القدس المحتلة - ناصر الاسعد
يُنتظر أن ينظم الفلسطينيون مسيرة العودة الكبرى، التي يأملون أن يحشدوا فيها مئات الآلاف من المواطنين يوم الثلاثين من مارس/ آذار الجاري، وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تنظيم مسيرات تتجه صوب السياج الحدودي، لكنها الأخطر وفقًا للتقديرات الفلسطينية أولًا، والإسرائيلية ثانيًا، حيث تشكل هذه المسيرة وفقًا للفصائل، ردًا شعبيًا فلسطينيًا على صفقة القرن وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعلان مدينة القدس عاصمة لإسرائيل. ومسيرة العودة هي خطوة عملية أولى لمواجهة مسلسل تصفية القضية الفلسطينية التي تتسارع في ظل ما يصفه الفلسطينيون بالتواطؤ الدولي.
وقبل أيام شهد قطاع غزة اجتماعات مكثفة لقيادات الفصائل، التي أكدت على ضرورة رد الاعتبار لأساليب المقاومة الشعبية، وتم الاتفاق على أن يكون يوم الأرض هو موعد انطلاق المسيرات من مختلف مناطق قطاع غزة باتجاه الحدود، في محاولة لاختراقها، وتمت صياغة رؤية متكاملة لشكل وطبيعة الفعاليات، التي تضمنت إقامة خيام للاجئين على طول الشريط الحدودي والاشتباك مع الجنود الإسرائيليين بوسائل سلمية، وتجاوز الحدود هو الهدف الأول للمتظاهرين، والمطالبة بتطبيق قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها قرار 194، الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجاء في الفقرة 11 منه بأن الجمعية العامة "تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات، بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقًا لمبادئ القانون الدولي والعدالة، وبحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة".
إذا هي معركة جدية على أرضية القانون الدولي، الذي يعتقد الفلسطينيون أنهم قادرون على تكريس الرواية الفلسطينية، وإعادة القضية الوطنية للصدارة، في ظل تراجعها بسبب تناقضات الإقليم التي أدت لحروب طاحنة تحت شعار ما يسمى بالربيع العربي .
ووفقًا للمحللين، فإن مسيرة العودة قد تؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني، على اعتبار أنها تظاهرة تتقاطع معها رؤى جميع القوى الوطنية والإسلامية والشعبية واللجان من مختلف المشارب السياسية والفكرية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وهذا ما افتقدته الساحة الفلسطينية طوال الأعوام السابقة بسبب حالة الانقسام .
الأسبوع الماضي شهد عقد لقاءات مكثفة وورشات عمل، وتم تبني هذا المشروع إعلاميًا من مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وجميعها أكدت على ضرورة توعية الجمهور الفلسطيني بالمسيرة الكبرى وآلياتها وأهدافها والتحديات التي يمكن أن تواجهها، مع ضرورة إقامة الحُجة والدليل على سلمية المسيرة وقانونيتها وقطع الطريق على إسرائيل لتبرير ممارسة العنف المفرط ضد المسيرة أثناء رحلتها للعودة إلى الديار.
وفقدت غزة كل أمل لمواطنيها بحياة كريمة، على مستوى العلاقة مع إسرائيل، خاضت ثلاث حروب طاحنة، انتهت بصمود القطاع مقابل تدمير شبه كامل لبنيته التحتية، واقتصاده، وجاء الحصار ليكمل ما عجزت عنه الحروب الثلاث، لترتفع معه مستويات الفقر والبطالة وانهيار المؤسسات الخدماتية من صحة وتعليم، وتقييد حرية حركة المواطنين بخاصة أمام المرضى والطلاب وأصحاب الإقامات العالقين في القطاع، ويعاني القطاع من تلوث مياه الشرب بنسبة وصلت إلى 97 في المئة، وانقطاع شبه كلي للتيار الكهربائي، في ظل القيود التي تفرض على إدخال الوقود لمحطة الكهرباء الوحيدة .
وعلى مستوى المصالحة، فقد الغزيون الأمل بالمصالحة الفلسطينية، بخاصة بعد محاولة تفجير موكب رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدالله أثناء افتتاحه محطة لتحلية مياه الشرب شمال القطاع ، تفجير أطاح بملف المصالحة بالكامل وأعاد الفلسطينيين لمربع الانقسام الأول، مع وعيد بالمزيد من الإجراءات العقابية من السلطة الفلسطينية على حماس، والتي ستنعكس بدرجة كبيرة على المواطنين أيضًا.
إذا غزة تجعل من مسيرة العودة خيارًا ممكنًا ومتاحًا، بعد أن سدت في وجه غزة كل الخيارات الأخرى التي كانت تأمل أن تؤدي لتخفيف آثار أزمات القطاع المعقدة، وقبل أيام تمكنت مجموعة من الشبان في غزة من اجتياز السلك الفاصل جنوب شرق القطاع، وتحركوا وصولًا إلى المعدات العسكرية الإسرائيلية التي تستخدم في الكشف عن الأنفاق، أشعلوا فيها النار، وعادوا من حيث أتوا، بعد أن تركوا إسرائيل أمام سؤال صعب، كيف يمكن اختراق الحدود بهذه السهولة في ظل تشديد الرقابة الأمنية الإسرائيلية على كامل الشريط الحدودي؟
والثلاثاء، أثبت الفلسطينيون أن اجتياز الحدود ليس صعبًا، حيث تسلل مجموعة من الشبان انطلاقًا من شرق رفح، إلى الداخل، ووفقًا لمصادر إسرائيلية كانوا يمتلكون سكاكين وقنابل، مشوا عدة كيلومترات حتى اقتربوا من قاعدة " تساليم" العسكرية قبل أن يتم اكتشافهم.
واليوم نجح شابان بالتسلل بالقرب من موقع كارني العسكري، ونجحا في إشعال النار بآلية عسكرية وعادا إلى غزة بسلام.
ووفقًا لمحللين، محاولات التسلل الناجحة مؤخرًا مرتبطة بمسيرة العودة الكبرى، إذ إنها إثبات لمواطني غزة أولًا على أنهم قادرون على اختراق الحدود، وأكد محللون سياسيون أن إسرائيل جهَّزت نفسها لكل الحروب.. قنابل نووية.. جيش أقوى من الجيوش العربية كما أراد بن غوريون.. ترسانة أسلحة ضخمة وسلاح طيران قوي .. وتفوق في أجيال السلاح .. لكن إمكانية مواجهة سيول بشرية فهذه لم يحسب لها حساب. وهذا هو اختبارها المقبل.
ووفقًا للتقديرات الإسرائيلية، فإن غزة على وشك الانفجار، وهي تدرك أن الانفجار سيكون باتجاه المناطق الإسرائيلية، لذا فهي تنظر بخطورة كبيرة إلى المسيرات الفلسطينية المرتقبة في ذكرى يوم الأرض، خاصة مع بدء العد التنازلي للمسيرات المليونية، التي أقرتها الفصائل الفلسطينية، باتجاه الحدود، بهدف إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، والتأكيد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين في ظل مساعي الإدارة الأميركية لشطب حق العودة.
وهذا ما جعل "مسيرة العودة" مادة رئيسية على جدول اجتماع "الكابنيت" المصغر لشؤون الأمن في "تل أبيب"، والسؤال الأكثر إلحاحًا من وجهة نظر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، هو كيف يمكن لجيش نظامي أن يتعامل مع آلاف المواطنين، من بينهم نساء وأطفال، وما هي حدود القوة التي يجب استخدامها ؟
الأسبوع الماضي، شنت إسرائيل عدة غارات على مناطق مختلفة من القطاع، وبخلاف كل الغارات السابقة لم تأت الغارات ردًا على إطلاق صواريخ من القطاع، حركة حماس في بيان لها أكدت أن التصعيد الإسرائيلي يأتي بهدف تخويف المواطنين من المشاركة في المسيرات الجماهيرة التي هدفها اجتياز الحدود.
وقبل أيام ألقت الطائرات الإسرائيلية آلاف المنشورات التي تحذر مواطني القطاع من الاقتراب من المناطق الحدودية، ويؤكد متابعون أن آلاف الغزيين سيصلون حدود القطاع، وأمامهم هدف واحد اجتياز الحدود، وإذا ما فعلوها فإن الخيارات الإسرائيلية ستكون محدودة، من ضمنها استخدام القوة المفرطة ضد مدنيين عزل، وهذه مصيبة، أما المصيبة الأكبر فهو نجاحهم في أن يتمترسوا في الجهة المقابلة من الحدود ، ليسجل الفلسطينيون للمرة الأولى التجسيد الفعلي لتطبيق قرار 149 الدولي حتى ولو كان تطبيقًا مؤقتًا.