "اللجنة الوطنية العليا للقدس" التي شكلت بمرسوم رئاسي، والتي يرأسها فخامة الرئيس محمود عباس، الإطار الجامع والموحد لكافة المؤسسات والهيئات العاملة في القدس والمختصة في شؤونها، والحاضنة الكبرى للمشاريع والأولويات والتدخلات والفعاليات التي تنفذ فيها، وفي كافة القطاعات، كما حرصت الحكومة، من خلال مؤتمر بيت المقدس، الذي دأبت على عقده سنويا، تكريسا لنهج الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس وابنها البار، لتسليط الضوء على معاناة شعبنا في القدس كما تطلعاتهم، ولحشد الالتفاف العربي والدولي لتعزيز بقائهم في مواجهة مخططات التهويد والتهجير".
ووجه رئيس الوزراء دعوته للمستثمرين من الدول العربية والإسلامية الشقيقة، للاستثمار وعلى نطاق واسع، في أراضي الأوقاف التي تتركز غالبيتها في القدس وحولها، وبما يساهم في الحفاظ عليها من المصادرة والضياع، ويحقق عوائد اقتصادية هامة تساهم في تحسين مضمونها اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا، مؤكدا المساعي لتطوير القوانين لإدارة فاعلة للوقف الإسلامي وتهيئة الظروف المناسبة لحمايتها وتنميتها وتعزيز هويتها، بالاستفادة من تجارب أصدقائنا في الدول العربية والإسلامية في إدارة أصول الوقف، مناشدًا المجتمع الدولي الوفاء بالتزاماته المالية ومسؤولياته السياسية والتاريخية تجاه القدس، واتخاذ موقف موحد وصارم وفاعل، لإعانة المقدسيين على التحدي والصمود وحماية حقهم الطبيعي في التعليم والصحة والسكن، ومشددًا على أهمية توفير وتوجيه الدعم لقطاع الإسكان في القدس، من خلال منح البناء وإعادة الترميم، معتبرًا أن "السكن"، أبرز أوجه معاناة المقدسيين في ظل ما تفرضه حكومة الاحتلال وبلديتها في القدس، من قوانين صارمة تمنعهم من ترميم منازلهم أو البناء على أرضهم، بالإضافة الى مصادرة الأراضي وهدم المنازل والمنشآت، مشيرا إلى ان أبناء شعبنا المرابطون في القدس، يعيشون في غمار معاناة حقيقية ومتفاقمة، وفي بيوت قديمة تفتقر لأدنى مقومات الصحة.
وبيّن الحمدالله أنّ "مؤسساتنا المقدسية، التعليمية والصحية، تواجه الكثير من الصعوبات والتحديات، مما يتطلب تنمية وتعزيز قدراتها المالية لتمكينها من القيام بواجباتها في خدمة الوطن والمواطنين، وتعتبر مأسسة واستدامة الدعم الموجه لقطاع التعليم في القدس، أولوية كبرى، لمواجهة المخططات الإسرائيلية لتغيير المنهاج الفلسطيني والعبث بمضمونه الوطني والتعليمي، إننا جميعا مطالبون، بحماية القدس وتنمية قدرات مؤسساتها وحماية مقدساتها وتطوير اقتصادها، وبما يضمن حماية عروبة المدينة ومكانتها كعاصمة أبدية لدولة فلسطين، ويرسخ دورها الحضاري والإنساني، كحاضنة وحامية للأديان ولقيم التعايش والتسامح"
مطالبًا الأمم المتحدة بموقف واضح وفاعل، لكبح جماح إسرائيل ومنع توسعها في الاستعمار والاستيطان، ومنع تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي لمدينة القدس، وإنهاء أطول احتلال عسكري عرفه العصر الحديث، وتمكين شعبنا من تقرير مصيره وبناء دولته، مؤكدًا ان هذا وحده كفيل بوضع حد للتعصب والتطرف، ويشكل مفتاح الأمن والاستقرار في عموم المنطقة، مختتما أنّه "لقد آن الأوان للانتصار لمعاناة شعبنا وإحقاق حقوقه غير القابلة للتصرف، وتمكينه من العيش بحرية وكرامة وأمن في وطنه كباقي شعوب الأرض".