الخليل - علياء بدر
يحيي الفلسطينيون السبت الذكرى الـ23 على ارتكاب مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل المحتلة، التي راح ضحيتها 29 مصليا على الأقل، إضافة إلى 150 جريحا.
ففي الخامس والعشرين من شباط عام 1994، فجر يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان، نفذ المتطرف باروخ غولدشتاين، بمشاركة قوات الاحتلال الإسرائيلي وجموع مستوطني "كريات أربع"، المجزرة البشعة التي تنم عن حقد دفين بحق الفلسطينيين.
وعند تنفيذ المذبحة قام جنود الاحتلال الموجودون في الحرم بإغلاق أبواب المسجد لمنع المصلين من الهرب، كما منعوا القادمين من خارج الحرم للوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى، وفي وقت لاحق قتل آخرون برصاص جنود الاحتلال خارج المسجد وأثناء تشييع جنازات القتلى ما رفع مجموعهم إلى 50 قتيلا، 29 منهم قتلوا داخل المسجد.
وفي اليوم نفسه تصاعد التوتر في مدينة الخليل وقراها وكل المدن الفلسطينية وقد بلغ عدد القتلى الذين سقطوا نتيجة المصادمات مع جنود الاحتلال 60 قتيلًا.
وأغلقت قوات الاحتلال الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة لمدة ستة أشهر كاملة بدعوى التحقيق في الجريمة، وشكّلت ومن طرف واحد لجنة "شمغار"، للتحقيق في المجزرة وأسبابها، وخرجت اللجنة في حينه بعدة توصيات، منها تقسيم الحرم الإبراهيمي إلى قسمين، وفرضت واقعا احتلاليا صعبا على حياة المواطنين في البلدة القديمة، ووضعت الحراسات المشددة على الحرم، وأعطت اليهود الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه، نحو 60% بهدف تهويده والاستيلاء عليه، وتكرر منع الاحتلال رفع الآذان في الحرم الإبراهيمي مرات عديدة.
ويضم القسم المغتصب من الحرم: مقامات وقبور أنبياء، منها قبر سيدنا يعقوب وزوجته، وقبر سيدنا إبراهيم وزوجته سارة، وقبر سيدنا يوسف، إضافة إلى صحن الحرم وهي المنطقة المكشوفة فيه.
كما وضعت سلطات الاحتلال بعدها كاميرات وبوابات إلكترونية على كل المداخل، وأغلقت معظم الطرق المؤدية إليه في وجه المسلمين، باستثناء بوابة واحدة عليها إجراءات أمنية مشددة، إضافة إلى إغلاق سوق الحسبة، وخاني الخليل، وشاهين، وشارعي الشهداء والسهلة، وبهذه الإجراءات فصلت المدينة والبلدة القديمة عن محيطها.
وعزز جنود الاحتلال الإجراءات الأمنية على مدخل الحرم، حيث توجد بوابة إلكترونية، وما يسمى ببوابة القفص، ونقاط المراقبة على باب الأشراف، كل هذا في مساحة لا تزيد على 200 متر مربع، إضافة إلى وضع 26 كاميرا داخل الحرم، وإضاءات كاشفة ومجسات صوت وصورة، وإغلاق جميع الطرق، باستثناء طريق واحدة تحت السيطرة الإسرائيلية.
وأوصت لجنة "شمغار" الإسرائيلية، بفتح الحرم كاملا (10 أيام) للمسلمين في السنة فقط، وكذلك فتحه كاملا أمام اليهود (10 أيام).
حسني الرجبي يروى ما حدث في تلك الليلة فيقول: "ليلة المجزرة جئت أنا وأولادي لصلاة الفجر وفي ليلة الجمعة المباركة وأثناء السجود وإذ بدخول جولدشتاين واثنين آخرين حيث قاموا بإطفاء الأنوار، ظننا في بادئ الأمر أن إطلاق النار يأتي ضمن احتفالهم بعيد المساخر وليس على المصلين".
أما عن الحاج عادل إدريس إمام الصلاة ليلة المجزرة وشقيق أحد شهدائها وهو سليم إدريس فيقول: "دخلت أنا وأخي الشهيد وأخي الثاني وزوج أختي بدران وقام بإقامة الصلاة افتتحناها بالفاتحة وسورة السجدة وإذ بالمستوطن يلقي نيرانه على الركع السجود بمساندة من قوات الاحتلال التي كانت بدورها تطلق النيران على من هم بالخارج".
ويضيف: "لقد كان أخي سليما يقف في الصف السادس أو السابع التفت إلى المستوطن الحاقد فأصيب بفكه لتخرج الرصاصة من رأسه وفي كتفه".
وتابع: "المضايقات من قبل الاحتلال مع المصلين بدأت شيئا فشيئا حتى إنه قبل المجزرة وفي صلاة التراويح هددوا المصلين بأنكم سترون غدا".
أما عن عائد المحتسب فقال: "على الرغم من تقادم السنين ما زال الجرح مفتوحا وما زالت إصابتي تروي لي في كل يوم أحداث تلك المجزرة الدامية، فبينما كنا نصلي الفجر وفي شهر رمضان المبارك أطلقت صوبنا زخات من الرصاص المتواصل الأمر الذي أدى إلى إصابتي بقدمي والعشرات من المصلين وارتقاء آخرين".
بدوره، عبر الشاهد مؤمن وزوز عما رآه ليلة المجزرة بن الوصف يعجز عن نقل بشاعة الحدث فيقول: "لقد كنت حينها أبلغ من العمر قرابة 17 عاما، لقد كانت الحواجز حينها شكلية وليست إلكترونية، فكنت كلما أردت الدخول إلى المنطقة الإبراهيمية خاصة خلال شهر رمضان المبارك تدخل على ثكنة عسكرية من كثرة الجنود الموجودين هناك".
ويضيف: "المشهد لا يوصف فقد كنت معتادا على الوقوف في مكان لو إنني وقفت فيه في تلك الليلة لكنت مع من ارتقوا شهداء ولكن القدر لم يشأ فقد نادني صديق لي فكنت خلف الحضرة وقد رأيت المشهد ومطلق النار بأم عيني وجاءتني الجرأة لرؤيته وقد كانت تلك النظرة قد تكون الأخيرة".
وتابع: "كان المشهد داميا لا يمكن أن تنساه ما حييت حيث الأصدقاء والأقارب والجيران حتى إن أحدهم طلب مني ماء قبل أن يرتقي شهيدًا".
يُذكر أن المجرم باروخ غولدشتاين الذي كان يبلغ من العمر (42 عاما) عندما ارتكب المجزرة يعدّ من مؤسسي حركة كاخ الدينية، وقد قدم من الولايات المتحدة الأميركية (عام 1980) وسكن في مستوطنة كريات أربع المقامة على أراضي مدينة الخليل.