رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة إسماعيل هنية

دعا رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية يوم الثلاثاء، إلى عقد مؤتمر فلسطيني شامل في الداخل والخارج لمناقشة استراتيجية فلسطينية تتصدى للاستراتيجية الأميركية-الإسرائيلية لضرب قضيتنا الوطنية.

وطالب هنية، خلال خطاب ألقاه من منزله في مدينة غزة، أن يكون تعزيز المصالحة الوطنية على قاعدة الشراكة والديمقراطية والإسراع في إنجاز خطواتها دون عوائق وتلكؤ وإنهاء معاناة قطاع غزة، على رأس الاستراتيجية، ولفت إلى أهمية تلك الاستراتيجية في ظل فشل استراتيجية المفاوضات والتسوية، مضيفًا أن "أوسلو أصبح خلف ظهورنا، ونريد أن نتفق على المقاومة بكل أشكالها"، ودعا إلى الاتفاق على إدارة القرار الفلسطيني والتحرك السياسي، مشيرًا إلى أن ذلك يتطلب إعادة بناء منظمة التحرير، والمجلس الوطني وفق اتفاق بيروت، ورأى أن اجتماع المجلس المركزي والقرارات التي اتخذها والتحديات التي يعيشها شعبنا يتطلب بناء استراتيجية وطنية تتصدى لما يجري.

وأكد أن حركته لا تفرض استراتيجية على أي من القوى الفلسطينية، مشيرًا إلى أن دعوته مفتوحة لكل الفصائل لعقد اجتماع ومناقشة استراتيجية وطنية في أي مكان يتم الاتفاق عليه، وأن نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الذي يزور المنطقة غير مرحب به في فلسطين والمنطقة، وأن التظاهرات الشعبية الرافضة لزيارته "خرجت لتعبر عن غضبها من السياسيات الأميركية في المنطقة، وأن واشنطن لم تعد وسيطًا نزيهًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين في عملية السلام"، وشدد على أن "أميركا تؤكد من خلال هذه القرارات الرئاسية وخطاب بنس في الكنيست أنها في موقع التحالف الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني، ولا تأخذ مصالح ولا متطلبات الأمة العربية والإسلامية بالحسبان، وأن الإدارة الأميركية تحاول تسخير المنطقة لخدمة الكيان الصهيوني وأمنه والتطبيع معه"، ونبّه إلى أن القرارات المتسارعة تمثل تهديدًا تاريخيًا للقضية الفلسطينية والحق الفلسطيني، لأنها ضمن سياق تصفية القضية وفق معطيات عديدة.

وأوضح هنية أن أبرز هذه المعطيات تكمن في أن القرارات الأميركية والإسرائيلية تأتي في سياق ضرب القضية في ثوابتها سواء فيما يتعلق بالقدس أو اللاجئين، مشيرًا إلى تقليص المساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) "ليس قرارًا مسقوفًا بالبعد المالي أو الإنساني، بل يتعدى ذلك إلى البعد السياسي المتعلق في حقنا بالعودة لأرضنا التاريخية"، وبيّن أن القرارات "تندرج في إطار ما يسمى بتحضير المنطقة للسلام الإقليمي أو التطبيع"، مؤكدًا أن "شعبنا الذي أسقط مشروع التوطين في منتصف الخمسينات، هو أقدر وأكثر وعي لإسقاط أي مشاريع من هذا القبيل، لا مصر تقبل ذلك، ولا نحن كفلسطينيين نقبل. لن نقبل بدولة إلا في حدود الأراضي الفلسطيني، وليس على حساب أي دولة عربية"، ولفت إلى أن القرارات تهدف إلى حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، مشيرًا إلى "تفهم حماس وإدراكها بعمق للقلق الأردني من القرارات الأميركية المتعلقة بالقدس والضفة، أؤكد بوضوح أننا نرفض الوطن البديل والتوطين وأن يكون حل القضية على حساب الأردن، القرارات الأميركية بقدر ما أنها تشكل تحديًا تاريخيًا؛ تفتح لنا فرصًا تاريخية إذا أحسنا دراسة المرحلة واستجمعنا قوانا وتعالينا على الصغائر ونظفنا الطاولة الفلسطينية من أجل القدس".

وأضاف "يمكن أن يكون وعد ترمب بداية النهاية لإسرائيل. هذا ليس كلامًا عاطفيًا، ونحن نستطيع تحويل التهديد إلى فرص"، وعن كيفية تحويل القرارات الأميركية الإسرائيلية إلى فرص، قال هنية إن "المنطقة كانت مخطوفة باتجاه مسار التسوية، وهذه القرارات وضعت حدًا نهائيًا لمسيرة التسوية في المنطقة، لن تتجرأ دولة عربية على إجراء سلام واعتراف متبادل مع العدو والقدس خارج المعادلة أو على حساب قضية اللاجئين"، مؤكدًا أن القرارات نسفت مشروع التطبيع الذي جرى التحضير له لسنوات، وأن القرارات الأميركية والإسرائيلية ذهبت إلى نقطة تُجمّع شعبنا والعرب والمسلمين والمسيحيين، وتعتبر "سُلّمًا لإعادة الوحدة الوطنية".

وأشار إلى أن الإجراءات دفعت لتحركات جدية لبناء تحالفات قوية في المنطقة تتبنى استراتيجية عدم الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، ودعم المقاومة الشاملة، وذكر أن هذه التحالفات تشكل "كتلة صلبة للتصدي للمشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة، ولن تكون معزولة بل منفتحة على كل مكونات المنطقة لأن القدس واللاجئين والضفة معارك الجميع"، وأضاف أن "ما تقوم به حماس من إعادة رسم علاقاتها السياسية في المنطقة ومد الجسور مع كل مكونات الأمة يندرج في سياق حشد الطاقات من أجل التصدي للقرارات الأميركية والممارسات الإسرائيلية بحق مقدساتنا الإسلامية والمسيحية".

وأكد هنية أن "شعبنا لن يستسلم أمام هذه القرارات، وقادر على الدفاع عن الأرض والقدس والحقوق"، مضيفًا أن "أميركا وإسرائيل واهمتان إذا ظنتا أن الحق مع تقادم الزمن يمكن أن يصبح باطلًا"، وحدد هنية ثلاثة مسارات سلكتها حماس في مواجهة القرارات الأميركية والإسرائيلية، وهي: الهبة الشعبية في الميدان، واستنهاض قوى الأمة للانخراط في مشروع الدفاع عن القدس، بالإضافة إلى الاتصالات السياسية والدبلوماسية الواسعة مع العديد من القيادات والمسؤولين في المنطقة، وقال: "هذه مسارات حيوية وواعدة ورسالة قوية أن شعبنا لن يستسلم. لو اعترف العالم كله بالقدس عاصمة لما يسمى الكيان الصهيوني فهذا الاعتراف باطل، ولا يلزم شعبنا ولا يُحبطه، وإذا لم نعترف فكل ما يجري حولنا هباءً منثورًا، شعبنا يعيش حالة من القلق المشروع تجاه مسار المصالحة في ظل حالة من التعثر والبطء والحسابات الضيقة عند بعض إخواننا في الساحة الفلسطينية، سلّمنا المعابر والجبايات، وعاد عدد كبير من الموظفين القدامى، واليوم الناس ترى أن هذا لم يوصلنا للمصالحة، نحن نزعم في حماس أننا قمنا بخطوات سريعة دراماتيكية، والبعض لم يستوعب ذلك، ورغم ذلك نحن غير نادمين، ومرتاحين لكل الخطوات التي قمنا بها، وهي مسؤولة ولازمة واختراق للحالة الساكنة"

وأرجع هنية التعثر الحاصل في ملف المصالحة إلى أن "البعض لم يتشرب فكرة الشراكة والديمقراطية وتعايش البرامج، وتابع "قد تكون هناك صعوبات تواجه المصالحة (..) لكن ستصل إن شاء الله، ونحن كأحد الأطراف الرئيسة بالمصالحة ما زلنا متمسكين بتحقيقها، ولم نغادر هذا المربع، ولا أعتقد أننا سنغادره"، وكشف هنية عن تلقيه اليوم اتصالًا من اللواء سامح نبيل مسؤول الملف الفلسطيني في المخابرات العامة المصرية للتأكيد على استمرار مصر في رعايتها المصالحة رغم التغييرات الداخلية في الجهاز "لأن تحقيق المصالحة الفلسطينية توجه مصري وليس توجه أشخاص"، وأوضح أن اللواء نبيل نقل له رسالة إيجابية من حركة فتح بالتمسك بالعمل من أجل تحقيق المصالحة، مشيرًا إلى أن المسؤول الأمني المصري أكد له "الاستمرار في حماية وبناء العلاقة التي انطلقت بقوة بين مصر وحماس".

وأشار إلى أن "اللواء نبيل نقل رسالة القيادة السياسية المصرية وسعيها لترتيب لقاء جديد بين فتح وحماس في القاهرة حينما تتاح الظروف لفتح معبر رفح"، وقال هنية إنه تحدث مع اللواء نبيل عن وضع قطاع غزة الذي يمر بظروف غير مسبوقة، داعيًا إلى إنهاء هذا الوضع سواءً فيما يتعلق بالعقوبات التي تفرضها السلطة الفلسطينية أو ملف الموظفين أو غيرها من القضايا، وأضاف "قلت إن غزة قد تكون أمام سيناريوهات صعبة إذا استمر هذا الوضع"، وبشأن اجتماع المجلس المركزي الذي عُقد منتصف الشهر الجاري في رام الله وقاطعته حركتا حماس والجهاد الإسلامي، قال هنية إن حركته كانت ترغب في المشاركة، وأضاف "أجرينا مشاورات مكثفة مع جهات من ضمنهم فتح لخلق بيئة ليكون الاجتماع ناجحًا بالمعنى الوطني، وتخرج قرارات تعبر عن المجموع الوطني وليس فقط عن الأعضاء الموجودين".

ونوّه هنية إلى أن طلب عقد اجتماع للإطار القيادي المؤقت للتحضير للجلسة لم يؤخذ به، مضيفًا أنه "ورغم ذلك هناك قرارات اتخذها المجلس يمكن من خلال تطبيقها فتح آفاق لعمل فلسطيني مشترك"، وقال هنية إن عملية نابلس التي قُتل فيها حاخام إسرائيلي "عبّرت عن الغضب الفلسطيني على القرار الأميركي والقرارات الإسرائيلية التي استهدفت القدس والقضية برمتها"، وأشار إلى أن العملية "تؤكد أن المقاومة تسكن في وجدان الشباب والشعب الفلسطيني، وتؤكد أن هذا أول الرد الذي يمكن أن يتواصل على خط المقاومة الشاملة لإسقاط القرارات الظالمة، أُحيي أهلنا في جنين، وأتوجه بالتعزية والتبريكات لعائلة جرار التي ورثت المقاومة جيلًا وراء جيل".

استنكر هنية "الجريمة النكراء" التي تعرض لها كادر حركة حماس محمد حمدان في صيدا بجنوبي لبنان، لافتًا إلى أن محاولة الاغتيال التي تعرض لها "لا يمثل عدوانًا على حماس فقط، بل عدوانًا على الوجود الفلسطيني كله في لبنان، ويستهدف أمن لبنان واستقراره وسيادته، اطلعت على آخر الأخبار التي تفيد بأن تركيا أوقفت أحد المشتبه بهم وسلمته للحكومة اللبنانية. أعبر عن عظيم الشكر والتقدير للدولة اللبنانية بكافة أجهزتها السيادية والأمنية التي بذلك جهودًا استثنائية، وكشفت خيوط الجريمة في وقت استثنائي"، مؤكّدًا "تورط الموساد الإسرائيلي في محاولة اغتيال حمدان"، مُحملًا الاحتلال الإسرائيلي أي نتائج مترتبة على هذه الجريمة.

وحذّر الاحتلال من استمرار نهج الاغتيالات لكوادر أبناء شعبنا وقياداته في داخل فلسطين أو خارجها، وأكد هنية أن قضية الأسرى "ستبقى في قلب وعلى رأس أولوياتنا في حماس وكل فصائل المقاومة، وعلى الاحتلال أن يتوقف عن سياسات القمع والترهيب والإجراءات اللاإنسانية التي يتعرض لها أسرانا في السجون"، وشدد على أن "المقاومة التي تحتفظ ببعض الأوراق لكي تنجز صفقة محترمة ومقدرة ستظل وفية للأسرى".