طرابلس - فاطمة سعداوي
يستعد الجيش الوطني الليبي لفتح جبهات جديدة في طرابلس في إطار المعركة الرامية إلى دحر الجماعات المتشددة من العاصمة الليبية، وجعل مصراتة "عاصمة مؤقتة" بنقل بعض مؤسسات الدولة إليها، والتخفيف من وطأة الكثافة السكانية التي تمثل عائقًا أمام القوات المُقاتلة في مواجهة الميليشيات المسلحة التي توسع دائرة الشر. يتزامن ذلك مع وصول تعزيزات عسكرية لميناء مصراتة والعزيزية وبعض الجبهات الأخرى وسط استمرار الدعم الفرنسي والأميركي لقوات حفتر، فيما انتقد فايز السراج هذا الدعم رغم الاعتراف الدولي بحكومة الوفاق الليبي.
احتدام القتال في طرابلس
وقال المتحدث العسكري، اللواء أحمد المسماري، إن الجيش يستدعي قوات الاحتياط لفتح جبهات جديدة في طرابلس، مشيرا إلى أنه سيستخدم المدفعية والمشاة في الأيام المقبلة. وأشار إلى توفر معلومات عن نقل بعض مؤسسات الدولة من طرابلس إلى مصراتة، لتأخذ دور العاصمة، متوعدا باجتثاث بؤرة الإرهاب وبأنه "لن يتوفر للمجموعات الإرهابية أي ملاذ آمن في ليبيا".
وفيما يتعلق بسير المعركة على الأرض، أشار المسماري إلى أن معركة "طوفان الكرامة" تسير "على نحو جيد" في كل الجبهات، وتحقق قوات الجيش "تقدما ميدانيا ممتازا". وتابع: "لم ينفذ سلاح الجو (الاثنين) أي طلعات بسبب الغبار والرياح القوية، ولكننا نركز على معسكرات الميليشيات الإرهابية المعروفة لدينا، وأي موقع يصل إليه الجيش لن يتراجع عنه".
كما بيّن أن تواجد المدنيين والكثافة السكانية العالية في بعض مناطق الاشتباك "تحول دون سرعة إنجاز مهمة الجيش في تحرير طرابلس". وأدرف المسماري قائلا: "لهذه الغاية اعتمدنا الزج بالتنسيق الثاني، لتعويض غياب الأسلحة الثقيلة واستخدام القوة المفرطة في هذه المواقع".
وتشير الأنباء إلى وصول تعزيزات ضخمة لقوات حفتر، ما يفتح الباب أمام جميع الاحتمالات. وتحدثت مواقع إخبارية تابعة للقيادة العامة للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ومواقع تابعة لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج عن حشود متبادلة منذ مساء أمس، ما يعني أن الحرب مرشحة اليوم لمزيد من التصعيد في محاورها الرئيسة، وخاصة حول مدينة العزيزية الاستراتيجية إلى الجنوب من طرابلس، وفي الضواحي الجنوبية الملاصقة للمدينة.
وكانت محاور القتال في عين زارة وطريق السواني وقصر بن غشير قد شهدت معارك كر وفر، تبادل خلالها الطرفان السيطرة على المعسكرات والمناطق الحيوية لفترات قصيرة من دون أن يحقق أي طرف مكاسب كبيرة.
وفيما عزا المتحدث باسم الجيش الوطني اللواء أحمد المسماري بطء تقدم الجيش إلى "الحرص على حماية المدنيين"، أعلن في ذات الوقت أن "اللواء ركن إدريس مادي، آمر المنطقة العسكرية الغربية، يتوجه على رأس قوة كبيرة من مدينة الزنتان إلى غرفة عمليات تحرير طرابلس ويستلم المهمة القتالية المكلف بها".
تعزيزات عسكرية ودعم غربي
وأظهرت مقاطع فيديو أرتالا طويلة من العربات المسلحة، وهي تتجه من منطقة الجبل الغربي ومن أقصى الغرب، نحو العاصمة لتعزيز قوات الجيش في محيط طرابلس.
وعلى الرغم من الهدف الدعائي والنفسي من استعراض الحشود العسكرية وأرتال الآليات، إلا أن مؤشرات هذه المرة تدل على أن معركة طرابلس ستشهد اليوم تصعيدا كبيرا بعد أكثر من أسبوعين من قتال نجم عنه، وفق منظمة الصحة العالمية، مقتل 254 شخصا، وإصابة 1228 آخرين.
ويبدو أن القيادة العامة للجيش قد ألقت بكل ثقلها في هذه المعركة "المصيرية" من خلال إرسال قوات ضخمة من "الاحتياط" إلى الجبهات، وتغيير قائدي كتيبتين مقاتلتين متمركزتين في ضواحي العاصمة الجنوبية.
وترجح الأنباء المتواترة أن تشهد المناطق المحيطة بالعزيزية، ومحاور القتال في ضواحي العاصمة الجنوبية معارك طاحنة، وقد تُفتح جبهات جديدة بغرض اقتحام طرابلس، وحسم المعركة.
بالمقابل، ستحاول الوحدات المدافعة عن العاصمة امتصاص الهجوم الجديد والاحتفاظ بمواقعها أطول فترة ممكنة، بل ومحاولة كسر شوكة الجيش، وإبعاد قواته عن المنطقة، وصولا إلى السيطرة على غريان، جنوب غرب طرابلس، واقتحام ترهونة، جنوب شرق المدينة، وفق منشورات في مواقع إخبارية تتحدث باسم هذه التشكيلات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق الوطني.
ومن المنتظر أن يستقبل ميناء مصراتة الليبي، الثلاثاء، سفينة إيرانية "مجهولة الحمولة" كانت في بحر إيجه، تابعة لشركة مدرجة على قائمة العقوبات الأميركية، بعد مغادرتها لسواحل شرق أوروبا منذ أربعة أريام. وغادرت السفينة الإيرانية، صباح السبت الماضي، ميناء بورغاس في بلغاريا، حتى أظهرها موقع مارين ترافيك الذي يتقصى حركة السفن وهي تتجه إلى ميناء مصراتة الليبي.
وتخضع مصراتة لسيطرة مجموعة من الميليشيات التي يشارك بعض منها في معركة طرابلس المندلعة الآن.
السرّاج وقواته يردون
ومن جهته، انتقد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج موقف فرنسا تجاه الأحداث الأخيرة في ليبيا. وقال السراج في مقابلة مع صحيفة "لوموند" الفرنسية إن باريس على الرغم من اعترافها بحكومة الوفاق الوطني، تقدم الدعم لخليفة حفتر.
واعتبر أن "هذا الدعم غير المتوازن من قبل فرنسا هو ما دفع به نحو قرار الانسحاب من العملية السياسية".واتهم فرنسا باتخاذ موقف "غير واضح" وعدم التضامن مع حكومة الوفاق إلى حد كاف.
وأعرب السراج عن رضاه عن إدانة بعد الدول لتقدم قوات خليفة حفتر نحو طرابلس، لكنه أشار إلى أن ذلك ليس كافيا. ودعا المجتمع الدولي إلى "اتخاذ موقف واضح"، مشيرا إلى أن على المجتمع الدولي أن يتخذ إجراءات محددة لوقف إطلاق النار وعودة قوات حفتر إلى مواقعها السابقة.
أقرأ أيضًا :
صنع الله يُؤكِّد صادرات النفط الليبية تُواجه تهديد منذ 2011
وفي غضون ذلك، نجحت قوات موالية لحكومة الوفاق الوطني يقودها أسامة الجويلي في إبعاد وحدات الجيش من منطقة العزيزية إلى وادي الهيرة.
ولم يتغير الوضع لاحقا في هذه المنطقة على الرغم من المعارك الشرسة التي خاضها الطرفان، حيث حاول الجيش استعادة هذه المدينة الاستراتيجية، فيما سعت قوات حكومة الوفاق إلى التقدم في محاولة للسيطرة على مدينة غريان وانتزاعها من قبضة الجيش.
تمركزات الميليشيات المسلحة في طرابلس
مع تضييق الجيش الوطني الليبي الخناق على ميليشيات طرابلس، في إطار عملية "طوفان الكرامة" التي تسعى لتحرير العاصمة، تسعى هذه الجماعات المسلحة والميليشيات المتشددة لتوسيع "دائرة الشر"، وفق ما يؤكد مراقبون
وفي هذا الإطار، تعمل ميليشيات طرابلس على توطيد صلاتها مع جماعات متشددة أخرى غرب البلاد، في محاولة لعرقلة جهود الجيش الليبي والاستمرار في عمليات النهب وانتهاك حقوق الشعب الليبي. وتشير التقارير الواردة من ليبيا، إلى أن ميليشيات طرابلس تحالفت مع ميليشيات أخرى في صبراتة ومصراتة والزنتان والأمازيغ وزليتن والزاوية والخمس.
وتتكون ميليشيات طرابلس نفسها من مجموعات إرهابية، تضم مجرمين وإرهابيين وهاربين، هي: ميليشيا منطقة تاجوراء، وميليشيا النواصي، وميليشيا كتيبة ثوار طرابلس، وميليشيا قوة الردع، وميليشيا المدينة القديمة، وميليشيا 42 حرامي، وميليشيا أبو سليم، وميليشيا القوة المتحركة جنوزر، وميليشيا فرسان جنزور.
وتسيطر عدة ميليشيات على منطقة تاجوراء، تناصر التيار المتشدد وتأوي العناصر الفارة من المواجهات مع الجيش في المنطقة الشرقية. ومن أبرز عناصرها الإرهابي زياد بلعم. أما ميليشيا "النواصي"، فتضم تحالف 3 عائلات من منطقة سوق الجمعة، هي عائلات قدورة، والزقوزي، وأبوذراع. وتتمركز الميليشيات في ميدان أبو سنة بطريق الشط، وفي محيط برج ليلى وأبراج ذات العماد، وتسيطر على مصرف ليبيا المركزي، وميناء طرابلس البحري، وقاعدة أبو ستة البحرية.
وتتكون ميليشيا "كتيبة ثوار طرابلس"، من تحالف عدد من الميليشيات الإجرامية في طرابلس، وتتمركز في مقر مزرعة النعام في تاجوراء، وفي منطقة عين زارة في معسكر السعداوي، ومقر الاستخبارات بطريق الشط. كما تسيطر على البريد المركزي، وعدد من الوزارات ومديرية أمن طرابلس، ومن أبرز عناصرها هيثم التاجوري.
من جانبها، تتمركز "ميليشيا قوة الردع" في قاعدة معيتيقة الجوية، وتسيطر على مطار معيتيقة وتدير سجنا داخل القاعدة. يشار إلى أنه يسيطر على الميليشيات عدد من العناصر المحسوبة على التيارات المتشددة. وتسيطر ميليشيا "المدينة القديمة" على المدينة القديمة ومحيطها في وسط البلاد، وتتمركز في فندق كورنتيا، ومن أبرز عناصرها جمال إندام.
أما ما يعرف بـ"ميليشيا 42 حرامي"، فتتمركز في منطقة عين زارة، وتسيطر على مبنى مصلحة الجوازات والجنسية، ومن أبرز عناصرها عبد الحكيم رمضان الشيخ. وتقع منطقة أبو سليم والهضبة وأجزاء من طريق المطار، تحت سيطرة ميليشيا أبو سليم، التي يقودها عناصر إجرامية، أبرزها عبد الغني بلقاسم خليفة الككلي، الملقب بـ"غنيوة". وفيما يتعلق بمنطقة جنزور، فتسيطر عليها ميليشيتان رئيسيتان، هما ميليشيا القوة المتحركة، وميليشيا فرسان جنزور.
وتضم ميليشيا القوة المتحركة، عناصر من قبائل الأمازيغ وجنزور، ويقودها ضابط سابق متقاعد هو أبو زيد زايد أبو الشواشي، وتسيطر على منطقة جنزور الغربية من بوابة كوبري 27، حتى كوبري 17. وتتمركز في عدد من المرافق والمصانع والمصارف بالمنطقة.
فيما تسيطر ميليشيات فرسان جنزور على كل المصالح العامة في جنزور، بما في ذلك مديرية الأمن، إلى جانب منطقة سيدي عبد الجليل، التي يقع فيها مقر الأمم المتحدة. وتتمركز هذه الميليشيات في مقر مصنع الصابون جنزور ومصانع الأنابيب.
وبالرغم من تشعب هذه الميليشيات وانتشارها في مناطق مختلفة، فإنها نجحت في إبرام تحالفات لفرض سيطرتها على مناطق أوسع، والاستمرار في نهب الشعب الليبي، ومقاومة الجيش الوطني الذي يسعى إلى تحرير البلاد.
ففي صبراتة، أجرت ميليشيات طرابلس تحالفا مع أحمد عمر عبد الحميد الدباشي، الملقب بـ"العمّو"، وهو مجرم معني بعمليات التهريب الدولي، واسمه على لوائح المطلوبين دوليا ومحليا. وهرب الدباشي من مدينة صبراتة بعد تحريرها والتحق بميليشيات الزاوية مع غيره من المهربين والمجرمين من صبراتة.وكان يسيطر على مجمع مليته النفطي، الذي يصدر الغاز لشركة "إيني غاز" الإيطالية لسبع سنوات.
أما مصراتة، فتشهد وجود تحالف لميليشيات إرهابية وإجرامية، ارتكبت العديد من جرائم الحرب في مدن مختلفة، إذ قتلت واعتقلت مواطنين، ودمرت وسرقت أملاكا عامة وخاصة، في بني وليد ورشقانة وتاورغا وقاعدة براك الشاطئ وطرابلس وغرغور، والهلال النفطي، ومطار طرابلس الدولي.
وتضم هذا التحالف ميليشيات "الصمود" بقيادة صلاح الدين محمد بادي، وميليشيا "كتيبة الحلبوص"، وميليشيا "166"، وميليشيا "المتحركة"، وميليشيا "القوة الثالثة"، وميليشيا "كتيبة حطين"، وميليشيا "شاريخان".
وفي المنطقة الغربية، تنتشر ميليشيات الزنتان بقيادة أسامة الجويلي وعماد الطرابلسي، وميليشيات الأمازيغ المكونة من مهربين ومجرمي حرب وإرهابيين، وأبرزهم أسامة عبد السلام جويلي.
وفي زليتن، يقود عبد الرؤوف الصاري ميليشيا "أحرار زليتن"، التابعة لـ"درع الوسطى مصراتة" الإرهابي. وقد شارك في العديد من جرائم الحرب، منها مهاجمة مدينة بني وليد.
وفي الزاوية، عقدت مجموعة من الميليشيات الإرهابية والإجرامية تحالفا فيما بينها، وهي ميليشيا "غرفة الثوار" بقيادة شعبان مسعود خليفة هدية المعروف بـ"أبو عبيدة"، وميليشيا "النصر" بقيادة محمد الهادي كشلاف "قصب"، وميليشيا "الفأر" بقيادة محمد سالم بجرون "الفأر"، وميليشيا "الأبح" بقيادة الإرهابي نجل عميد الزاوية الغربية قيس كبد الكريم الأبح، وميليشيا "السلوقي" بقيادة فراس عمار السلوقي، وميليشيا "البيدجا" بقيادة عبد الرحمن سالم ميلاد.
وتضم هذه الميليشيات مهربين يسيطرون على مصفاة وميناء الزاوية النفطي، ويقومون بعمليات تهريب للوقود والبشر داخل وخارج ليبيا، وقد ارتكبت جرائم حرب في مدينة الزاوية ومحيطها.
وفي الخمس، فقد شكّل آمر ما يعرف بـ"المجلس العسكري لمدينة الخمس"، مصطفى سلطان، ميليشيا تسيطر على ميناء الخمس الدولي، وترتكب جرائم حرب داخل مدينة الخمس وخارجها، إذ تقوم بأخذ "أتاوات" من التجار الذين يصدرون ويستوردون من ميناء الخمس.
قد يهمك أيضًا :
قلق روسي من تهديدات قصف الجيش الليبي بعد اتهام حفتر بإعلان الحرب على طرابلس
حكومة الوفاق الوطني تُعلن حالة النفير العام للتصدّي لقوّات حفتر