رام الله - ناصر الاسعد
تراجع السفير الأميركي لدى تل أبيب، ديفيد فريدمان، تحت وطأة هجوم فلسطيني كبير، عن تصريحات هدد فيها باستبدال الولايات المتحدة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، إذا لم يعد للمفاوضات، قائلًا في توضيح جديد إن الولايات المتحدة لا تسعى لذلك، وإن الفلسطينيين هم من يختارون قيادتهم، مبينًا أن تصريحاته التي أدلى بها لمجلة إسرائيلية أُسيء فهمها، مضيفًا «الولايات المتحدة لا تسعى لاستبدال الرئيس محمود عباس، الأمر يعود للشعب الفلسطيني لاختيار قيادته».
وكانت مجلة «شفيعي» الإسرائيلية، الموجهة للجمهور المتدين والمتشدد في إسرائيل، قد نقلت تصريحات للسفير الأميركي بمناسبة عيد الفصح اليهودي، قال فيها إن الإدارة ستبحث عن بديل لعباس، إن لم يعد إلى طاولة المفاوضات. وقال فريدمان إنه إذا استمر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رفضه العودة للمفاوضات، فسيأتي من يقبل بها، مضيفًا «آخرون سيملأون الفراغ، وسنتقدم للأمام».
وتعد هذه أقوى تصريحات من مسؤول أميركي ضد الرئيس عباس، بعد تدهور العلاقة بين الطرفين منذ إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل نهاية العام الماضي.
وفي وقت سابق، دافع فريدمان، المعروف بتأييده الكبير للاستيطان، عن البناء الاستيطاني، واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وهاجم نهج القيادة الفلسطينية مرات عدة، مدافعًا بشراسة عن إسرائيل، إلى الحد الذي رفض معه عباس لقاءه أكثر من مرة، قبل أن ينعته بـ«ابن كلب»، وهو التصريح الذي أثار أزمة جديدة بين السلطة والإدارة الأميركية.
وعاد فريدمان للتذكير بنعته من قبل عباس، قائلًا إنه لم يتأثر بذلك، وإن «جلده سميك»، وإن لغة عباس تضر بالفلسطينيين وحسب، ولكنه تراجع عن تصريحاته بشأن بديل لعباس، التي جاءت بعد هجوم فلسطيني رسمي عنيف ضده، وصفه بمتحدث باسم إسرائيل.
وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة، إن التفوهات التي صدرت عن فريدمان تعد «تدخلًا سافرًا ومستهجنًا وغير مقبول في الشأن الداخلي الفلسطيني»، وأضاف «أن الشعب الفلسطيني لن يسمح لأية جهة خارجية، أيًا كانت، بأن تقرر مصيره».
وتابع أبو ردينة «يبدو أن فريدمان يتحدث باسم إسرائيل أكثر مما يتحدث باسم أميركا، وينصب نفسه مدافعًا عنها وعن المستوطنين، وهو لا يمثل مصالح الولايات المتحدة الأميركية، إنما يمثل عقلية لا تريد سوى توتير الأجواء والإساءة إلى الشعب الأميركي». وطالب الإدارة الأميركية «بوضع حد لهذه التصرفات الشائنة التي تسيء للشعب الأميركي أكثر مما تسيء للشعب الفلسطيني»، مبينًا «على هذه الإدارة أن توضح موقفها من التفوهات المستمرة لسفيرها التي تخرج عن الأعراف الدبلوماسية».
وأدان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، بشدة تصريحات فريدمان، قائلًا «إن التصريحات السياسية التي أطلقها فريدمان منذ توليه مهامه في تل أبيت، وانسلاخه عن الواقع، وتشجيعه لضم إسرائيل لأرض فلسطين المحتلة، وحرصه شخصيًا على دعم وتمويل الاستيطان، لا يعد خرقًا للقانون الدولي وتهديدًا لمنظومته وحسب، بل يعني أيضًا إطلاق العنان لحكومة اليمين المتطرف للقضاء على الشعب الفلسطيني ووجوده على أرضه، وتصفية قضيته العادلة».
وحظي فريدمان أيضًا بهجوم من حركة فتح. وقال منير الجاغوب، رئيس المكتب الإعلامي في الحركة، إن على السفير الأميركي «أن يكفّ عن التصرف كممثل للمستوطنين»، وأضاف «الرئيس أبو مازن هو الرئيس المنتخب للشعب الفلسطيني، وهو المؤتمن على المشروع الوطني الفلسطيني، والحارس لمقدّسات شعبنا، وفي المقدمة منها مدينة القدس عاصمة فلسطين الأبدية، تمامًا كما كان من قبله الشهيد المؤسس ياسر عرفات، الذي اختار الشهادة دفاعًا عن ثوابت شعبنا وأهدافه الوطنية. وإن على الإدارة الأميركية أن تتوقف عن الوهم بأنها يمكن أن تجد فلسطينيًا واحدًا يمكنه أن يقبل بالتنازل عن هذه الأهداف، أو أن يرضخ للتهديد والابتزاز"، مؤكدًا أن مثل هذه التصريحات الأميركية تزيد من الالتفاف حول الرئيس، وتزيد في المقابل من العزلة للسياسة الأميركية.
وعززت تصريحات فريدمان وجود نية لدى الإدارة الأميركية لإيجاد قيادة بديلة، وهو الأمر الذي تعهد الفلسطينيون مرارًا بالتصدي له. ووصف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، تصريحات فريدمان بأنها رسالة تهديد واضحة جاءت بقرار سياسي، وهي مرفوضة وتسيء للشعب الفلسطيني، وأضاف «تلك التصريحات خارجة عن الأعراف الدبلوماسية، وتعتبر تدخلًا سافرًا بالشأن الداخلي لدولة فلسطين».