أهالي جنوب ليبيا يكشفون أسباب تدهور المستوى المعيشي

يغلي جنوب ليبيا بالسخط والغضب، ويعيش حالة من البؤس بسبب عدم مده بالخدمات الأساسية، واستمرار تهميش مطالب سكانه وتواصل غياب السلطة المركزية، ففي وقت تنشغل فيه الحكومات المتنافسة في البلاد بالاستحواذ على السلطة، تذهب هذه المنطقة إلى الهاوية وتتجه نحو مزيد من الفوضى والخروج عن القانون مع تفشي التهريب وازدياد الهجرة الإفريقية وتنامي نفوذ الجماعات المتطرفة.

ويستغرب أهل الجنوب الليبي الحال الذي وصلوا إليه من فقر وحاجة وشحّ في أبسط مقومات الحياة والخدمات الأساسية، رغم ما يتوفرون عليه من ثروات نفطية، حيث يصف الناشط المدني بمنطقة براك الشاطئ كمال الزيان، أن الوضع الذي أصبح عليه حال المنطقة مزريًا جدا، والناس لم تعد تحتمل العيش في هذه الظروف القاسية، فانعدام الوقود والغاز ونقص السيولة النقدية والشح في المياه والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي إضافة إلى تردي البنية التحتية وغياب الخدمات الصحية الجيدة، فضلا عن المخاطر الأمنية المحيطة بالمنطقة، جعلت أهالي الجنوب يكافحون تحت ضغط الأوضاع المعيشية الصعبة ويعيشون في صراع يومي لتأمين حاجياتهم اليومية.

ويعزى "الزيان" تدني مستوى العيش في مدن الجنوب خاصة إلى "ازدهار السوق السوداء وتنامي التهريب"، وعلى سبيل الحصر يقول إن غياب المحروقات يعود إلى "فساد أصحاب محطات الوقود الذين أصبحوا يفضلون بيع الوقود بسعر مضاعف إلى التجار لتهريبه إلى الدول المجاورة على بيعها للمواطن بالثمن المدعم من الدولة"، مؤكدا أن بعض سكان الجنوب "انخرطوا في هذا الأمر وأصبحوا يتخذون من التهريب مهنة لهم".

أوضاع الناس تتجه نحو الأسوأ
ويقول عبد المالك معتوقي، مواطن من منطقة سبها إن "المنطقة أصبحت مهملة ومعزولة وأوضاع الناس تتجه نحو الأسوأ رغم وعود بعض المسؤولين بالتدخل"، مضيفا أن "أغلب مدن الجنوب تعاني من نقص كل المواد الأساسية وتعرف ركودا تجاريا، حيث باتت محطات الوقود مغلقة وطوابير السيارات طويلة، وسيطر تجار السوق السوداء على مسالك البيع، وارتفعت الأسعار بسبب وجود ندرة في السلع مقابل ارتفاع الطلب وغياب الاحتياطات النقدية في المصارف".

وفي غياب المداخيل المحلية وضحالة المصادر التي تؤمن الإيرادات المالية وعدم وجود وظائف، وفي ظل انعدام سيادة القانون وعدم وجود سلطة أمنية، لجأ العديد من سكان الجنوب إلى التجارة غير الشرعية سواء عبر تهريب الوقود أو المنتجات الغذائية الأساسية أو حتى تهريب البشر والسلاح، لتدبر أمرهم وتوفير مصادر رزقهم.

نقطة تجاذب بين القوى
لكن ليس التهريب وحده سببا في حالة العوز والفاقة التي وصلت إليها منطقة الجنوب، فالانقسام السياسي في البلاد وتجدد الصراعات في كل مدن الجنوب سواء بين القبائل أو بين الحكومتين المتصارعتين جعلا هذه الجهة تبقى نقطة تجاذب بين القوى المتنافسة على السلطة وعاملا مؤججا لفقدان الأمن.

ويقول في هذا السياق كمال الزيان، إن منطقة الجنوب "تغيب فيها الدولة بشكل كامل وبقيت بلا حاكم، فهي في صراع نفوذ بين القوات التابعة لحكومة الوفاق وكذلك قوات الجيش الليبي حيث يسعى كل طرف إلى السيطرة عليها وبقي المواطن ضحية لكل هذا"، ولكن رغم هذا الواقع الرديء، يلاحظ أهل الجنوب الفارق بينهم وبين أهل الشرق أو الغرب في مستوى المعيشة ويذهب البعض إلى التصنيفات الجغرافية ويشعرون باستمرار الإقصاء الموجه ضدهم، خاصة أن منطقتهم عرفت بالتهميش والحرمان منذ نظام معمر القذافي.

ويشير في هذا الجانب أبو محمد الزايدي موظف في إدارة شؤون التربية بمنطقة أوباري، إلى أن "الصراعات وغياب الأمن يكاد يغلب على أهم المدن الليبية ومع ذلك تحظى مناطق الشرق والغرب بالأولوية وتتوفر على أغلب الخدمات ويعيش سكانها في رفاهية مقارنة بسكان مدن الجنوب"، يضيف أن السلطات الحالية ومؤسسات الدولة سواء في الشرق أو الغرب، "تواصل السير في نفس الطريق الذي سلكه معمر القذافي طوال سنوات حكمه، عندما قام بتهميش مدن الجنوب وحرمانها من التنمية، وتتجاهل مطالب واحتياجات سكان الجنوب"، مؤكدا أن هذا الأمر، من شأنه أن "يعمّق الشعور بالظلم واللامبالاة لديهم ويزداد حقدهم تجاه السلطات ويدفعهم إلى الارتماء في أحضان الجماعات العنيفة المعادية للدولة".

وفي حين يستمر الصراع وغياب الحاكم في مناطق الجنوب، تزداد المخاوف من احتمال أن تستغل الجماعات المتطرفة التي تتخذ من صحراء هذه المناطق مجالا للتنقل والنشاط، مشاعر الحقد والغضب المتفاقمة لدى السكان تجاه السياسة المتبعة من طرف السلطات، للتموقع من جديد في ليبيا والسيطرة على الجزء الأهم بالنسبة لها من البلاد المتاخمة لمنطقة الصحراء والساحل.