القدس - ناصر الأسعد
ينتظر الموظف في سلطة رام الله، عاطف عبد السلام، الذي يعيل أكثر من 10 أطفال، حائرًا أمام الصراف الآلي، يتلقف الأخبار بصرف قريب للرواتب، حتى لا تكاد تمر دقائق حتى يتأكد أنّها ما هي إلا مجرد إشاعات، وبلهجة يملؤها الحزن والأسى، يؤكّد أنّه ما عاد يملك ما يسد به رمق أطفاله ولو بأبسط الأشياء، مضيفًا "ماذا يريدون منا، قالوا لنا التزموا بالشرعية واجلسوا في بيوتكم وجلسنا، وهذا هو جزاؤنا؟!، ثم يقطعون رزق أطفالنا".
ورقة الرواتب
موظف آخر رفض التعريف باسمه أملًا في عودة راتبه، قال "أغرقونا بالأقساط للبنوك، ثم قطعوا نصف الراتب وصبرنا، ثم إذا بهم يقطعوه تمامًا وكأنّهم يقطعون الأكسجين عنا وعنا أولادنا".
وللشهر الثاني على التوالي تمتنع سلطة رام الله بقيادة محمود عباس، عن صرف رواتب موظفيها في قطاع غزة، والذين يتجاوز عددهم أكثر من 40 ألف موظف مع توقعات أن يستمر القطع لما بعد شهر رمضان، في حين كشف محضر اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح، الذي عُقد في مدينة رام الله يوم الثلاثاء 10 نيسان /أبريل الماضي، تهديدات رئيس السلطة لغزة ومحاصرة "مسيرات العودة".
وشنّ عباس في الاجتماع هجومًا على قطاع غزة، وتعهّد بمنع الرواتب، كما يعترف أنه نسّق مع الإسرائيليين من أجل محاصرة مسيرات العودة، كما يظهر المحضر قول عباس "بكرا الرواتب هون للضفة، وفش رواتب لغزة، ويلي مش عاجبو يخبط راسو بمليون حيط، أنا يلي بقرر وليس مسموح لأحد التعديل على أي قرار، وأنا أعمل ما أراه مناسبًا"، ويضيف "إحنا عنا الورقة الأخيرة، ورقة الرواتب، وبدي أمنع الرواتب عن غزة من بكرا لبعد رمضان، وراح أخلي الناس بدل ما تروح على الحدود عشان العودة بدي تنزل على الميادين والشوارع ضد حماس، وبهيك الإسرائيليين راح يحولوا أموال المقاصة، وإسرائيل مستعدة لأي شيء عشان يخرب يلي بجري على الحدود".
عقوبات جديدة
ورغم أنّ تأخر صرف رواتب موظفي السلطة في غزة عن شهر آذار/ مارس الماضي، أثار موجة غضب عارم في صفوف موظفي السلطة والشارع الفلسطيني بشكل عام، خاصة بعد صرف الرواتب في الضفة المحتلة دون غزة، إلا أنّه ما زال بعض هؤلاء الموظفين يأمل بصرف راتبه، وأن يتدخل قادة فتح من غزة لحل الأزمة، إلا أنّ الرد جاء خلال محضر اجتماع مركزية فتح، حيث أظهر القيادي في فتح عن غزة أحمد حلس موقفًا مخزيًا، حيث قال لعباس "نحن معك أخ أبو مازن، وكل فتح بتفوضك، في أي قرار هتاخده، وبنقل إلك رسالة الفتحاويين في غزة معك في أي قرار".
ويتخوف الموظفون من أن يكون تأخر رواتب السلطة ناتج عن قرار وقف صرف رواتب الموظفين بشكل كامل، ضمن حزمة الإجراءات التي أعلن رئيس سلطة رام الله محمود عباس عزمه على اتخاذها، بذريعة عدم تمكين حكومة التوافق غزة، علمًا أن السلطة تخصم منذ أكثر من عام ما بين 30- 50% من رواتب موظفيها في غزة دون الضفة، بذريعة الأزمة المالية وتداعيات الانقسام الداخلي، وهو ما أثار استياءً شديدًا لدى الموظفين، حيث نظم الموظفون الذين اقتُطع جزء من رواتبهم فعاليات رافضة للخصم، إلا أنّها لم تلق أي استجابة، فيما كان عباس فرض في إبريل/نيسان الماضي إجراءات عقابية ضد القطاع، أبرزها تقليص كمية الكهرباء الواردة له، وخصم ما نسبته 30 إلى 50% من رواتب موظفي السلطة، وإحالات بالجملة للتقاعد، عدا عن تقليص التحويلات الطبية.
انهيار اقتصادي
ويشكو قطاع غزة من انهيار اقتصادي غير مسبوق في القطاعات بسبب رفض السلطة الالتزام بصرف رواتب موظفيها، فيما توقع مراقبون ومحللون أنّ تشكل خطوة قطع الرواتب بهذا الشكل فتيل انفجار للقطاع بوجه كل المحاصرين، مؤكّدين أنّ عباس يريد لورقة الرواتب أن تكون الورقة الأخيرة للاشتعال في وجه "حماس"، ولكن هذا لن يحدث لاعتبارات عدة، حيث من المتوقع أن يكون الانفجار في وجه الاحتلال كجهة أساسية للمفروض على قطاع غزة، ويمكن أن تتطور للانفجار في وجه السلطة باتخاذ الفصائل الكبرى في غزة خطوات دراماتيكية غير مسبوقة.
وكان رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، قد ألمح إلى أنّ حركته سوف تتخذ مواقف جديدة جراء تعنت السلطة في تطبيق المصالحة وذهاب عباس إلى خطوات انفرادية كان أبرزها عقد المجلس الوطني دون توافق.